إن المرصد التونسي لاستقلال القضاء: بعد وقوفه على قرار الجلسة العامة للمجلس الوطني التأسيسي المنعقدة يوم الاثنين 19 ماي 2014 وما تضمنه من إرجاء النظر في مشروع القانون الأساسي عدد 44 / 2012 المتعلق بإحداث دوائر قضائية متخصّصة للنظر في قضايا شهداء وجرحى الثورة وإرجاع المشروع المذكور إلى لجنة التشريع العام لمزيد تعميق النظر فيه بالتشاور مع لجنة التوافقات. وبعد الاطلاع على الرّأي عدد 1/ 2014 الصادر عن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بتاريخ 21 أفريل 2014 والمتضمّن انّ مشروع القانون الأساسي عدد 44/2012 يتعارض مع مقتضيات الدستور ولا يتلاءم مع روحه. وبعد الاطلاع على مقترحات التعديل المقدّمة من نواب المجلس الوطني التأسيسي للجنة التشريع العام بشأن مشروع القانون الأساسي المذكور والرامية : 1- إمّا إلى الإبقاء على صيغة المشروع الأصلي المتعلّق بإحداث دوائر قضائية متخصّصة للنّظر في القضايا المتعلقة بشهداء وجرحى الثورة يتم تشكيلها في كل المحاكم الابتدائية بتونس ومحكمة الاستئناف بتونس مع اقتراح إضافة فصل يتعلّق بإيقاف التتبعات ضد المشاركين في أحداث الثورة. 2- وإمّا إلى تعديل كامل مشروع القانون الأصلي وإقرار اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم العسكرية دون غيرها وتخليها عن جميع القضايا المنشورة أمامها والتي خرجت عن اختصاصها إلى محاكم الحق العام كلّ بالطور الذي بلغته 3- وإمّا إلى تعديل المشروع الأصلي وذلك بإتمام أو تنقيح القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها سواء في اتجاه إحداث دوائر قضائية متخصّصة للنظر طبق الإجراءات العادية في قضايا شهداء وجرحى الثورة في إطار العدالة الانتقالية وصلب المحاكم الابتدائية بتونس العاصمة ومحكمة الاستئناف بتونس أو في اتجاه إحالة كل قضايا القتل والجرح في حق الشهداء والمصابين إلى الدوائر القضائية المتخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقارّ محاكم الاستئناف التي سبق إحداثها بمقتضى الفصل 8 من القانون الاساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. وإذ يذكّر المرصد بموقفه الصادر بتاريخ 13 أفريل 2014 وخصوصا دعوته الى معالجة منصفة لقضايا شهداء الثورة وجرحاها والقطع مع ظاهرة الافلات من العقاب وتبعا لذلك إحالة القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والمنظورة لدى المحاكم العسكرية إلى المحاكم المدنية والتعجيل بتنقيح القوانين المتعلقة بالمحاكم العسكرية بما يتماشى مع أحكام الفصل 110 من الدستور الذي أقر اختصاصها في الجرائم العسكرية دون غيرها: أولا- يؤكد على مخالفة مشروع القانون الاساسي عدد 44/ 2012 في صيغته الاصلية لأحكام الفصل 110 من الدستور الجديد خصوصا فيما تضمنه المشروع من اجراءات استثنائية تتنافى مع معايير القضاء الطبيعي التي تستوجب تحديد الاختصاص وفقا لقواعد عامة ومجردة وتطبيق الاجراءات العادية وإقرار الضمانات الجوهرية للمتقاضين. ثانيا- يتمسك بجملة المبادئ المتصلة بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وأساسا: 1- العمل على تضييق اختصاص المحاكم العسكرية واقتصاره على العسكريين والجرائم العسكرية وهو ما يقتضي عدم اختصاصها في محاكمة المدنيين وإحالة النظر في الجرائم المرتكبة من قبلهم مهما كانت طبيعتها الى المحاكم المدنية 2- نزع اختصاص المحاكم العسكرية في انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة من قبل العسكريين او غيرهم من قوات الامن الداخلي وهو ما يستوجب تتبع هؤلاء طبق الاجراءات العادية وأمام القضاء العدلي. ثالثا- يعتبر ان تعديل اختصاص المحاكم العسكرية بطريقة عامة ومجردة بما يؤدي الى احالة قضايا شهداء الثورة وجرحاها الى المحاكم المدنية لا يتضمن تدخلا في سير القضاء او انتزاعا لتلك الدعاوى من قاضيها الطبيعي طالما كان التعديل يستهدف تحقيق المصلحة العامة او يجعل الدعوى من اختصاص محكمة أخرى اكثر ضمانا للمتهم وأكثر مراعاة لمعايير المحاكمة العادلة. رابعا- يشدد على ضرورة المبادرة التشريعية لإلغاء الأحكام المنافية للدستور الجديد وللمبادئ الدولية للمحاكمة العادلة من ذلك ولاية المحكمة العسكرية على اغلبية القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان خصوصا بعد صدور المرسوم عدد 2011-69 المؤرخ في 29 جويلية 2011 المنقح والمكمل لمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ومقاضاة اعوان قوات الامن الداخلي امام المحاكم العسكرية من اجل وقائع جدّت في نطاق مباشرتهم لأعمالهم و بها مساس لأمن الدولة الداخلي او الخارجي وذلك طبقا للفصل 22 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 06 اوت 1982 المتعلق بضبط القانون الاساسي العام لقوات الامن الداخلي اضافة الى الانتقاص من الضمانات الوظيفية للقضاة العسكريين وذلك من جهة خضوعهم لقواعد الانضباط العام وتعيينهم باقتراح من وزير الدفاع الذي يرأس مجلس القضاء العسكري خامسا- يلاحظ ان احالة قضايا شهداء الثورة وجرحاها على نظر الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية – زيادة على انها لا تقتضي تنقيحا للقانون الاساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية – تبقى امكانية متاحة في جميع الصور ولا تتعارض مع تعديل اختصاص القضاء العسكري وتخليه عن تلك القضايا تطبيقا لأحكام الدستور ولمقتضيات المحاكمة العادلة سادسا- يدعم التوجه الرامي الى احالة الاختصاص في تلك القضايا الى محاكم الحق العام – وهو ما عبّر عنه المرصد في الجلسة المنعقدة بتاريخ 30 افريل 2014 في اطار لجنة شهداء وجرحى الثورة بالمجلس الوطني التأسيسي- وما يترتب عن ذلك من تنقيح الفصل الخامس من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وضبط اختصاص المحاكم العسكرية في الجرائم العسكرية دون غيرها وإلغاء الاحكام المنافية لذلك بالفصل 22 من القانون عدد 70 لسنة 1980 المؤرخ في 06 اوت 1982 المتعلق بضبط القانون الاساسي العام لقوات الامن الداخلي والتنصيص صراحة وفي صيغة عامة ومجردة على تخلي المحاكم العسكرية لفائدة محاكم الحق العام عن جميع القضايا التي لا تدخل في اختصاصها بموجب التعديل الجديد. عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء