تعالت في بداية هذا الشهر أصواتا عديدة تعبر عن رفضها الزيادات المعلنة في أسعار بعض المواد حيث أن بعض الأصوات تنادي بتجييش الشارع علنا يساندها في ذلك بعض وسائل الإعلام. عير أن المؤسف أن هذه الأصوات لا تتعظ بما جرى لتونس خلال القرن الماضي والحالي ولا تقدم الاقتراحات والحلول الكفيلة للتحكم في الأسعار. وفي غياب الحلول، أنتهز هذه الفرصة لطرح تجربتي لسنوات في هذا المجال. حيث أن خطأ شائعا لا يعرفه سوى بعض إطارات وزارة التجارة الحاليين أو من هم خارج الخدمة. يتمثل هذا الخطأ في أن التحكم في الأسعار أمر يهم وزارة التجارة وبالخصوص المراقبة الاقتصادية دون سواها. لذلك نلاحظ حاليا إعداد وتنفيذ عديد البرامج ترتكز على تكثيف المراقبة بمختلف مسالك التوزيع بالبلاد. وفي هذا الإطار أذكر بخطط وبرامج متكاملة كان لها دور فعال في التخفيض في الأسعار جعل المعهد الوطني للإحصاء يقيم تأثيرها بحوالي ثلاث نقاط على مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي. ترتكز خطة التحكم في الأسعار على تشريك الوزارات المعنية بالإنتاج وجميع الهياكل التابعة لها (وزارة الفلاحة ووزارة الصناعة) وكافة المتعاملين الاقتصاديين من هياكل مهنية ومستهلك يسندها في ذلك الإعلام والمجتمع المدني. ترتكز هذه الخطة على برمجة الإنتاج والإعداد للمواسم القادمة والمتابعة المستمرة وتأتي المراقبة الاقتصادية لتكمل هذه الخطة أخذا بعين الإعتبار أن وفرة العرض تساهم بقسط كبير وكبير جدا في التخفيض في الأسعار. وفي هذا الإطار يتطلب الامر تدخل وزارتي الفلاحة والصناعة بكافة هياكلها المهنية بالتنسيق مع وزارة التجارة ومؤسساتها (الديوان التونسي للتجارة وشركة اللحوم) طبقا لما يلي: – على مستوى البرمجة: ضرورة تنظيم جلسات مشتركة تقييمية للواقع قبل الدخول في مواسم الإنتاج وبرمجة الإنتاج لبعض المواد الأساسية المكونة لمؤشر الاسعار واستعداد الهياكل العمومية والخاصة لتخزين الكميات اللازمة لضخها في السوق خلال فترات بين المواسم او تلك التي تشهد ارتفاعا في الطلب مثل شهر رمضان والمواسم والأعياد الوطنية. – على مستوى متابعة الإنتاج والتخزين: لا يمكن للبرامج المذكورة أن تنجح في غياب المتابعة الدورية لمستوى الإنتاج والتخزين وخاصة جراء العوامل الطبيعية (شح الأمطار او كثرتها، امراض تأثر على الإنتاج،…) والتدخل للتعديل سواء بمضاعفة الإنتاج أو ببرمجة التوريد عند الاقتضاء مسبقا بالتنسيق مع القطاع الخاص. – على مستوى متابعة التزويد: يتم في هذا المستوى متابعة الكميات الواردة على أسواق الجملة وأسواق التفصيل وكافة مسالك التوزيع بالجمهورية يوميا لمعاينة المؤشرات بصفة استباقية التي من شأنها التأثير على مستوى التزويد وتحيين بنك المعلومات على المستوى المركزي والجهوي لوزارة التجارة لاتخاذ الاجراءات اللازمة في الغرض بالتنسيق مع الهياكل القطاعية والجهوية المعنية. – على مستوى تعديل السوق: نجاح برمجة الخزن والتوريد لتعديل العرض لا يمكن إنجاحه في غياب الوقوف على جودة المواد المخزنة أو الموردة وضخ الكميات اللازمة في الوقت المناسب وخاصة إبعاد المضاربين في السوق والذين ينتهزون هذه الفرص لتحقيق الربح غير القانوني. – على مستوى متابعة تطور الأسعار: دأبت وزارة التجارة القيام بأبحاث اقتصادية لمعاينة تطور الأسعار بمختلف مسالك التوزيع. تتمثل هذه الأبحاث في الاعتماد على عينات من المنتوجات والخدمات المكونة للمؤشر العام للاستهلاك العائلي ورفع أسعارها دوريا بالساحات الكبرى والمتوسطة (كل 15 عشر يوم) ودراستها والتدخل لدى المنتجين والمروجين للتعديل في صورة معاينة زيادات غير مبررة خاصة في غياب تطورات في مدخلات الإنتاج من مواد اولية وخدمات. وقد كان لهذه الأبحاث نتائج إيجابية شملت المواد والخدمات الخاضعة للتسعيرة والمؤطرة وغير الخاضعة (الحرة). – على مستوى المراقبة الاقتصادية الهادفة: يأتي هنا دور المراقبة الاقتصادية كما هو معمول بها حاليا من خلال تكثيفها وبرمجة عمليات تستهدف القطاعات الحساسة على مستوى الانتاج والتوزيع بالجملة والتفصيل. ولا يمكن إنجاح عمليات المراقبة دون دعم هذا الجهاز بالإمكانيات البشرية والمادية وخاصة وخاصة ما يتعلق بالتكوين المستمر. – دور الإعلام والمجتمع المدني: يأتي دور الإعلام والمجتمع المدني بكافة هياكله المركزية والجهوية بتغطية مجهود الإدارة وتحسيس المستهلك والمنتج والموزع للتحلي بالروح الوطنية واتباع سياسة أسعار رصينة ومعقولة ويذكر بعادات استهلاكية بديلة من شأنها التخفيف من حدة الأزمات والابتعاد عن سلوكيات اللهفة والتخزين غير المبررة. هذا ما أردت المساهمة به في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها بلادنا خاصة وأن هذا الشهر (جانفي) كان ولا يزال من الأشهر السوداء في تونس وقد بدأت الطبول تقرع من طرف أطراف تدعو إلى الفوضى والعصيان في هذه الأيام في طلعتها جناح الجبهة الشعبية وبعض الفضاءات الإعلامية التي تتعمد تضخيم انعكاسات الزيادات المعلنة والمنتظرة في الأسعار. لذا، رأفة بتونس يا ناس راهي البلاد لا تتحمل وإذا الواد حمل يجر الجميع وتندمون على ما فعلتم. شخصيا أعول على وطنية اتحاد الشغل لتهدئة الأجواء.