يُحْكى أنّ إمام مسجد خطب في المصلّين يوم عيد الأضحى المبارك يحثّهم على الصدقة بالجزء الكبير من أضحية العيد على الفقراء والمحتاجين وترْك النزْر القليل لعائلاتهم عملاً بسنّة النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم . وصادف أن كان ابن الإمام حاضرا بذلك المسجد واستمع إلى ما قاله والده فلمّا انتهت الخطْبة وتبادل الجميع تهاني العيد أسرع الفتى بالعودة إلى المنزل ليذبح أضحية والده ويقوم بالتصدّق بها كاملة . وحين عاد الأب وسأل عن “العلّوش” ومصير لحمه أخبره ابنه بما فعل عملا بما قاله في خطبة العيد فما كان منه إلاّ أن قال له غاضبا حانقا : يا ولْدي هاذاكه عليهم موش علينا حكاية الإمام وابنه جالت بخاطري حين علمت بما قام به أنصار التيار السّلفي أمام المحكمة العسكرية بصفاقس بمناسبة بدء التحقيق مع المتّهمين في حادثة بئر علي بن خليفة . فقد انتصبت الجماعة كعادتها أمام المحكمة بألويتها السّوداء والبيضاء وقد جاءها المَدَدْ بحافلات تُقلّ “الإخوة” من تونس وسوسة وغيرها من المناطق تحضيرا واستعدادا لغزوة جديدة . وانطلقت الحناجر تردّد التّكبير والتلْبية وكأنّنا في يوم عرفة وعلتْ اليافطات المنادية بإطلاق سراح “الأخوة” الأسْرى وأخرى مندّدة بالبوليس السياسي وغيرها من الشعارات والطلبات هكذا إذن تعتبر الجماعة من حمل السلاح ضدّ الدولة والقانون محاولا فرض شريعته بالرّصاص والكرتوش أسرى حرب وجبت معاملتهم حسب اتفاقية جينيف في الغرض قبل إطلاق سراحهم سواء من جانب واحد أو ربّما في إطار صفقة تبادل أسرى ومع أن جماعة مرضى السّلف تبشّرنا بدولة الخلافة العادلة وإقامة الحدود وتنفيذ شرع الله كما يدّعون كان الأحْرى بها أن تدعو لإقامة الحدّ على هؤلاء “الخوارج” الذين حملوا السلاح ضد الجماعة المسلمة وتنفيذ حكم الله بهم , إلاّ أنّها خرجت علينا ولسان حالها يقول : نحن فقط من يحدد من هو المذنب وغير المذنب ولا نعترف بمحاكم وقضاة تحقيق وعدْل وعدالة مدنية كانت أو عسكرية غير التي نقرّها نحن فحسب , فإن كان المذنب من غير جماعتنا سنُقيم عليه الحد كما حصل مع الشاب الذي حاولوا قطع يده في جندوبة وإنْ كان منّا فلا حدود ولا هم يحزنون عملا بكلام إمام خطبة العيد مع ابنه : عليهم موش علينا… أَفَبعد هذا الكلام من كلام سيدي رئيس الحكومة وسيدي وزير الداخلية وسيدي رئيس حركة النهضة ؟ هل مازال ينفع الكلام مع من لا يؤمن أصلا بالكلام والجدل والحجة والبُرهان والقضاء وأهله ؟ أليس هؤلاء فعلا ينتمون لكوكب آخر غير نجْمة تونس البهيّة وهلالها الوضّاء ؟ …