التاريخ: السبت 13/09/2014 التوقيت: الساعة 14 المكان : محطة التاكسيات "الباب الجبلي" في اتجاه طريق تنيور المحطة كانت تغص بالركاب…محطة الحافلات القريبة خالية من الحافلات…الحرارة لا تطاق…كل الأعناق مشرئبة نحو مدخل المحطة…كلما دخلت سيارة تاكسي إلا وتجمهر حولها الركاب…شيوخ سيدات ..رجال ..نساء ..شبان..شابات… أطفال…الكل يحاول الظفر بمقعد داخل التاكسي "بو بلاصة" …أغلب التاكسيات تدخل المحطة وهي ممتلئة…بعض الركاب " المهفات" وقفوا في مدخل المحطة عملا بمقولة " قصة عربي" و" إلي سبق …حاز النبق" …بعض سيارات التاكسي تدخل المحطة وقد نزع سائقوها اللافتة المضيئة الممغنطة الموضوعة على سقف العربة…يتجمهر حولها الركاب – "خويا تنيور؟؟؟" ينظر إليهم السائق باستعلاء ولا يجيب… بعد لأي وحوار مع بعض الركاب يأخذ اللافتة ويثبتها على سقف العربة ..يتهالك الركاب على المقاعد …يضغط السائق على دواسة البنزين وتنطلق السيارة كالسهم وتغيب عن الأنظار وسط الزحام… يمر الوقت متثاقلا وأنا غارق في عرقي…نفس المشهد يتكرر في كل مرة …قررت أن أرتمي علي أول سيارة تدخل المحطة..إلى متى أبقى أنتظر؟؟؟ إلى متى أحاول أن أبدو متزنا ومتحضرا بينما يركب غيري دون اعتبار للدور أو لكبار السن أو الأمهات المرفوقات بأطفالهن…أشعر بالجوع والعطش…صداع فضيع يكاد يحطم رأسي…إنها حرارة الشمس…متى تنتهي هذه المعاناة؟؟؟ تدخل المحطة سيارة جديد ..أسرع نحوها وأمسك بقفل الباب .. – تنيور خويا؟؟؟ – لا مانيش ماش نعبي… – ما دامك موش ماش تعبي علاش داخل للمحطة؟؟؟ يتساءل رجل مسن كان قد أرهقه الانتظار. وهنا ينهال السائق سبا وشتما على الرجل الذي يصاب بالصدمة من ردة فعل السائق العنيفة والمفاجئة ويأخذ في توبيخه وسط استهجان الركاب في المحطة… يزداد شعوري بالتوتر…لا بد من أن أركب هذه المرة…توجهت نحو مدخل المحطة كما فعل غيري…هاهي سيارة أجرة قادمة…إنها تخفض من سرعتها ..تشبثت بالباب ..ارتميت على المقعد…وأخيرا …لكن سائق السيارة انتبه فجأة أن أخت زوجته واقفة بالمحطة…لم يسعفها الحظ للحصول على مكان…اقترب منها بسيارته: – الله غالب ..ما ريتكش..تحب نرجعلك شوية أخرى؟؟؟ – والله عندي مشوار وانا ملوحة في المحطة… – ما نجمش نهبط حتى واحد من الركاب…آآآآ وفجأة تتقدم سيارة تاكسي أخرى قادمة من الخلف وتصدم السيدة بالمرآة الجانبية … – بعد مالعراض…يصرخ سائقها – هكا تحب ترحيني..؟؟؟ ثم تتوجه السيدة لتقف أمام السيارة – أنا قدامك ..ارحيني…هذا في عوض تقول سامحني؟؟ يحاول السائق قريب السيدة التدخل ويبدأ في لوم زميله…السائق الأخر يشتم السيدة ويقول لها كلاما يمس من شرفها…يغضب السائق الأخر وينزل من السيارة …أحد الركاب يصرخ من هناك: – هذا واحد موش متربي اشكي بيه وانا نشهد معاك…خوذ رقم التاكسي واشكي بيه… اللوم ينهال على السائق المخطئ من كل حدب وصوب..الركاب الموجودون بسيارته يحاولون التدخل بالحسنى حتى تنطلق بهم السيارة من المحطة… السائق المعتدي يعترف بخطئه على مضض ويطلب الصفح من السيدة…تنطلق سيارته بعيدا …لكن سائقنا يبقى بجانب قريبته حائرا…إنه محرج لا يدري ما يفعل…أيتركها بعد كل هذا الذي حدث؟؟؟ إلى متى نبقى على هذا الوضع ؟؟؟ أخيرا أقرر أن أنزل من السيارة : – تفضلي أختي بالركوب… – لا مايسالش..اقعد على روحك… – لا تو نستنى التاكسي إلي يجي امبعد… – بارك الله فيك… – ما غير مزية.. ها أنا في المحطة من جديد…الحر شديد…السيارات تأتي ولا أدري كيف تمتلئ في سرعة البرق ولا كيف تغادر…وفجأة أجدني وسط سيارة تاكسي محشورا بين راكبين مكتنزين…أكاد أختنق ..لكن لا يهم..المهم أن أغادر تلك المحطة بمن وما فيها…يكفيني ما رأيت وما سمعت…وينطلق السائق بسيارته وسط الزحام…الأولوية لا تهم…المهم الوصول بسرعة إلى المحطة النهائية وإفراغ الحمولة…عند الضوء الأحمر يقوم السائق بتجاوز كل السيارات الرابضة في انتظار الضوء الأخضر عادي ..هانحن في المقدمة…هانحن ننطلق …السيارة تسير بسرعة في خط متعرج…تتخطى كل من في طريقها…سيارة قادمة في الاتجاه المعاكس…سائقها يرفض الانزياح إلى اليمين ليسمح لسيارتنا التي تقوم بالمجاوزة بالمرور…سائق التاكسي يخرج رأسه من السيارة ليسب ويشتم السائق الأخر…ثم يتوجه لنا بالخطاب: – شفتو إلى ما يحشمش آش يعمل؟؟ لوكان ما مشيتلوش بالكرهبة باش ندخل فيه ما كانش ماش يخليني نتعدى… يزداد شعوري بالاختناق حدة…متى أصل إلى المحطة ؟؟؟ الراديو داخل السيارة يتحدث عن الانتخابات وتعهدات المترشحين الكثيرة…علاج مجاني…تخفيض في الأسعار…توفير مواطن الشغل…تنمية الاقتصاد وحماية الطبقات الضعيفة…دعم القدرة الشرائية للمواطن..مد الطرفات السريعة..مترو صفاقس..تطوير أسطول النقل…تحسين مستوى الطرقات..سننجح في تحقيق المعجزات… فجأة تنتفض بنا السيارة…السائق يسب ويشتم…لقد أجبره سائق قادم في الاتجاه المعاكس على الوقوع في حفرة وسط الطريق بينما كان يتحادث عبر الهاتف الجوال… – بلد متخلف…وشعب متخلف..قالها السائق وهو يلقي بهاتفه بجانب المقود ويشعل سيجارة من شدة الغضب… وأخيرا وصلت السيارة إلى المحطة…نزلت وأنا أتصبب عرقا بعد أن دفعت معلوم السفرة… انطلقت من بين شقتي آهة في شكل صرخة…متى نصبح بشرا مثل كل البشر؟؟؟ هذه ليست قصة من نسج الخيال..بل جزء مما نعيشه يوميا وسط مجتمع تحول إلى غاب لا بقاء فيه إلا للأقوى…