الباندية في تونس والبلطجية في مصر والشبّيحة في بلاد الشام ظاهرة انتشرت بصورة قوية في ظل الفوضى بعد الثورة وفى ظل الانفلات الأخلاقي والسياسي والأمني وأصل ظهور الباندية وهي الكلمة المعرّبة عن الفرنسة bandit أو الفتوّة في مصر كان في بغداد ولم تظهر إلاّ لأخذ مال الغنى لمساعدة الفقير . وقد تناول سيرتهم الأديب الكبير نجيب محفوظ في روايته الحرافيش من خلال سيرة عاشور الناجي أحد أشهر فتوّات القاهرة . والفتوّات بهذا المعنى ، هم البوليس الشعبي الذي كان يحمي المدينة ، بعلم البوليس الرسمي ، وكان لكل حارة فتوّتها الخاص بها، والذي يذود عن حقوقها، ويجمع من مال أغنيائها ليعطي فقراءها . وكل فتوّة يصل إلى منصبه بعد معركة طاحنة تسيل فيها الدماء مع الفتوة السابق له ، والمعادي له . تونس ومصر شهدتا في الفترة الأخيرة ظهور نوع جديد من الفتوّات وهم الباندية أو البلطجية ، الذين تكاثروا في فترة الانتخابات وبعدها ، وقاموا بترويع الناس ، عبر استخدامهم الأسلحة البيضاء والسيوف والسواطير ، وغير ذلك من الأسلحة الممنوعة قانونا وتكون النتيجة هكذا أنّه إذا كان الفتوّة يحمي حقوق أهل الحارة بالقوة فإن البلطجي الجديد يسلبها منهم بالقوة ، وهو بالتالي أبعد ما يكون عن شهامة ورجولية الفتوّة ونبل مواقفه وتدخلاته في تونس اكتشفنا بعد حوالي عامين أن ثورتنا أشبه ما تكون ب"العاهرة" التي ما إن سمع بها بلطجية وباندية الحومة حتّى تقاطروا عليها كلّ يعرض عليها حمايته والعيش تحت مظلّة أمنه درءا لمخاطر المهنة وردعا وتأديبا للعابثين بأخلاقياتها . تمنّعت تهرّبت ولم تدن لأحد ، إلى أن نزلت عليها "دامّة لا تقرا لا تكتب" يوم 23 أكتوبر يوم كان التونسيون بين خياريْ الانتحار الجماعي أو الدخول إلى حريم السلطان جارية تعبث بها أهواء قوّادة مونبليزير قرّر القوّاد الأكبر أن يزوّج ثورة الشعب لقوّاد مُناول سمّاه رابطة حماية الثورة ، زيجة تمكنّه من وطأها متى شاء والقبض من أتعاب "عرقها" عن طرق الزوج القوّاد مقابل منح الأخير حقّ الوطأ طبعا مع "ما كتب من ربّي من شكوطوميّات" وتوابعها سواء في شكل ترسيم "فوق العادة" في الوظيفة العمومية أو تعويض وهمي عن سنوات نضال في كوكب آخر أو طبعا أموال يدفعها أصحاب من من كان شعاره "في هاكه البَنَانْ نْريّشُو" . اغتاظ القوّادة الآخرون لرؤية زميلهم ينعم بالكافيار ويرفل في الحرير ، وهم على بنك الاحتياط يتفرّجون رغم مؤهلاتهم العجيبة . فكّروا ودبّروا و"كمْبصوا" وقرّروا : "نْلمدو أرواحنا ونعملو جمعيّة" لحماية زوجة القوّاد رغم أنفها وأهله من خساسته ووضاعته ونسمّيها على بركة الله الرابطة الوطنية لحماية الوطن والمواطن استفاق الشعب التونسي من سباته على حقيقة أن "أولاد القح… يلعبوا به" ، وأن ثورته التي حصّنها بكل مواد الزّينة والتجميل من شغل وحرية وكرامة وطنية عكس سعيهم إلى "تبغيلها وتبهيمها" ، أصبحت سلعة في سوق تجارة الرقيق الأبيض تتقاذفها أهواء القوّادة والباحثين على اللّحم الطريّ ، عنفا وبلطجة وإشاعةً للغةِ العضلات على لغة اللّسان والعقل ، وليكتشف أنه قام بثورة خطّط هو لها ونفّذها الشجعان من أبنائه ، ليكسبها في النهاية الباندية والبلطجية والخلايق ، وأنّ من كان يحسبه فتوّة يحمي الفقراء من بطش الأغنياء كما يقتضيه تاريخ وعرف الفتوّات ، ظهر هو "بَاشْ زعيم القوّادة" … تنويه : إن الآراء الواردة في ركن الرأي الآخر لا تلزم إلا أصحابها