يبدو أن وزير الشؤون الاجتماعية قد اختار الهروب إلى الأمام في معالجة ملف العجز المالي للصناديق الاجتماعية بشروعه منذ أسبوع في حملة اعلامية تهدف إلى توجيه الرأي العام عبر تقديم معلومات منقوصة وأحيانا خاطئة ومحاولة فرض حلول آحادية الجانب. ولئن كان من حق المواطن الاطلاع على حقيقة وضع الصناديق الاجتماعية التي يساهم في تمويلها ويهمه مصيرها فإن ذلك لا يبرر للوزير تنصله من الجلوس إلى طاولة الحوار مع الأطراف المعنية واحترام الالتزامات السابقة. ولعل الوزير قد ابتدع طريقة جديدة في الحوار تتمثل في "الحوار عن بعد"عبر استعمال وسائل الاعلام. فبعد حديثه إلى قناة الحوار التونسي يوم 24 مارس 2016 ها هو يتحفنا بحديث مع جريدة " المغرب " بتاريخ 1 أفريل 2016 ضمّنه تصورات جديدة لحل اشكاليات أنظمة الضمان الاجتماعي تتجاوز مجرد الترفيع في سن الاحالة على التقاعد إلى مفاهيم أخرى تعيد النظر في منظومة التقاعد بصفة جذرية وتنسف مكاسب الشغالين. الترفيع في سن التقاعد: هل هو الحل؟ رغم اعتراف الوزير بأن الترفيع في سن التقاعد ليس كافيا إلا أن كل الحجج والأرقام التي قدمها تؤكد أنه غير مقتنع بغير هذا الحل في حين أن الاتفاقيات السابقة التي حصلت ضمن اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية ضمن العقد الاجتماعي والتي تغاضى عنها بل وأنكرها تنص على حلول أخرى مثل استخلاص الديون وتنويع مصادر التمويل والحوكمة في تسيير الصناديق الاجتماعية. وحتى إذا ذهبنا في منطقه فإن الفرضيات التي اعتدها مثل الترفيع بخمس سنوات ولفائدة 100 في المائة من المنخرطين لن تخرج الصندوق من أزمته. فلماذا إذن الاصرار على حل واحد وعدم أخذ العبرة من تجارب الوزراء السابقين. لقد قام مركز البحوث والدراسات الاجتماعية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية وكذلك قسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية بالاتحاد العام التونسي للشغل بإسقاطات مختلفة توصلا إثرها إلى أن الترفيع في سنّ التقاعد سيخفّف من عجز الصناديق دون اخراجها من الازمة المالية. لقد سعى الاتحاد إلى التوصل إلى صيغة توافقية تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات و جسد ذلك في تحوير مشروع القانون المتعلق بالترفيع الاختياري في سن التقاعد. السخاء المزعوم لأنظمة التقاعد أعاد علينا الوزير التشخيص القائل بأن أنظمة التقاعد في تونس تتميز بالسخاء مستشهدا بأن العون المحال على التقاعد يمكن أن تتجاوز جرايته دخله الأخير. وهذا المثال المعتمد على نظام التقاعد في القطاع العمومي لا يعدو أن يكون حالة شاذة لا تتوفر إلاّ في بعض الاعوان الذين عملوا 40 سنة ولهم وجور مرتفعة وهي وضعية لم تعد موجودة وتسير نحو الزوال طالما أن الانتداب في القطاع العمومي لم يعد ممكنا في سن العشرين بل إنه يتأخر في أغلب الأحيان لمدة عشر سنوات أو حتى أكثر و رغم ذلك فإن معدل نسبة الجرايات في الصندوق الوطني للتقاعد و الحيطة الاجتماعية و الى حدود نهاية سنة 2015 لم تتجاوز 47،72 بالمائة. و السيد الوزير لهو الحق في القول ان نظام التقاعد في القطاع العام سخي لكن لفئة محدودة فقط من المضمونين الاجتماعيين وهو احد المنتمين لهذه الفائة لان القانون ينص على أن اعضاء الحكومة يتمتعون بنسبة تقاعد تساوي 90 بالمائة اذا شغلوا منصب عضو في الحكومة لمدة سبعة سنوات و نصف فقط … أما في القطاع الخاص فإننا نكتفي بالقول بأن ثلثي الجرايات المسداة حاليا من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا تتجاوز الأجر الأدنى المهني المضمون بل إن 13 في المائة من الجرايات لا تتجاوز مبلغ 150 وهو مبلغ الاعانات المسندة للعائلات المعوزة. ونتيجة هذا التشخيص الأعرج انطلق الوزير في التمهيد لمراجعة مقاييس احتساب الأجر المرجعي بالتلميح إلى التجربة الفرنسية حيث يتم اعتماد معدل 25 سنة. فهل أن مستوى الأجور ومعدلها في تونس شبيه بما هو بفرنسا اضافة الى وجدود نظام تكميلي اجباري للتقاعد في القانون الفرنسي و أنظمة أخرى تكميلية اختيارية و بالتالي فإن المقارنة لاتجوز في مثل هذه الحالات. كما لمح الوزير إلى إمكانية مراجعة مفهوم الجراية نفسها المبنية حاليا على الوظيفة التي كان يشغلها العون إلى مفهوم جديد يرتكز على المقدرة الشرائية للأجراء أو على مؤشر الأسعار. والخطير في هذه التصورات اعتمادها على نقل تجارب بلدان أخرى تختلف ظروف العمل والتأجير فيها اختلافا كبيرا على تونس وذلك بإيحاء من البنك العالمي الذي ما انفك يدفع في اتجاه التراجع على النظام التوزيعي للتقاعد واستبداله بنظام الرسملة أو بما يشببه. الوزير وعقدة الحوار لقد مثّل إمضاء العقد الاجتماعي سنة 2013 وانطلاق عمل اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية مؤشرا إيجابيا لإيجاد حلول للمشاكل القائمة في قطاع الضمان الاجتماعي. غير أن تعثر العمل صلب اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية وعدم تركيز المجلس الوطني للحوار الاجتماعي جعلنا نشك في مدى قناعة الطرف الحكومي بآلية الحوار كأسلوب لتجاوز الوضع الحالي. والمعلوم أن العالم شهد لنا عبر منح الرباعي الراعي للحوار الوطني جائزة نوبل للسلام في نهاية سنة 2015 بقدرتنا على الابداع في أصعب الظروف. إلاّ أن وزير الشؤون الاجتماعية لم يبادر منذ توليه منصبه إلى دعوة اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية للانعقاد مشيرا في حديثه إلى " تعطيلات لفترة طويلة" دون أن يذكر ما هي التعطيلات ومن المسؤول عنها. بل إنه دعا في منتصف شهر مارس الماضي إلى اجتماع مع الأطراف الاجتماعية دون المرور عبر اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية. فمن يا ترى المسؤول عن التعطيلات؟ إننا في الاتحاد العام التونسي للشغل حريصون على: 1- انتهاج منهج الحوار أداة لحل كل الاشكاليات 2- التمسك بمبدأ استمرارية الدولة وتطبيق ما تم الاتفاق بشأنه 3- اعتبار الضمان الاجتماعي مكسبا للشغالين لا يجوز التفريط فيه 4- المحافظة على التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية انطلاقا من المبادئ المتفق في شأنها في العقد الاجتماعي. الامين العام المساعد المسؤول عن التغطية الاجتماعية والصحة والسامة المهنية