السلام عليكم... بعد التّصريح بتركيبة حكومته، سيبدأ السّيد “حمّادي الجبالي” أصعبَ مهمِّة في هذا البلد و هي مهمّة حكم النّاس التي أعتقد أنّها ستكون في تاريخ بلدي فيصلا بين فترة ظلام و فترة أرجو أن تكون نورا، إلاّ أنّني كمتتبّع للرّأي العام أُورد الملاحظات التّالية للقائمين على هذه المرحلة ، ملاحظات أسوقها إمّا استنتاجا من تركيبة الحكومة نفسها أو من برنامجها المُعلن، أو وضعًا لمَواطِن خلل أرى سرعة إصلاحه ضرورة نحو حكم رشيد نصبو إليه جميعا ليُصبح حقيقةً لحدّ ذاتها تُمارس في دولتنا الصّغيرة التي لا يختلف المتتبّعين السّياسيين على أنّها قد خطت خطوات عملاقة نحو التّميّز في المجال الإقليمي و الدّولي. فمن حيث الشّكل لم أكن من المعترضين على العدد الكثير من الوزراء و مساعديهم من كتاب الدّولة و من المستشارين الّذين وقع الإعلان عنهم في أوّل الأمر لقناعتي الرّاسخة بأنّ الإصلاح يمرّ حتما عبر تجزئة المشكل ، و هو ما لا يمكن ممارسته سوى بإحداث مسؤول مركزي لكلّ بُؤرةِ مرفقٍ عمومي ليتسنّى إصلاحها عبر تفرّغ هذا المسؤول لعمله، و عدم تكديس الملفات على مكتبه، الشّيء الذي يُمكن أن يُعيقه أمام التّعمق في البحث أو تتبّع الدّاء. أمّا عن قطع هذه التّشكيلة مع الأسماء التّي كانت ضمن الحكومة السّابقة، فأرَى أن ذلك يُعزّز من صرامتها، بالنظر إلى أنّها حكومة مُحاصصة حزبية بالدّرجة الأولى، والعدد الزّائد في المقترحين لتولّي الحقائب، من شأنه أن يُطيلَ عمر التّفاوض على هذه المُحاصَصة، هذا علاوة على أن الحكومة السّابقة بقدر ما وفّرت حسنات سوف تُحسب لها في مرحلتها، إلاّ أنّها ارتكبت أخطاءً عديدة من قبَل عدم قيامها بمستحقات الثّورة، كمحاسبة الفاسدين مثلا، وسلوكها السّلبي الذي ذكّرني بالطّفل عند حرمانه من لعبة، بعد إعلان الفائزين في الانتخابات نيّتهم الاستحواذ على الرّئاسات الثّلاث دون إشراك بعض أعضائها، ما يُعتَبر حقّهم السياسي الطبيعي. و بقاء وزيري الدّاخلية و الدّفاع من هذه الحكومة، في رأيي أمرٌ تطلبه المرحلة ، فهذين الجهازين المسلّحين هما الذين لا يكون استقرار بدونهما، عِلاوة على أنّ جهاز الدّاخلية مثلا هو أصلا صعب المراس، فيه من قوى الرّدة و قوى الاستبداد ما يجعل العمل به و معه بحذر أمر أكيد، و في نظري فإن إبقاء الوزير الذي تعوّد به رجال الشرطة مع وزير آخر جديد من الحكومة الجديدة سيسهّل تمرير هذا الوزير الجديد شيئا فشيئا في هذا الجهاز، ممّا سيمنع حدوث الصّدمة، فكُلّنا يعلم أنّ الوزير الجديد هو حريف قديم لدى هذا الجهاز، مع كل ما يدلّ ذلك من إحساس بالخوف من انتقام قد يطفو على السّطح يوم ما. أمّا في موضوع القرابة و التّصاهر التي تكالبت عليها وسائل الإعلام العديدة البريئة منها و الخبيثة، فكنت أُخيّرُ على حزب حركة النهضة لو ابتعد عن تعيين صهر “الشّيخ الغنّوشي” رئيس الحزب، على رأس وزارة الخارجية، و لو كان السّيد “رفيق بن عبد السلام” من ذوي الكفاءات، إذ أحبّذ دائما الابتعاد عن الشّبهةِ في السياسة اقتداء بالحديث “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”... و أنا أتساءل عن ما إذا كانت البلاد تفتقر إلى كفاءة مثل كفاءة السيد “رفيق عبد السلام” حتىّ لا يتمّ الاختيار إلاّ عليه، و أحاول أن أجد أعذارا لهذا الموقف، إلا أنّي لا أجدها، و ذلك راجع على أغلب الظّنّ للحساسيّة الشديدة التي أصبحت تطبع خلط التّصاهر و النّسب مع السّلطة على ضوء تجربتنا المريرة مع الأصهار العصابة في العهد السّابق. و في موضوع بعض الأسماء غير المعروفة التي تمّ إعلانها وزراء أو كتّاب دولة فلا يسعني سوى الدّعاء لهم بالتّوفيق خاصّة لبعضهم ممّن عهدتُهم في مواقع قد تكون بعيدة نوعا ما عن مواقع القيادة السياسيّة أو وزارة أو مسؤوليّة مركزيّة، و لعلّ عدم إقناع بعضهم لي في محاورات تلفزيّة أُجريت معهم، و تدخّلات مباشرة من تلك التي تعكس مستوى القيادة لدى الفرد، هو ما يدفعني إلى الدعاء لهم و لا غير الدعاء لهم. و ما أنبّه إليه في ختام هذا الرّأي، هو اعتقادي الجازم بأن عديد الأطراف و القوى السياسية المعروفة و غير المعروفة، سوف لن تدع هذه الحكومة الجديدة تعمل لأنها تتمنّى لها الفشل و ذلك حسب رأيي لخصام فكري و مبدئي مع حزب حركة النّهضة الذي يُعتبر العمود الفقري لهذه الحكومة، مما يتجاوز ممارسات الاختلاف السّياسي... و هؤلاء الذين أراهم قد يعطّلون القطار قبل انطلاقه، هم أنفسهم من خسر الانتخابات رغم ربحهم الإعلام. و من هنا أعرض السّؤال الذي أراه يطرح نفسه: متى يلتفت القائمون على الحكم إلى ضرورة إرساء إستراتيجيّة إعلاميّة تنقل وجهة نظرهم، لأنّ المشهد الإعلامي الرّاهن يعكس وجهة نظر معارضيهم أكثر. فتحي الزغل [email protected] facebook: Fathi ZGHAL