ترامب يعلن عن "يوم كبير" في البيت الأبيض قبل اجتماعه مع زيلينسكي وقادة الاتحاد الأوروبي    ألمانيا تتوج ببطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عاما لأول مرة في تاريخها    المنتخب الأسترالي يفوز بكأس آسيا لكرة السلة للمرة الثالثة تواليا    مهرجان قرطاج يكرّم فاضل الجزيري بعرض فيلم "ثلاثون"    أعلام من بلادي...حمادي بن زينة (زوج د.توحيدة بالشيخ).. طبيب ومناضل تقدّمي طواه النسيان    الوطن القبلي...إنتاج وتحويل الطماطم.. آفاق واعدة... وإشكاليات «مزمنة»!    «حَرب» تصريحات بين الحيدوسي والهيئة ..ماذا يَحدث في النادي البنزرتي؟    ويتكوف: الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على ضمانات أمنية لأوكرانيا وأوروبا    8 آلاف متفرج وسهرة استثنائية .. بوشناق... «سلطان» مهرجان بنزرت الدولي    إرضاء لجمهور مهرجان سوسة في حفل الاختتام...الرشيدية تتنازل عن «المالوف»    تاريخ الخيانات السياسية (49)...توزون يفقأ عيني الخليفة المتّقي    حكايات وحِكم.. يجود علينا الخيّرون بمالهم.. ونحن بمال الخيّرين نجود    استراحة صيفية    مع الشروق : اتجار بالبشر أم اتجار بالخبر؟    'فيلم رعب' بأحد أسواق مصر.. اشتباكات مسلحة ورصاص كالمطر    وصول الفنانة الإماراتية أحلام إلى تونس    عاجل: الجزائر: زلزال يهز مدينة تبسة على الحدود مع تونس    ملتقى لوفان البلجيكي لألعاب القوى.. العيوني يحصد فضية سباق 800 متر    نيجيريا: فقدان أكثر من 40 شخصاً في حادث غرق قارب شمال البلاد    أنغام لا تزال تعاني.. تطورات جديدة في حالتها الصحية    عاجل/ من أجل الايهام بجريمة: بطاقة ايداع بالسجن في حق شاب..    سوسة: بلدية سوسة تنظم تدخلات استثنائية لمعاضدة عمل فرق رفع الفضلات ولتنظيف رواسب مياه الأمطار    التشريعية الجزئية بدائرة دقاش- حامة الجريد- تمغزة.. غلق مكاتب الإقتراع وغدا الاعلان عن النتائج الأولية    ديوان الخدمات الجامعية بالجنوب يعلن عن آجال تقديم مطالب السكن الجامعي    وكالة السلامة السيبرنية تدعو إلى الانتباه عند استعمال محركات البحث بالذكاء الاصطناعي    تطاوين: انطلاق صيانة الطريق المحلية عدد 994 ضمن برنامج وزارة التجهيز السنوي لصيانة الطرقات المرقمة    المقاومة اليمنية تستهدف مطار اللد بصاروخ باليستي فرط صوتي    عاجل/ إيقاف المعتدين على حافلة وعربة المترو 6..    عدد من المصابين في إطلاق نار بحي يهودي في نيويورك    كأس إفريقيا لكرة السلة.. المنتخب التونسي يحقق فوزه الأول    أم كلثوم حاضرة بصوت مي فاروق في مهرجان قرطاج الدولي    تفاصيل مقترح روسيا لإنهاء الحرب.. ماذا طلب بوتين من ترامب؟    تقرير صادم: التلوّث البلاستيكي يغزو السواحل التونسية بأكثر من 160 ألف نفاية    نبتة رخيصة الثمن تحمي من السرطان وتخفض ضغط الدم: تعرف عليها    أكثر من 804.8 ألف تونسي تحصلوا على قرض من مؤسسات التمويل الصغير    صادرات تونس من الغلال تجاوزت 96 مليون دينار مع منتصف شهر اوت    هل السباحة ممكنة خلال اليومين القادمين؟..    باحثون تونسيون يبتكرون جوارب تعيد الثقة والحركة لذوي الاحتياجات الخاصة    عاجل: إنهاء مهام مسؤول في تنظيم الحج والعمرة    مخبر النسيج بمعهد الدراسات التكنولوجية بقصر هلال يقوم بتسجيل 40 براءة اختراع 3 منها خلال السنة الجارية (مديرة المخبر)    تاكلسة: وفاة شاب في حادث مرور    كميات الأمطار المسجّلة في تونس خلال 24 ساعة الأخيرة    تيمور تيمور غرق وهو ينقذ ولدو... وفاة صادمة للفنان المصري    أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي يسلّط الضوء على دلالات الأرقام الجديدة للنمو والتشغيل    حركة انتقالات نشطة للترجي: لاعب برازيلي يرحل ولاعب جزائري ينضم    ورشات في التحليل السينمائي من 20 الى 23 اوت القادم بمنزل تميم    قبل ما ترقد، تستعمل التليفون.. أما تعرف شنوّة تأثير الضوء الأزرق عليك؟    جربة: انطلاق اشغال ترميم جامع بن معزوز    عاجل: الصوناد توفرلكم خدمة رسائل قصيرة لمتابعة فواتير الماء    النادي الافريقي: راحة بيومين للاعب فهد المسماري    عاجل: اضطراب في حركة المرور نحو جربة والوزارة توضّح الطرق الممكنة    الحرارة بين 29 و40 درجة: تقلبات جوية مرتقبة بعد الظهر...بهذه المناطق    نقل تونس: فتح محضر في حادثة تهشيم بلور إحدى الحافلات الجديدة    دقاش توزر: مواطنون يستغيثون: محطات النقل .. معاناة في الصيف والشتاء    حجز 4 محركات ضخ وقوارير غاز منزلية بمنطقة الزقب بأوتيك..    طقس اليوم: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار أحيانا غزيرة بهذه الجهات    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبل الكذب قصير…يا سعادة الوزير…بقلم عبد العزيز الرباعي
نشر في صحفيو صفاقس يوم 18 - 09 - 2015

نزل الوزير من سيارته الفارهة وسط حشد عظيم من المتملقين واللحاسة الذين أحاطوا به كما يحيط السوار بالمعصم وقد اجتذبتهم عدسات آلات التصوير الكثيرة التي سبقت الوزير إلى المكان الذي كان يقصده كما تجتذب الذباب رائحة الجيف والقذرات…
كان الجميع يمد عنقه لكي يتم تصويره مع الوزير … أو كي يلحظه الوزير فيحظى برضاه… فالوزير صاحب نفوذ والتقرب منه دائما مفيد…
تقدم الوزير وهو منتفخ كالطاووس وقد غره احتشاد كل ذلك العدد من الناس حوله ومشى بخطوات بطيئة نحو باب المدرسة الواقعة في ذلك الحي الشعبي… كان كل ما حول المدرسة نظيفا بشكل منفر وشاذ .. لأنه لا يتماشى مع بقية المشهد المحيط به القذر والمتهالك… مجموعات من المنازل المتلاصقة كعلب السردين المتداعية الجدران حيث تفوح رائحة القمامة وتتكدس أكوام الركام والأتربة التي تفوح منها الرطوبة الممتزجة برائحة مياه الصرف الصحي الكريهة …
عجل الوزير بالدخول إلى المدرسة حتى لا تلتقط عدسات آلات التسجيل ذلك المشهد المزري المحيط بالمدرسة…
كانت بعض أشغال الصيانة قد أجريت على تلك المدرسة التي كانت هي أيضا متداعية للسقوط مثل كل المباني المحيطة بها … لقد تم ترميم بعض الجدران هنا وهناك… مع بعض الطلاء وبعض الألوان… كذلك تجديد بعض النوافذ والأبواب… بانت المدرسة في حلتها الجديدة مختلفة عن الماضي لكن لم يكن ذلك التغيير الحاصل عليها قادرا على إخفاء ما هو فاضح من عيوبها…لقد بانت تلك التحسينات المدخلة عليها مثل تلك التغييرات التي تحدثها المساحيق والألوان على وجه العجوز الشمطاء المتصابية…
هتفت الجماهير بحياة الوزير وهو يتنقل وسط ساحة المدرسة مثل الديك الرومي ثم وهو يتحاور مع مدير المدرسة الذي كان يسير إلى جانبه متأخرا خطوة عنه وقد طأطأ رأسه وهو يلهج بعبارات الشكر والثناء على مجهودات الوزير الجبارة التي لم تشهد لها وزارة التربية مثيلا طوال تاريخها من أجل تحويل المدرسة إلى جنة على وجه الأرض …
بعد تلك الجولة السريعة والتقاط الصور تجمهر الصحفيون حول السيد الوزير ليحدثهم عن قراراته ومجهوداته وإنجازاته ووعوده وإصلاحاته حتى ينير الرأي العام حول كفاءته وقدراته الخارقة للعادة التي ستغير واقع التربية الرديء في البلاد تغييرا جذريا بما يحدث ثورة في مجال التربية والتعليم بالبلاد…
اصطف المحتشدون وراء الوزير ليتم تصويرهم من قبل الصحفيين… وبدأ هو يتحدث عن إنجازاته ومشاريعه وكيف أنه في خلال بضعة أشهر فقط تمكن من أن يفعل المعجزات وأن يأتي بما لم يأتي به الأولون.. فقد أعاد للباكالوريا هيبتها ولم يمنح الشهادة إلا لثلث التلاميذ المشاركين واعدا بمزيد الغربلة… ثم تحدث عن نجاحه في إصدار قرار بارتقاء كل التلاميذ دون إجراء أي امتحانات وعن نجاحه في إجراء مناظرة الدخول للمدارس الإعدادية بالرغم عن أنف المعلمين ونقابتهم …ثم وجه تهديدا بطرد كل معلم لا ينضبط للقانون… ولم يفته في الختام أن يتحدث عن إنجازه العظيم بتغيير وجه المدارس وجعلها في مستوى مثيلاتها في العالم المتقدم ….
صفق الحضور… وأطنب الصحفيون في تعداد إنجازات الوزير وفي امتداحه.. وتملقه ….
ازدادت نشوة الوزير وصدق أن الذي يحدث من حوله حقيقي… فتمادى يطلق الوعود بتحقيق سنة دراسية متميزة لم يشهد القطاع لها مثيلا وأكد للجميع أنه سيتفادى الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وأنه سيقوم بتدريس جميع الأطفال في حالة تمادي المربين في تلاعبهم بمستقبل التلاميذ… وأنه سيكون سند الأولياء ضد تعسف وظلم المربين وأنه لن يسمح أبدا بتهديد مستقبل الأجيال القادمة…
كان الوزير يقول في نفسه…:" لقد ربحت المعركة… وجعلت الأولياء في صفي وألبتهم على رجال التربية … وأظهرتهم على أنهم مجموعة من الانتهازيين الماديين الغير مكترثين بمصير الأطفال… ونجحت في مماطلتهم وتسويفهم وفي إرباكهم وإدخال الشك في نفوسهم وفي قياداتهم… لن أحقق شيئا من مطالبهم وسأجبرهم على السمع والطاعة وعلى الرضوخ لأوامري ولو كانت مخالفة للقانون فلا تخفيض في ساعات العمل ولا منح على الساعات الإضافية ولا إعفاء من العمل الإداري ولا ترقيات ..
عاد الوزير إلى بيته وهو متأكد من أنه هزم المربين ونقابتهم بالضربة القاضية … لن يجرؤوا على المواصلة وسيرضخون…فأنا معي سلاح الاقتطاع من الراتب والطرد من المعمل…
طيلة شهر كامل قبل افتتاح السنة الدراسية والإعلام ليس له من حديث سوى إنجازات الوزير ونجاحات الوزير… لم يتجرأ أحد على البحث خارج المدارس المنتقاة من طرف الإعلام والوزارة بهدف تزييف الواقع المر و وإخفاء عيوب البنية التحتية المهترئة للمدرسة التونسية …تلك المدارس هناك…نلك التي تقبع على قمم الجبال وبين كثبان الرمال بين السباسب وعلى التلال تلك التي لا يصلها لا طريق ولا ماء ولا كهرباء … تلك التي يتم حجبها عن الأنظار كي لا تتكشف عورات الوزارة وأكاذيب الوزير… تلك المدارس هناك ..تلك التي يؤمها أبناء البسطاء والمهمشين من أبناء الشعب… حيث لا دروس خصوصية ولا امتيازات ولا مغازات ولا وسائل نقل ولا خضرة ولا ماء بارد ولا مكيفات… هناك حيث الشمس الحارقة والبرد القارس والطين إلى الركب .. هناك حيث الأودية الهادرة والعواصف الرملية الشديدة والمسافات البعيدة والمسالك الوعرة المحفوفة بالمخاطر… هناك حيث يمشي التلاميذ مسافة تعد بالكيلومترات على الأقدام حفاة عراة إلا من عزيمة لا تقهر على النهل من المعرفة وإصرار على ركوب الصعاب…
وجاءت ساعة الحقيقة..
فبعد يومين فقط من انطلاق السنة الدراسية جاء رد المربين صاعقا… يسفه أحلام الوزير الواهم ومن يقفون وراءه ويوقظه من سكرته العابرة …فتسقط الأقنعة ويظهر كذب الوزير الموقر عاريا أمام الجميع… المربون متمسكون بحقوقهم وبإظهار الحقيقة للجميع… حقيقة الكذب والتزييف ….
يا له من كابوس فضيع … انتبه الوزير من غفوته… ثم رش وجهه بشيء من الماء على عجل… ركب سيارته وتوجه نحو قصر الحكومة وهو يتصبب عرقا… مازالت كلمات المربين ترن في أذنيه :" يا حكومة التطبيع.. التعليم موش للبيع"… " يا وزير يا كذاب ..صباطك واحنك الباب"… ربما يمكن أن ينقذ الوضع قبل فوات الأوان فقد انكشفت كل أكاذيبه… قالها في نفسه ثم غرق في أفكاره من جديد….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.