السّلام عليكم... عند انبلاج فجر ثورتنا و رفرفة نسمات الحريّة على بلدنا، كانت حرية التّعبير الطّابع الأبرز في تحوّل مجتمعنا نحو التحرّر من الاستبداد، حرّيّةٌ شبّهها أحدهم بانفلات الطّير المجنّح من العقال، و نحن نتذكّر أيّامها كلمات أصبحت تتردّد في عديد القنوات كالقوالب الثّورية صُنعت كلّها في تونس حتى صَيّرت قائليها نجوما، و حريّة التعبير جبّت نحوها حريّة التّنظّم في الأحزاب و الجمعيات، و التي كانت لنا منها تُخمةٌ لم تصبنا في سابق الزمن، حتى نحسن التّصرف معها كظاهرة اجتماعيّة، و ها نحن نتعلّم و نجرّب و نخطئ و لنا في غيرنا من المجتمعات الدّيمقراطية العريقة خيرَ أسوةٍ. لكن الملفت للانتباه في الأحزاب التي ذكرتُ، هو تشابه برامجها، و تطابقها في بعض الأحيان، حتى أصبحتَ لا تُميّز الحزب عن غيره من بني جنسه، ولا تعرفُه من فكرة أو إيديولوجية أو نسق مرجعي يتبنّاه، كما أنّك لا تستطيع أن تبوّبَه بمنهج أو ببرنامج متكامل ذي رؤية واضحة تبعده عن غيره. لذلك فلن تصيبك الدّهشة إذا علمت أن أسماء الأحزاب هذه... هي وليدة توليفة بين مصطلحين أو ثلاثة مصطلحات من مجموعة تضمُّ قرابة الخمسة عشر منها، فترى هذا الحزبَ يأخذ من مجموعة المصطلحات هذه، مصطلح العدالة... و يزيد عليها مصطلح التنمية بعدها... و حزبٌ آخر بدأ بمصطلح التنمية، وزاد عليه العدالة ذاتها... و في أحسن الأحوال يزيد حزب آخرُ على المصطلحين ثالثٌ من نفس المجموعة... و لك أن تتخيّل بنفسك النتيجة من عدالة... و تنمية... و تقدّم... و رُقيّ... و ديمقراطية... و حرّيّة...و الجرابُ من هذه المصطلحات غير ملآنة كفاية، تكفي الأحزاب كلّها، خاصّة إذا علمنا أنّ عددها يتزايد كلّ يوم كالفطر... و ها نحن اليوم أمام مشهد حزبيٍّ تتشابه فيه التّسميات تقريبا كما تشابهت البرامج و كما... غابت منها الزعماء. و حلّ موعد الترشّح لانتخابات التأسيسي، و حلّ معه موسم الظهور و الإقناع...و أمام انعدام الثّقة في تلك الأحزاب كما قيل في عمليّات سبر الآراء... وجد كلّ متكلّم أو فاهم أو زعيم لرهط، نفسه أهلا لدخول الانتخابات... و هذا حقّه الذي لا ينكرُه عليه أحدٌ...فتكاثرت القوائم المستقلّة تكاثر الأحزاب، وانتقلت عدوى التّشابه و الاشتباه إلى أسمائها لكثرتها، و لقلّة المصطلحات على كثرتها في القاموس السيّاسي في لغتنا التي نحمد الله عليها... لأنّنا لو كنّا نتكلّم الإنكليزية أو الفرنسيّة أو أي لغة لاتينية... لما كنّا نتصرّف في نفس العدد من المصطلحات في تلك اللّغات... فالعدالة ليست العدل في لغتنا و المصطلحان واحدٌ عند اللاّتين من الألسنة. و ها نحن اليوم أمام قوائم و قائمات لا نميز الخبيث من الطيّب فيها، و أمام رؤساء قائمات جُلّهم نكراتٌ، لا يعرفهم سوى زوجاتهم و ما ملكت يمينهم إذا ملكت، و أمام برامج كالغثاء أو هي كالمعدم من ا لقحط، لا تكاد تُميَّزُ عن بعضها البعض... هذا إن وُجدت. فهل هذه هي خطوة الحرّية الأولى؟ أو في الأمر عقدُ زعامة فارغةٍ... فراغ فؤاد أم موسى ؟