الجميع يعرف اليوم – وإن كان البعض لا يزال يصر على التشكيك وحتى النفي- على أن ما يحدث في المنطقة العربية وفي الكثير من بقاع العالم هو نتاج تدبير قوى عالمية مالية واقتصادية وسياسية تسعى إلى مواصلة فرض هيمنتها على كل ما يحدث في العالم وعلى كل مقدرات الشعوب التي فاتها ركب امتلاك القوة الرادعة في يوم من الأيام… إن العالم اليوم منقسم بين أطراف قوية غاشمة ومستبدة ومجرمة… وأطراف ضعيفة مغلوبة على أمرها ولا قدرة لها على درء المخاطر عن نفسها … وحتى إن حاولت تلك الأطراف المستضعفة التمرد على هذا الواقع المرير والتخلص من التبعية والهيمنة المفروضة عليها تحت أقنعة مختلفة.. فإنها تجد نفسها في مأزق أكبر مما كانت تعاني منه وأكبر من أن تقدر على الخروج من ربقته وعوض أن تفلت من التبعية وتأخذ بزمام مصالحها ومصيرها .. فإنها تجد نفسها في مستنقع التحطيم الذاتي والتشظي والانحدار والدمار…. فمنذ تقسيم كعكة العالم إثر ما أطلق عليه بالحرب العالمية الثانية – الحقيقة أن الغالبية من دول العالم تم إقحامها إقحاما في هذه الحرب – من أجل إعادة توزيع مراكز القوة في العالم واقتسام كعكة خيراته… فإن انخرام التوازن وعلو منطق القوة أصبح هو السائد بين دول العالم المختلفة… ولقد عملت تلك القوى الجديدة المنتصرة في الحرب في ذلك الوقت على غلق كل المنافذ أما بقية الدول لإعادة بناء قوتها وتحقيق ازدهارها من أجل أن تواصل القوى الجديدة بسط سيطرتها على العالم دون غيرها … وقد اعتمدت تك القوى المهيمنة الجديدة على الكثير من الوسائل والأساليب من أجل تحقيق تلك الغاية منها ما هو مالي ومنها ما هو تجاري ومنها ما هو قانوني ومنها ما هو عسكري ومنها ما هو ثقافي ومنها ما هو اقتصادي.. إلى غير ذلك … ورغم أن الجميع يدرك أن كل تلك التدابير والقوانين هي مخالفة لمبادئ العدل والحق والإنصاف فإن الجميع كان يرضخ لمنطق الأقوى المهيمن ويخضع لواقع موازين القوى المنخرم… إن رهن الاقتصاد العالمي إلى الدولار الأمريكي… وفرض حق النقض الدولي على رقاب كل شعوب العالم من طرف حفنة من الدول الاستعمارية … وفرض الهيمنة والتبعية الاقتصادية على الجميع وإجبارهم على تصدير خيراتهم في شكلها الخام وبأبخس الأثمان وإعادة توريدها مصنعة بأضاعاف أضعاف ثمنها …وإذكاء بؤر التوتر في كل أنحاء العالم ودعم أنظمة الفساد والاستبداد والتهب والسرقة العميلة لها والمنصبة من طرفها في أغلب الأحيان… ودعم كل الجماعات المتطرفة والإرهابية … والتدخل العسكري الغاشم والذي لا يستند إلى أي شرعية كما رأينا ذلك في العراق وفي غيره من دول العالم إلا أدلة كافية على مدى همجية ووحشية وسادية هؤلاء وفساد النظام الدولي الذي يحكم عالمنا اليوم ويكاد يدمر الحياة عليه… أن ما يقوم به هؤلاء وأتباعهم وأعوانهم ..يذكرنا بما بقوم به مصاصو الدماء… أولئك الذين يمثلون جزءا من ثقافتهم… مصاصو الدماء الذين يعيشون بين الناس متخفين في شكل أناس عاديين يلبسون مما يلبس الآخرون ويأكلون مما يأكلون ويصنعون مثلما يصنعون… ولكنهم في الحقيقة مجموعة من الوحوش المتعطشة للدماء التي تتحين الفرصة للإيقاع بفرائسها لتشبع تعطشها للدماء منهم أو لتحقنهم بسمومها وتحولهم إلى أتباع مخلصين لهم… إن هؤلاء يحدثوننا ليلا نهارا عن قدسية حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وكرامة الإنسان …. وإنهم لا يفوتون فرصة إلا ويشعروننا بما يكنونه لنا و لثقافتنا وحضارتنا ونمط عيشنا من اشمئزاز واحتقار لأنهم لا يرون فينا إلا مجموعات من الوحوش البدائيين الذين لا يستحقون الحياة على وجه الأرض لفساد أذواقنا وبلادة أذهاننا…. والغريب أن الكثير منا يصدقونهم ويقرون بدونيتنا.. كيف لا وهم يرون أنهم في الدول القوية ينعمون بما لا ننعم به نحن من رغد العيش بسبب تحضرهم وتفوقهم في كل شيء … فهم يصنعون ونحن نستهلك.. وهم يبتكرون ونحن نقلد… وهم يسطرون ونحن ننفذ… هم الفاعل أبدا ونحم المفعول بهم… إنهم إذا أفضل منا ونحن لن نقدر أن نكون مثلهم إلا إذا ما تشبهنا بهم في كل شيء واتبعنا ملتهم … إنهم يحسنون خداعنا… يبهروننا ببهرج رفاهيتهم المادة الاستهلاكية المترفة التي يحيطون بها أنفسهم… إنهم على بشاعتهم وظلمهم ووحشيتهم يظهرون لنا في شكل الملائكة….فهم بالنسبة لنا العالم المتقدم… عالم الأنوار… العالم المتحضر …. القوى الكبرى… الديمقراطيات العريقة… يا لها من أسماء براقة… تبهرنا كما تبهر النار الفراشة التي لا تدرك أنها كلما اقتربت من ذلك النور الساطع إلا وسارعت بالاقتراب من حتفها.. لأن حقيقة ذلك النور ما هي إلى نار مستعرة… أليست نفس هذه الدول المتحضرة هي من يسكت عن حصار شعب أعزل محتل منذ أكثر من ستة عقود ومهدد بالموت الجماعي…. أليست هذه نفس الدول التي رمت عرض الحائط بكل القوانين وراحت تحرك آلات دمارها لتنسف دولا بأسرها وتسقط أنظمة برمتها وتضع مكانها أنظمة أخرى عميلة لها… أليست هي من رفعت حق النقض في حق أصحاب الحق وأسندت ما ليس لها لمن لا يستحق زورا وبهتانا… أليس هؤلاء هم من ينشرون الفوضى في كل مكان ويعربدون اليوم من أجل أن تستمر هيمنتهم ويتواصل تفوقهم ولو على حساب حياة الآخرين… أين كل ذلك الكلام الكبير عن حقوق الإنسان وكرامة البشر وحق الاختلاف واحترام الآخر والأخذ بيد الضعيف ونحن نرى كيف يتعامل هذا الغرب المنافق العنصري مع قضية اللاجئين السوريين وغيرهم ممن دمرت أوطانهم ..أولئك المستضعفون الفارون من جحيم الحروب التي كان الغرب سببا في إشعالها لتحقيق الفوضى الخلاقة التي بشر بها والتي ستتيح له رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد أو خارطة المستعمرات الجديدة؟؟؟ لقد عومل اللاجئون معاملة الكلاب الجرباء في الدول الأوربية … ضرب وتنكيل وتقتيل… لقد أغلقت في وجههم الحدود … وتم القضاء على الكثير منهم في عرض البحار…" أنتم غير مرغوب فيكم… فنحن لا نقدر على احتضانكم… عودوا إلى الموت في أوطانكم…. " لقد وصل الأمر بأحد الدول الأوربية إلى التحذير من أن عدم التعامل بكل حزم مع الأعداد الكبيرة الوافدة من اللاجئين الفارين بحياتهم من بؤر التوتر سيتسبب في دمار أوربا؟؟؟؟ يا ل الهول؟؟؟ أوربا العظيمة … أوربا العريقة… أوربا المتحضرة والغنية… تعجز عن استقبال بعض الآلاف من البشر المهددين بالفناء والموت؟؟؟ أين كل تلك الشعارات البراقة التي أصدعتم رؤوسنا بها عن علوية حقوق الإنسان .. أوليس أهم حق هو حق الحياة.؟؟؟ فالميت ن يعود بحاجة إلى حقوقكم؟؟؟ فكيف تدافعون عن الحق في الشذوذ.. والحق في التعري… والحق في تعاطي المخدرات والمسكرات… والحق في الإجهاض… والحق في تغيير الجنس… والحق في الاستنساخ.. والحق في التلاعب بجينات الكائنات… والحق في التلاعب بكل المثل والقيم….وتنقلبون على أعقابكم عندما يتعلق الأمر بأعظم الحقوق على الإطلاق وهو الحق في الحياة لأن الأمر أصبح يمثل مسا من بعض مصالحكم؟؟؟ ها أنتم تسقطون بالضربة القاضية في أول اختبار لمدى التزامكم بما ترفعون من شعارات ؟؟؟ إنكم تستكثرون فيمن استنجد بكم حتى حقه في الحياة ؟؟؟ فعن أي حقوق إنسان تتحدثون؟؟؟ تلك التي استخدمتموها ذريعة من أجل شن حروب وفرض عقوبات على كل من تمرد عليكم؟؟؟ إن الحقيقة أصبحت أكثر من واضحة لكل ذي بصيرة… إننا أمام عالم من الوحوش .. يأكل فيه القوي الضعيف رغم كل المساحيق التي يحاول المجرمون استخدامها لطمس حقيقتهم البشعة … و ما على الشعوب المستضعفة في العالم اليوم إلا أن تدرك أن خلاصها يكمن في العمل على تغيير هذا الواقع المخادع والظالم وإن بدا ذلك الأمر عسيرا في البداية… لكن هذا هو السبيل الوحيد للنجاة لكل من أراد أن يتخلص من ربقة العبودية والذل والهوان وأن يستحق مكانه فوق هذه الأرض…