كثر الكلام هذه المدة الأخيرة عن ضرورة حماية الوحدة الوطنية وعن وجود العديد من المؤامرات التي تحاك لضربها.. فهل هذاه هي الحقيقة فعلا أم أنها كلمة حق.. يراد بها ياطل..؟؟؟ إن المؤسف في الموضوع هو أن – حقيقة أن الوحدة الوطنية هي مسألة غير قابلة للنقاش أو لمساومة – أصبحت توظف توظيفا خبيثا مثل كل شيء جميل في بلادنا فقط لخدمة مصالح ضيقة من ناحية وكفزاعة لإسكات أصوات المطالبين بحقوقهم من ناحية ثانية ولمواصلة لحماية مصالح اللصوص والفاسدين من ناحية ثالثة .. كما أنه من المؤسف أكثر أن هناك الكثير من السذج الذين يصدقون من يستخدم هذه المقولات في غير موضعها وفي تناقض صارخ مع واقع الحال من أجل تقسيم الرأي العام وخلق المبررات لتكميم الأفواه وخنق الحريات وتبرير القمع والتسلط للتغطية على الوضع الكارثي الذي أوصلوا إليه البلاد بسبب فسادهم وتواطؤهم وإفلاسهم السياسي .. وحتى لا نتهم بالشعبوية وبكيل التهم جزافا وبعدم الموضوعية والتحامل … ندعو الجميع إلى استقراء واقع الحال بالبلاد وكيف يتم التعامل مع مختلف الجهات وذلك منذ فترة الاستقلال إلى يومنا هذا… إذ أنه تكفي زيارة بسيطة لمختلف جهات البلاد للوقوف على مدى التفاوت الصارخ على جميع الأصعدة بين بعض الجهات المحظوظة وبعض الجهات الأخرى… جهات مرفهة تتمتع بكل مقومات الحضارة والرفاهية وبنية تحتية محترمة… وجهات تعاني الفقر والتهميش والبطالة والمشاكل الاجتماعية وتفشي الانحراف .. ألم يتساءل أحد عن سبب هذا التفاوت الصارخ بين الجهات؟؟ هل السبب في ذلك قلة الإمكانات بتلك الجهات وقلة الموارد بها ؟؟؟ الأكيد أن الإجابة ستكون حتما لا.. فالجهات الداخلية شمالا ووسطا وجنوبا تزخر بالثروات بشتى أنواعها من فسفاط وبترول وموادر منجمية إضافة إلى ثروات فلاحية وغابية ومقطعية ومائية هائلة.. إذا أين يكمن العيب والخلل ؟؟ هل هو كما يروج له البعض في الخفاء أو جهارا من أن سكان تلك المناطق هم السبب في تخلف جهاتهم بسبب بداوتهم وكسلهم وفساد طباعهم ؟؟؟ الإجابة أكيد أنها ستكون بلا.. لأن الكثير ممن نزحوا من سكان تلك المناطق إما لطلب العلم أو للعمل في المدن الكبرى المحظوظة أو حتى هاجروا خارج أرض الوطن بينوا أنهم لا يقلون كفاءة وتفانيا عن غيرهم من سكان الحواضر (البلدية) … إذا فما هو السبب في تردي الأوضاع في تلك المناطق إن لم يكن نتيجة عوامل داخلية؟؟ الأكيد أنه سيكون نتيجة عوامل خارجية .. وهذه العوامل الخارجية بالذات هي التي عطلت وأعاقت قطار التنمية في تلك المناطق وحكمت عليها بالتهميش والفقر والعيش على هامش الدولة؟؟ وهذه الأطراف ليست سوى الحكومات المتعاقبة التي عرفتها البلاد منذ فترة الاستقلال إلى اليوم .. وهو ما جعل شرارة الاحتجاجات التي تطورت إلى ثورة تنطلق من تلك الجهات بالذات؟؟ فكيف نتهم تلك الجهات بأنها تحاول شق صف الوحدة الوطنية في حين أن العكس هو الصحيح؟؟؟ إننا فقط نطلب منكم أن تحكموا ضمائركم ونسألكم : ما هو موقف المواطن القاطن بتلك المناطق المحرومة عندما يرى أنه عاجز عن تعليم أبنائه بمدينته وأن مصيرهم سيكون الفشل لا محالة بسبب تردي الخدمات التعليمية بها؟ ما هو موقفه عندمايكون عاجز عن إيجاد فرص للعمل لغياب أي استثمار بمنطقته؟؟… حين يمرض لا يجد من يداويه وعندما يريد التنقل لا يجد وسائل النقل إلا بشق الأنفس وعندما يريد قضاء الكثير من حاجياته الإدارية لا يجد المؤسسات التي تقدم له الخدمات المطلوبة.. الماء الذي يشربه من النوع الرديء والخدمات المقدمة له من أسوء الخدمات على كافة الأصعدة.؟؟؟ تصوروا معي صدمة ذلك المواطن عندما يذهب إلى أحد المدن المحظوظة ويرى كل تلك المحولات وتلك الطرق العريضة والنظيفة وكل تلك البنايات الشاهقة وكل تلك المؤسسات التعليمية والصحية والترفيهية والحكومية والخدمية وكل تلك المصانع وكل تلك المنازل الفخمة وكل تلك المطاعم والملاهي والحدائق والنزل ودور الثقافة وكل تلك الرفاهية؟؟؟ ثم ما يزيد الطين بلة أن ذلك المواطن يشعر بتلك النظرة الاستعلائية اللتي يرمقه بها الجميع من خلال طريقة التعامل معه حيثما حل وكأنه مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة أو أنه ليس من أهل البلد.. إضافة إلى تعرض الكثير منهم إلى الايقاف من أجل التثبت من هويته هذا إن لم يتعرض للطرد… إذا وبناء على ما تقدم من هو بحق المكرس للتفرقة الجهوية ؟؟؟ هل هو ذلك المواطن المطالب بأن يتم إنصافه مما تعرضت وتتعرض له جهته منذ عقود من تهميش وإجحاف في حقه وحقها ؟ أم من قام بتمييز مناطق على حساب مناطق أخرى فأغدق على جهات معينة وهمش البقية الباقية ؟؟؟ من يريد أن يقضي على أسباب التفرقة و الطروحات المروجة للجهوية البغيضة ويسعى إلى صيانة الوحدة الوطنية عليه أن يكون منصفا إن كان صادقا فيما يدعيه؟ أما أن يتستر وراء مبررات لم تعد تنطلي على أحد من قبيل أنه ليس هو السبب فيما حدث في الماضي وأن الوضع صعب وأن إمكانات البلد لا تسمح بذلك.. ثم يعمد للتهديد بالضرب من يد من حديد من أجل إخراس الأفواه المطالبة بحقوقها .. فذلك هو التهرب من المسؤولية ومن الإقرار بالفشل والسعي للجنوح نحو التسلط والدكتاتورية… من يطالب بأن يكون لجهته ما لبقية مدن البلد المحظوظة من بنى تحتية و مؤسسات خدمية وظروف عيش طيبة هو لا يطالب بأكثر من حقه ولا أحد يحق له أن ينكر عليه ذلك .. وإلا فإنه سيكون هو المهدد للوحدة الوطنية والنافخ في نار التفرقة … تونس.. هذا البلد الرائع بموقعه وثرواته وطاقاته البشرية التي يحسد عليها قادر بأن يكون جنة المتوسط بشماله وجنوبه وشرقه وغربه لو أنه فقط توفرت النوايا الصادقة والأيادي النظيفة والعزائم الصلبة لخدمته بإخلاص … إن مشكلتنا ليست قلة الموارد ولا قلة الكفاءات ولا عدم قدرة على الابتكار والإنتاج والإبداع كما يريدون إقناعنا بذلك كذبا وزورا .. إن مشكلتنا هي في تفشي الفساد ونخرها لكل مفاصل الدولة وانتقال عدواه إلى كل مجالات الحياة في البلاد .. يضاف إليه عدم وجود رغبة حقيقية في مقارعته واجتثاثه وإعادة الاعتبار للوطن والمواطن لأنه بإعادة الاعتبار لهما فقط تستعيد الدولة والوطن هيبته وازدهاره … أما ما نسمعه من أفواه المتصدرين للشأن العام عندنا من مقولات جوفاء من مثيل " هيبة الدولة ..وناقفوا لتونس ..وسنضرب بيد من حديد ..ومن حديث عن وجود أطراف تقف وراء الاحتجاجات وتخطط لضرب الوحدة الوطنية .. ومن حرص الحكومة على تطبيق الدستور.. وسعي للحكومة إ لتحسين الأوضاع.." إنما الهدف منها الترغيب والترهيب لإسكات الناس وفرض الأمر الواقع ولو بالقوة .. حتى لا ينكشف عجز هذه الحكومة عن فعل أي شيء بسبب وقوفها على الطرف الآخرالمناقض لما يطالب به الشعب وما تفرضه الثورة من استحقاقات.. فكفاكم مخاتلة وخداعا للتونسيين فقد انكشفت كل أوراقكم.. إنكم لو صرفتم عشر الجهد الذي صرفتموه في لي عنق الدستور وخرقه المرة تلو الأخرى من أجل التمكين لأنفسكم ومن أجل تمرير قوانين سخيفة ومشبوهة مثل قانون الزطلة.. وقانون تبرئة اللصوص والفاسدين المسمى قانون المصالحة.. وقانون مشاركة حاملي السلاح في الانتخابات .. ومن أجل حماية مصالح الأطراف الأجنبية على حساب الوطن.. وفي محاربة هيئة الحقيقة والكرامة وفي السعي المحموم للتعسف على القضاة ووضع اليد على مجلسهم الأعلى .. وفي الخصومات الإيديولوجية الفارغة والصراعات السياسية المدمرة .. وفي نشر الدعارة والانحطاط الأخلاقي .. وفي التعامل مع السلطة كأنها غنيمة حرب أو كأنها كعكة بدون صاحب.. لكان وضع تونس مختلفا اليوم اختلافا كليا عما نعيشه اليوم من انهيار للاقتصاد وغرق في الديون وتدهور للمقدرة الشرائية وفقد للأمل … ختاما نقول للسيد الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي غره المنصب ونسي تاريخه … إن كرامة التونسي وحقه في العيش الكريم فوق أرضه وتحت الشمس هي الخط الأحمر الوحيد الذي يجب أن يقف عنده الجميع في هذا الوطن .. وإن التهديد والوعيد والتلويح باستعمال العصا الغليظة واستخدام القوة من أجل إرهاب أصحاب الحق لو كان نفع لنفع من سبقك… إن عجلة التاريخ لا تدور إلى الوراء وإن التونسي الذي قدم التضحيات الغالية من دمه ولحمه من أجل التخلص من نظام القمع والاستبداد والنهب واللصوصية لم تعد تجدي معه أسالب البلطجة والتخويف… فإما أن تكونوا أنت ومن وراءك في مستوى المسؤولية التي هرولتم من أجل تحملها وإما فاتركوا مناصبكم لمن هم أكفأ منكم واذهبوا غير مأسوف عليكم ..لأن استمراركم هو أكبر خطر أصبح يتهدد البلد اليوم بسبب فشلكم وتخبطكم وعدم جديتكم وانكشاف كذبكم ..