أعتقد أنه لا أحد يتمنى أن يكون الآن في مكان الأشقاء في قطر… فهم أمام اختبار صعب وصعب جدالأنهم وببساطة قرروا أن لا يكونوا مثل غيرهم .. إذ أن المطلوب منهم اليوم هو الخروج من المشهد السياسي والإعلامي الإقليمي والعالمي من الباب الصغير والاكتفاء بالمتابعة والإيماء بالموافقة لكل إملاءات جارتها الشقيقة اللدودة " المملكة السعودية" السعودية التي لم يعد يروقها أن ترى دويلة صغيرة بحجم "قطر" ( هي هكذا تراها وتصرح بذلك عبر وسائل الإعلام التابعة لها ) قلنا أن تراها تصول وتجول عبر العالم وتحظى بكل تلك الأهمية وكل ذلك البعد الإستراتيجي الإقليمي وكل تلك المصداقية التي نجحت الدوحة في اكتسابها خلال العقدين الماضيين وخاصة من خلال النجاح الإعلامي الذي حققته عبر قناتها التي تعد ظاهرة في حد ذاتها في المنطقة قناة الجزيرة الفضائية والذي أعطاها بعدا استراتيجا لم يكن يتصوره أحد وتأثيرا كبيرا على الرأي العام العالمي منقطع النظير تغار منه أكبر وسائل الإعلام العالمية وقد لاح ذلك بشكل جلي خلال تغطية عدوان بوش الصغير على العراق حيث أصبحت الجزيرة المصدر الأول للمعلومات عبر العالم فيما يتعلق بتلك الحرب مما جعل صحفييها ومقراتها تتعرض للقصف الأمريكي… إذا قطر لم تعد ذلك التابع الصغير المطيع الذي يكتفي بالحضور الصوري وبتزكية كل القرارات التي تملى عليه من طرف جارته الكبرى وإنما أصبح لها دور سعت يوما بعد يوم على توسيعه ووجهة نظر حاولت الدفاع عنها وفرض احترام الآخرين لها… وهو الأمر الذي لم يتعود عليه أصحاب الشأن والحكم في المنطقة.. إذ أن نظام الحكم في دول الخليج .. هو نظام منغلق على نفسه وهو نظام فردي/عائلي يلعب فيه الملك دور كل السلط ولا ينازعه أحد في سلطاته المطلقة ولا مكان لشعوب المنطقة للعب أي دور فيه.. وقد استمر الوضع هادئا لفترات طويلة من الزمن نسبيا بسبب الطفرة النفطية التي جعلت الدخل الفردي لسكان منطقة الخليج يقفز ليصبح من بين الأعلى في العالم.. مما صرف نظر المواطنين في تلك المناطق عن الاهتمام بالشأن العام.. وترك الأمر كله بيد "ولي الأمر" الذي كان يتمتع إضافة إلى نفوذه السياسي المطلق بنفوذ ديني كبير من خلال التحالف مع الزعامات الدينية الموالية له ولنظام حكمه … وهكذا توهم ملوك وأمراء تلك الدول خاصة بعد تعاظم ثرواتهم بشكل مهول وبسبب عدم وجود أي محاسبة أو مراقبة من أي كان لما يفعلونه أو لأوجه إنفاق تلك الأموال أنهم يستطيعون فعل كل شيء .. ولمزيد ضمان تثبيت واستمرار هذه الأنظمة في الحكم إلى الأبد فقد عمدت إلى التحالف مع القوى العظمى المهيمنة على العالم رغم وعيها بأن هذه القوى معادية لشعوب المنطقة وطامعة في ثرواتها.. ولكن كل شيء يهون في سبيل استمرار تلك الأنظمة في الحكم دون حسيب أو رقيب … وهكذا وعندما تململت الشعوب في المنطقة وبدأت الأنظمة القائمة فيها بالتهاوي وبدأت تظهر ملامح قيام أنواع وأنماط جديدة من نظم الحكم نابعة من إرادة شعبية قوية ومتحفزة وراغبة بشكل جدي في التغيير… شعرت هذه الأنظمة بالخطر وخافت بل أصابها الرعب من أن تنتقل عدوى تلك الثورات إلى داخل مجالات حكمها… وهكذا بدأ العمل على عكس الهجوم على هذه الثورات من أجل قمعها وتوجيهها نحو الوجهة التي تخدم تلك الأنظمة وبقاءها… هذا الدور الذي لعبته تلك الأنظمة وإن كان بشكل خفي في أواخر فترة حكم "باراك أوباما " على رأس البيت الأبيض الأمريكي ساهم في دحر العديد من الثورات وقمعها وإعادة زمام الأمور بيد وجوه جديدة من نفس منظومات الحكم القديمة لتلعب نفس الأدوار التي كان يلعبها من كانوا يسبقونها .. لكن ذلك لم ينجح تماما في كل مكان.. وخاصة في اليمن وليبيا .. كما أن محاولات الركوب على الثوة السورية باءت بالفشل فلا هي نجحت في إسقاط النظام ولا هي نجحت في اخضاع كل المعارضين لإملاءاتها… ولكن وما إن جاء اللاعب الجديد على رأس البيت الأبيض " ترامب" والذي أعلن أنه لن يكون في صف الثورات بالمنطقة وأنه يقف في صف الأنظمة ( الحليفة ) القائمة … والتي تضمن له مصالح بلده وتوافقه في رؤيته لحل قضية "الفلسطينيين" بما يخدم مصالح حليفه الأول والأكبر بالمنطقة "الكيان الصهيوني" وقبوله من طرف كل أنظمة المنطقة.. وهو الموقف الذي بدا جليا خلال الزيارة الأخيرة التي أداها "للرياض " حتى تغير أسلوب التعامل مع الأحداث في المنطقة وبدأ الدعم الذي كان يقدم بشكل خفي للقوى المضادة للثورات العربية يصبح بشكل علني .. وأصبح مطلوبا من كل من يخالف مواقف المحور السعودي أن يخضع لإرادتها وإلا فأنها ستستهدفه وتعلن عليه الحرب بدون مقدمات… وهكذا وجدت قطر نفسها أمام الأمر المحتوم.. إما الرضوخ للاملاءات السعودية والقبول بالتبعية والهيمنة أو الدخول في مواجهة غير متكافئة وغير محسوبة العواقب قد تجعل منها يمنا جديدا… الأكيد أن الخيارات أمام قطر ضيقة للغاية.. لكن الأكيد أيضا أن انكشاف الأقنعة وظهور الأنظمة المعادية لشعوب المنطقة والتي تعمل بالفعل ضد تحررها وضد استعادتها لحقوقها وضد تمتعها بمقدرات أوطانها بما يتيح لها تحقيق التقدم والمنعة لن يمر بدون ثمن… إن عاجلا أو آجلا…