في المدة الأخيرة كثر الحديث عن مخططات تستهدف اسقاط حكومة يوسف الشاهد.. حتى أن بعض وسائل إعلامنا المكتوبة أدخلت أمريكا في الموضوع معنونة أحد مقالاتها وبالبنط العريض: "خطة" كشفها مستشار ترامب: الإطاحة بحكومة الشاهد ؟ ! هذه الاشاعات التي راجت بقوة في المدة الأخيرة إضافة إلى موجة الاحتجاجات التي عرفتها العديد من المدن التونسية تنديدا بسياسات التسويف والمماطلة لحكومة الشاهد.. زيادة على المشاكل الكبيرة التي عرفتها وتعرفها العديد من القطاعات الحيوية والمؤسسات العمومية من قضاء وأمن وتعليم وصحة ونقل ورياضة..إضافة إلى استفحال ظاهرة الغلاء..( والتي عجزت تحركات الوزراء ووعودهم في حلها أو حتى التخفيف من حدتها).. جعلت يوسف الشاهد يطل علينا ليلة البارحة عبر وسائل الإعلام من أجل تقديم خطاب مهم يصارح من خلاله رئيس الحكومة أبناء شعبه ويبين لهم حقيقة الأوضاع واستراتيجياته من أجل تعديل الوضع الصعب الذي لم يعد يقبل السكوت عنه.. هكذا كانت وسائل الإعلام تروج للخطاب.. وهكذا كان ينتظر التونسيون أن يكون .. لكن ماذا كان في جعبة رئيس الحكومة ليلة البارحة؟ لا شيء.. مفيش .. بح.. هذا هو ملخص الخطاب الهام لرئيس الحكومة ليلة البارحة.. لقد وجد البارحة رئيس الحكومة من الجرأة وأشياء أخرى ما يجعله يتملص من كل مسؤولية.. فيحيل كل أسباب الأزمة التي يعيشها البلد إلى سوء إدارة من سبقه من حكومات وأيضا للشعب الذي رأى في رئيس الحكومة أنه منفلت و ملحاح.. لقد قالها صراحة : "نحن لم نعدكم بشيء؟؟؟" حتى تطالبونا بحل كل الاشكاليات؟ ويجب أن يعلم الجميع أن المسؤولية في حل كل هذه المشاكل ليس منوطا بعهدتنا فقط وإنما بعهدة الجميع؟ وهكذا قفز رئيس الحكومة بكلامه هذا على العديد من الحقائق والالتزامات والمسؤوليات وأكد للجميع أنه وحكومته عاجز عن فعل أي شيء .. وأنه لا يحمل أي مشروع لحل المشاكل التي يغرق فيها البلد يوما بعد يوم.. لقد توهم رئيس الحكومة أن المصارحة تعني " رمي الكرة في ملعب الآخرين" والتنصل من المسؤولية؟ واجتهد هو وجوقة الإعلام من حوله ولا زالوا في الترويج للأمر على أنه إنجاز عظيم له ولحكومته..؟؟؟ المثير للدهشة أن رئيس الحكومة قفز على العديد من الحقائق والمسلمات التي لم نكن نعتقد أنه يمكن أن يحاول تغييبها وطمسها ليبرر فشله لأنه حاول أن يلغي إلتزامه الأدبي والسياسي والقانوني بالإيفاء بتعهدات البرنامج الانتخابي الطويل العريض للحزب الذي ينتمي إليه والذي وعد التونسيين بأنه سيحل كل مشاكلهم والذي على أساسه تم منحهم الأغلبية البرلمانية التي مكنته هو ومن معه من الجلوس على تلك الكراسي ..فكيف يمكنه أن يتنصل من كل ذلك ويقول أنه لم يعد بشيء؟ ولم قبل أصلا بتحمل تلك المسؤولية إن كان متأكدا أنه غير قادر على فعل شيء؟ ثانيا كيف يمكن لأكبر مسؤول بالدولة أن يخرج على شعبه ليقول لهم أنه غير مسؤول عن كلما يحدث في البلد و أنه عاجز عن حل المشاكل المتراكمة وأنه لا يستطيع إلا أن يدعو الجميع للتعويل على أنفسهم .. ثم يطالبهم الجميع بالهدوء والصبر؟ إذا فما هو الفرق بينه وبين أي مواطن عادي؟ ثالثا يلقي رئيس الحكومة باللوم على بعض الأطراف التي لا يذكرها وكأنها "أشباح" ( الغريب أن الجميع يتحدث عنها ويلومها ولكن لا أحد يذكرها؟) ويوجه لها تهما خطيرة كالعمل على نشر البلبلة والفوضى في صفوف المواطنين ومحاولة عرقلة إصلاحاته ومحاولة الركوب على الاحتجاجات الشعبية والأمر الطبيعي أنه هو المسؤول الأول عن مقاومة هذاه المجموعات وردعها هذا إن كان الأمر كما قال وإن كان فعلا حريصا على حلحلة الأمور؟ ثم يقفز بعد ذلك وبشكل غريب لكيل التهم المعارضة لينعتها بالفشل والصيد في الماء العكر لأنها لا تساعد في تقدم البدائل المناسبة؟ وكأن مسؤولية حل مشاكل البلد أصبحت من مهمة المعارضة وليس الأحزاب الحاكمة؟ وكأني به يقول نحن نحكم ونجلس على الكرسي وأنتم عليكم بالعمل على إيجاد الحلول؟؟ خلاصة القول أن رئيس الحكومة خرج علينا البارحة ليقول لنا أن وضع البلد لا يسر حبيبا ولا عدوا وأنه غير قادر على فعل شيء وأنه عاجز عن حل مشاكل التنمية والبطالة وأنه لا يمتلك لا خطة قصيرة ولا بعيدة المدى وأنه على المواطنين التعويل على أنفسهم في انتظار معجزة إلهية قد تحسن الأوضاع في البلاد وعندما تمتلئ خزينة الدولة بالأموال حينها يمكن للحكومة أن تجد حلولا لمشاكل البلد الكثيرة "هذا إن سلمت تلك الأموال من النهب والهدر".. ؟؟ أخيرا وحتى يبدد التشاؤم الذي يمكن أن تحثه تلك الصراحة العظيمة ؟ أبى رئيس الحكومة إلا أن يدخل علينا بعض السرور وشيئا من الأمل في المستقبل بأن يبشرنا أنه رغم عجزه هذا ورغم خلو وفاضه من أي حلول .. إلا أنه مصر على مواصلة البقاء في منصبه وأنه لن يحرمنا من طلعته البهية؟؟ كم نحن شعب محظوظ حقا.. دمت لنا فخرا رئيس الحكومة ولا حرمنا خطاباتك العصماء ولا طلعتك البهية.