للمنابر والمؤسسات الدينية تأثيرها الفاعل والمؤثر على الشارع بكافة أطيافه والذي يصل إلى مستوى قلب المفاهيم حتى لدى الشريحة المثقفة . فهنا الكل قابل للتحول والإنسياق وراء أفكار قد تكون مسمومة تمرر في الخطب والمسامرات الدينية وصولا إلى لعنة الفتاوى وموضتها التي تفشت مؤخرا لغايات ومصالح جيوسياسية واستراتيجية أيضا لاسيما أن أصحاب المنابر من رجال الدين والدعاة والأئمة قادرون على تحويل الإنسان إلى قطعة من العجينة ليجعلوا منه دمية تتحرك وفق نزواتهم ، وحمارا يهزّ رأسه من أعلى إلى تحت حين ينتهي من أكل ما وضع له صاحبه من شعير في مخلاته ، أو صنما لا يردد سوى كلمتي "نعم" و"حاضر". أدرك الغرب أن الطريقة الأسهل للسيطرة على شعوب العالم العربي بالخصوص هي استمالتها باسم الدين ، فعمل على شراء وتنصيب مشعوذين أو ما شابه رجال دين ، لترويج أفكار تشوّه الشعائر وتُنفّر القريب قبل البعيد من الدين وأهله ، وتفرّق أبناء المجتمعات العربية ، والهدف في النهاية يتمثل في تمزيقها وإبقائها في دوامة والتخلف والرذيلة والفساد والانحطاط الحضاري . وهكذا عملت المخابرات الغربية وخاصة الأمريكية بعد عقد من النتائج المعكوسة على الحرب على الإرهاب مع احتلال أفغانستان ثم العراق ، على إظهار التيارات الإسلامية في المنطقة العربية بصيغة البديل عن أنظمة الحكم الفاسدة ، على الرغم من أنها لا تملك من ذلك شيئا، حيث أنها على قول الباحث الاجتماعي التونسي أحمد العزعوزي من دعاة الليبرالية الفجة ، التي تعتبر في أساسها ذات طبيعة تجارية ، فهي لا تقدم سوى شفاءا روحيا مخادعا للمجتمع سرعان ما يتبيّن أنه لا يغني من جوع. وأطلقت الدوائر الاستخبارية الأمريكية العنان لأيادي مختلف هذه التيارات من تلك التي أنعمت عليها بصفة "الإسلام اللاّيت" من أمثال إخوان مصر ونهضة تونس للزج بمؤسساتها وهياكلها في المجتمعات التي "منّ الله عليهم بفتحها" وللتسرّب في أعماق الدولة العميقة وأخونتها في ظرف وجيز ، وتكون الأداة الأولى والأبرز في رسم وتنفيذ هذا المخطّط : الجمعيات الخيرية والدعم والتمويل الكبيرين اللذين تلقاهما من بعض دول الخليج وخاصة السعودية وقطر، تحت مسمّى مساعدة الفقراء واستجارة المحتاجين وقد اتّضح اليوم للسلطات الرسمية بعد قرار البدء في حلّ العديد من هذه الجمعيات والتثبت من مصادر تمويلها المشبوهة ، صحّة ما كان يقوله منذ أشهر العديد من الوجوه السياسية والمجتمعية والإعلامية في تونس من أنّ المئات بل ربّما الآلاف من الجمعيات الخيرية والدينية التي ظهرت زمن حكم النهضة ، على علاقة بجمعيات ترعى وتموّل الارهاب ، وتنشط تحت غطاء الأعمال الخيرية في حين أنها تخدم أجندات سياسية بعينها على غرار جمعية الدعوة والاصلاح التي يترأسها قيادي في حركة النهضة ، وجمعية الخطابة والعلوم الشرعية بصفاقس ، كما أن جمعية رحمة وجمعية تونس الخيرية وغيرها على علاقة بجمعية قطر الخيرية التي سلمت منازل الى مجموعة من المنتمين الى أنصار الشريعة دون غيرهم. وأرى بعد هذا أنّه على ضوء الهجمة الشرسة التي تتعرض لها بلادنا من دوائر الإرهاب والتهريب المحلّي والإقليمي ، أنّ الوقت قد حان لإنشاء "جمعيات خيرية" لمكافحة إرهاب الجمعيات الخيرية والتصدي للفكر المتطرف الذي جرّ على البلاد والعباد ويلات كثيرة فصدّ الإرهاب عن البلاد والوقوف في وجه الفكر المتطرف فيه حقن لدماء الناس وحفظ لممتلكات البلاد وصون لوحدة الوطن من عبث الإرهابيين والمتطرفين. وأنا أرى أن مكافحة الإرهاب والتطرف والدفاع عن البلاد مقدم على غيره من الأعمال الثانوية التي تأتي بعد أمن البلاد والعباد بعد أنْ اتّضح لنا أنّ الجمعيات الخيرية باتت وجها من وجوه تجفيف منابع الخير وليس تأصيله وتكريسه !!! تنويه : كل ما ينشر في هذا الركن لا يعبّر إلا عن رأي كاتبه