سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: تحذير من طقس اليوم    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجمعة : أحكام الأضحية
نشر في صحفيو صفاقس يوم 03 - 10 - 2014

تقدم بيان حكم الأضحية، وأنها سنة مؤكدة، وبقي بيان شروط صحتها، من خلال أقوال الفقهاء وأئمة المذاهب، وإليك بيان هذه الشروط:
1. يشترط أن تكون الأضحية من النّعم، وهي: الإبل والبقر والغنم بنوعيه: المعز والضأن، وذلك لقوله تعالى: ﴿ليَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]. قال ابن كثير: "وهي: الإبل، والبقر، والغنم"(43). قال السرخسي الحنفي: "ولا يجوز في الضحايا والواجبات بقر الوحش وحمر الوحش والظبي؛ لأن الأضحية عُرفت قربةً بالشرع، وإنما ورد الشرع بها من الأنعام، ولأن إراقة الدم من الوحشي ليس بقربة أصلاً، والقربة لا تتأدى بما ليس بقربة"(44). وقد بيَّن الكاساني أنه يدخل تحت كل نوع من هذه النعم جنسه، فقال: "ويدخل في كل جنس نوعه، والذكر والأنثى منه، والخصي والفحل، لانطلاق اسم الجنس على ذلك، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر" (45). وقال ابن رشد المالكي: "أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام"(46). وقال الشيرازي الشافعي: "ولا يجزئ في الأضحية إلا الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم"(47). وقد نقل الشربيني الشافعي، إجماع العلماء على ذلك، معللاً قوله بأن التضحية عبادة تتعلق بالحيوان، فتختص بالنعم(48). وقال ابن قدامة الحنبلي: "ولا يجزئ في الأضحية غير بهيمة الأنعام"(49).
2. يشترط السِّن في الأضحية، فإن كانت من الإبل فيكون عمرها خمس سنين، وإن كانت من البقر فيكون عمرها سنتين، وإن كانت من المعز فيكون عمرها سنة، وإن كانت من الضأن فيجزئ فيها الجذع، وهو ما له ستة أشهر(50). قال الكاساني: " وتخصيص هذه القربة بسِنٍّ دون سِنٍّ أمر لا يعرف إلا بالتوقيف، فيتبع ذلك"(51). قال السرخسي: "يشترط الثني في بهيمة الأنعام إلا الضأن"(52). وقال ابن رشد: "أجمعوا على أنه لا يجوز الجذع من المعز، بل الثني فما فوقه، لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بردة لمّا أمره بالإعادة: «يجزيك، ولا يجزي جذع عن أحد غيرك»(53). وقال عبد الوهاب المالكي: "وسِنٌّها من الضأن الجذع، ومما سواه الثني"(54). وقال المزني الشافعي: "ويجوز في الضحايا الجذع من الضأن، والثني من الإبل والبقر والمعز، ولا يجوز دون هذا من السن"(55). وبمثله قال صاحب التذكرة(56)، وصاحب متن أبي شجاع(57)، وصاحب كفاية الأخيار(58). وقال ابن قدامة الحنبلي: "ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره، والجذع من الضأن: ما له ستة أشهر ودخل في السابع"(59).
3. يشترط سلامة الأضحية من العيوب، فلا تصح بالعوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن عرجها، والمريضة البيِّن مرضها، والهزيلة التي لا مخَّ لها من شدّة الهزال، وذلك لما روي من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى»(60).(61) السرخسي الحنفي: "يشترط في الأضحية أن تكون سليمة من العيوب"(62). وقال ابن رشد: "أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجها في الضحايا، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى: أي التي لا مخ في عظامها، مصيراً لحديث البراء بن عازب"(63). وقال ابن قدامة: "أما العيوب الأربعة الأُوَل، فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنها تمنع الأجزاء"(64).
ونجد أن من أقوال الشافعية في تفسير المريضة، بأنها الجرباء.(65) قال الشافعي: "ولا تجزئ الجرباء، والجرب قليله وكثيره مرضٌ بيِّن مفسدٌ للّحم وناقص للثمن"(66). لكن عقب ابن قدامة في المغني بأن تفسير المريضة بالجرباء تقييد للمطلق وتخصيص للعموم بلا دليل، فالمرض أعم من الجرب(67).
والسبب في منع إجزاء الأضحية -إن كان بها عيبٌ من العيوب الأربعة- أن هذه العيوب تنقص لحم الأضحية. قال عبد الوهاب المالكي: "ويتقي فيها (أي الأضحية) كل عيبٍ ينقص اللحم، أو مرض الحيوان"(68). وقال الشيرازي الشافعي: "ولا يجزئ ما فيه عيبٌ ينقص اللحم"(69). وبمثله قال الشربيني(70). وقد بيَّن النووي، أن العيوب ستة، وأن ضابط العيب في الأضحية، ما ينقص اللحم، فقال: "العيوب ستة: عيب المبيع، ورقبة الكفارة والغرة والأضحية، والهدي والعقيقة والإجارة والنكاح…. وفي الأضحية والهدي والعقيقة: ما ينقص اللحم"(71).
وأما إن كانت هذه العيوب الأربعة المتقدمة خفيفة، ولم تكن بيِّنة: فقد نقل ابن رشد الإجماع على عدم تأثيرها في صحة الأضحية، حيث قال: "وكذلك أجمعوا على أنَّ ما كان من هذه الأربع خفيفاً، فلا تأثير له في منع الإجزاء"(72).
4. ومما اشترطته الشافعية في صحِّة الأضحية: أن ينوي المضحي عند الذبح أو قبله، أنما قدمَّه وتقرب به لله تعالى أضحية.(73)
5. وأيضاً: مما اشترطته الشافعية والحنابلة في صحِّة الأضحية: أنه يلزم التصدق بشيء من لحم الأضحية نيئاً، فيحرم عليه أن يأكلها كلها، وذلك لقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36]. والأمر يقتضي الوجوب، وأقل التصدق عند الشافعية: قدر أوقيتين من اللحم، وعند الحنابلة قدر أوقية(74)، وقالو: إن أكلها كلها، ولم يتصدق بأقل ما يطلق عليه اسم اللحم، ضمن ذلك القدر(75).
الأفضل في نوع الأضحية:
تقدم أنَّ من شروط إجزاء الأضحية، أن تكون من النَّعم، وهذا بإجماع العلماء، ولكن اختلفوا في الأفضل من هذه الأنواع، على النحو التالي:
فذهبت المالكية في المعتمد عنهم، وهو قولٌ للحنفية في غير المعتمد في مذهبهم، إلى أن أفضل أنواع الأضاحي الضأن. جاء في فقه العبادات للحنفية: "وأفضلها الغنم، والكبش أفضل من النعجة والأنثى من المعز أفضل من التيس، والأنثى من الإبل والبقر أفضل من الذكر إذا استويا في اللحم"(76). لكن قد نصَّ الشربيني الشافعي، على أن التضحية بالذكر أفضل؛ لأنَّ لحمه أطيب(77). وقال ابن رشد: "ذهب مالك إلى أن الأفضل في الضحايا: الكباش ثم البقر ثم الإبل، وقد قيل عنه: الإبل ثم البقر ثم الكباش"(78). قالوا: ويفضل في الجميع الذكر على الأنثى، والفحل على الخصي، إلا إذا كان الخصي أسمن، فعندها يفضل على الفحل.(79)
وقد استدلَّت المالكية على أفضلية الضأن: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما ضحى بالغنم، ولو كانت الإبل أفضل، لضحى بها(80)، وقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين»(81).
وذهبت الشافعية، والحنابلة إلى عكس ما ذهبت إليه المالكية. قال المزني: "والإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر، والبقر من الغنم، والضأن أحب إلي من المعز"(82). وقد علَّل الشيرازي الشافعي سبب الأفضلية، فقال: "والبدنة أفضل من البقرة؛ لأنها أعظم، والبقرة أفضل من الشاة؛ لأنها بسبع من الغنم… والضأن أفضل من المعز"(83)، وبنحوه قال الشربيني، وزاد بأن القصد من الأضحية هو التوسعة على الفقراء، ويزداد تحقق هذا المقصود كلما زاد لحم الأضحية(84). وقال ابن قدامة: "وأفضل الأضاحي: البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة"(85).
وقد استدلت الشافعية والحنابلة على أفضلية الإبل ثم البقر ثم الغنم:
1. بحديث(86) أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن…»(87). فدلَّ هذا الحديث على أن الذي يتقدم في الحضور لصلاة الجمعة، كأنه يُقدِّم بَدَنَه، والذي يتأخر عنه، كأنه يقدم بقرة، والذي يتأخر عنه، كمن يقدم كبشاً، فكما أن الأجر مختلف بينهما، كذلك هو مختلف تقديمها، وعليه تبنى الأفضلية.
2. ولأن الأضحية يتقرب بها صاحبها إلى الله تعالى، فكلما كانت أكثر لحماً كانت أفضل(88).
3. ولأنها أكثر ثمناً، وأنفع للفقراء(89). قال البهوتي: "أفضلها إبلٌ، ثم بقرٌ، إن أخرج كاملاً، لكثرة الثمن ونفع الفقراء، ثم غنم، وأفضل كل جنس أسمنه فأغلى ثمنا"(90).
سبب الخلاف بين الفقهاء في الأفضل في أنواع الضحايا:
قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم معارضة القياس لدليل الفعل، وذلك أنه لم يرو عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه ضحى إلا بكبشٍ فكان ذلك دليلاً على أن الكباش في الضحايا أفضل، وأما القياس فلأن الضحايا قربة بحيوان فوجب أن يكون الأفضل فيها الأفضل في الهدايا"(91).
وأما الأفضل في ألوان الضحايا:
فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «دم عفراء(92) أحب إلى الله من دم سوداوين»(93). قال الشربيني: "فالأبيض أفضل، ثم الصفراء، ثم العفراء (وهي التي لا يصفو بياضها)، ثم الحمراء، ثم البلقاء(94)، ثم السوداء. قيل: للتعبد. وقيل: لحسن المنظر. وقيل: لطيب اللحم(95). وبمثله قال ابن ضويان(96).قال المزني: والعفراء أحب إليَّ من السَّوداء"(97).
وقال ابن قدامة: "والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض… ولأنه لون الأضحية النبي – صلى الله عليه وسلم- ثم ما كان أحسن لونا فهو أفضل"(98). وجاء في الكافي في فقه ابن حنبل: " وأفضلها البياض؛ لأنه صفة أضحية رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ثم ما كان أحسن لونا"(99).
العيوب المؤثرة في صحة الأضحية عند الفقهاء:
تقدم إجماع الفقهاء على منع إجزاء الأضحية إن وجد بها عيبٌ من العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء بن عازب، وهي العوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن عرجها، والمريضة البيِّن مرضها، والهزيلة التي لا مخَّ لها من شدّة الهزال، وكذلك إجماعهم على أن ما كان خفيفاً من هذه العيوب فلا يؤثر، وبقي اختلافهم في العيوب الأخرى، كما بيَّن ذلك ابن رشد المالكي(100)، وإليك بيان ذلك من نصوص الفقهاء:
– في الفقه الحنفي:
العيوب المؤثرة في صحِّة الأضحية، غير العيوب الأربعة المتقدمة:
جاء في الفقه الحنفي:
1. مقطوعة الأذن.(101)
2. مقطوعة الذنب. جاء في الكتاب للحنفية: "ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب"(102).
3. مقطوعة الإلية، وقد حدد الحنفية مقدار القطع، فقالوا: إن كان القطع أكثر من الثلث، قلا تجزئ عند ذلك الأضحية، وهذا منهم اعتباراً بالوصية فإن الثلث في الوصية جائز، ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث(103). بمعنى: أن ما زاد عن الثلث يعتبر مؤثِّراً في إجزاء الأضحية، كما هو في الوصية.
4. الهتماء: وهي التي ليس لها أسنان(104).
5. الجلاَّلة: وهي التي ترعى العذِرة(105). قالت الحنفية: "وإن كان العيب يسيراً لا يمنع صحة الأضحية… إذ الحيوان لا يخلو عنه عادة، فلو اعتبر مانعاً، لضاق الأمر على الناس ووقعوا في الحرج"(106).
– في الفقه المالكي:
العيوب المؤثرة في صحِّة الأضحية، غير العيوب الأربعة المتقدمة:
جاء في الفقه المالكي:
1. مكسورة القرن المدمي، وذلك لأن مالكاً يعتبره مرضٌ من الأمراض البيِّنة التي تمنع الإجزاء.(107)
2. مقطوعة الذنب.(108)
3. مشقوقة الأذن، وذلك إذا كان الشق أكثر من الثلث.(109)
4. الصكاء: وهي التي خلقت بلا أذنين.(110)
– في الفقه الشافعي:
العيوب المؤثرة في صحِّة الأضحية، غير العيوب الأربعة المتقدمة:
جاء في الفقه الشافعي:
1. الجرباء: وقد نص الشافعي بأنه داءٌ يفسد اللحم.(111)
2. التولاء: وهي التي تدور في المرعى ولا ترعى.
3. فقد أكثر الأسنان، فإن ذهب بعض أسنانها لم يضر.
4. مقطوعة الأذن.
5. مقطوعة الذنب.
6. المكاء: وهي التي لم يخلق لها أذن، وهذا على الراجح في المذهب.(112)
7. الحامل، وفيها خلافٌ في المذهب.(113)
– في الفقه الحنبلي:
العيوب المؤثرة في صحِّة الأضحية، غير العيوب الأربعة المتقدمة:
جاء في الفقه الحنبلي:
1. مقطوعة الإلية.(114)
2. العضباء: وهي التي ذهب نصف أذنها أو قرنها.(115)
3. الهتماء: وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها.(116)
حكم الأضحية إن حدث بها عيب بعد الشراء:
قال الكاساني الحنفي: "ولو اشترى أضحية وهي صحيحة، ثم أعورت عنده وهو موسر أو قطعت أذنها كلها أو إليتها أو ذنبها أو انكسرت رجلها فلم تستطع أن تمشي لا تجزي عنه، و عليه مكانها أخرى لما بيَّنا بخلاف الفقير،… هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فيها فصار كما لو كان قبل حال الذبح"(117).
لكن قد نصَّ الشافعية: على أن الأضحية المنذورة المعينة، إن تلفت قبل الوقت، أو قبل التمكن من ذبحها ولم يقصر صاحبها، فلا شيء عليه(118). فتلف عضو منها بعد شرائها أولى، بأن لا يتحمل منها شيء عند عدم تقصيره، وأنها تجزئ عنه.
وكذلك فقد نص الحنابلة أنها تجزئ عن صاحبها، حتى لو كان الشخص قد أوجبها على نفسه. قال ابن قدامة: "إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب ثم حدث بها عيب بمنع الأجزاء ذبحها وأجزأته، لما روى أبو سعيد الخدري قال: «ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من إليته أو أذنه، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأمرنا أن نضحي به»(119).(120)
ولعل السّبب في عدم إجزاء الأضحية عند الحنفية، التي حدث بها عيب بعد الشراء، هو أنّ الأضحية عندهم واجبة على صاحبها، ولا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة من العيوب، لكن قد تقدم أن الصحيح في حكم الأضحية أنها سنة مؤكدة.
حكم الاشتراك في الأضحية:
اتفق الفقهاء على أنَّ البدنة تجزئ عن سبعة، والبقرة عن سبعة، والشاة عن واحد.(121)
قال السرخسي الحنفي: "يجوز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، بشرط أن لا يزيد عددهم على السبعة أشخاص، فإذا كانوا أكثر من سبعة، فلا يجوز الاشتراك"(122). وبمثله قال ابن رشد المالكي(123).
وقال الشربيني الشافعي: "والبعير والبقرة يجزئ كل منهما عن سبعة"(124)، وقد نقل عن صاحب العدة أن الأضحية سنة على الكفاية -إن تعدد أهل البيت- فإذا فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع(125). وبمثله قال الشيرازي(126). وقال ابن قدامة: "يجوز اشتراك السبعة يضحوا ببدنة أو بقرة، ويجوز لهم اقتسام اللحم"(127).
ودليل جواز الاشتراك في الأضحية: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة»(128).
والشاة أفضل من سبع البقرة أو البدنة إذا استويا في اللحم.(129)
وقد اشترطت الحنفية: في صحِّة الاشتراك في الأضحية أن يكون الكل مريدين القربة وإن اختلفت جهاتها (من أضحية، وقران، ومتعة) قالوا: فلو كان أحدهم مريداً لحماً لأهله أو كان نصرانياً لم يجز عن واحد منهم، وعللوا بأن البعض إذا لم يقع قربه خرج الكل عن أن يكون قربة؛ لأن الإراقة لا تتجزأ(130). قال الكاساني: "أن لا يشارك المضحي فيما يحتمل الشركة من لا يريد القربة رأساً، فإن شارك لم يجزِ عن الأضحية" وجه قول الحنفية: أن القربة في إراقة الدم، وأنها لا تتجزأ؛ لأنها ذبح واحد فإن لم يقع قربة من البعض لا يقع قربة من الباقين… ولو أرادوا القربة الأضحية أو غيرها من القرب أجزأهم…؛ لأن الجهات وإن اختلفت صورة فهي في المعنى واحد؛ لأن المقصود من الكل التقرب إلى الله عز شأنه.(131)
ولم تشترط الشافعية والحنابلة: أن يتحد جميع المشتركين في الأضحية في أن يريدوا جميعاً القربة. قال الشربيني: "وسواء اتفقوا في نوع القربة أم اختلفوا، كما إذا قصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي، وكذا لو أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية"(132). وبمثله قال صاحب متن أبي شجاع(133)، وصاحب كفاية الأخيار(134).وقال ابن قدامة مبيِّناً جواز ذلك: "سواء كانوا كلهم متقربين، أو يريد بعضهم القربة وبعضهم اللحم" (135). وقد علَّل الشيرازي الجواز بقوله: "لأن كل سَبُعٍ منها قائمٌ مقام الشاة"(136) يريد بذلك أن كل شخصٍ من السبعة المشتركين في الأضحية، مستقل بأضحيته من حيث المعنى، فعدم النية من أحدهم لا يقدح في قربة الباقين.
وممَّا تقدم: يتبين جواز الاشتراك في الأضحية إن كانت من الإبل أو البقر، على أن تكون لسبعة أشخاص، إلا أن المالكية قالوا: إن كان الرجل سيضحي عن نفسه وأهل بيته وعياله، وكان عددهم أكثر من سبعة أشخاص، فإنه يجوز ذلك بشروط ثلاثة:
1. أن يكون الشخص قريباً للمضحي.
2. أن يكون ممن ينفق عليهم.
3. أن يكون مقيماً معه في دار واحد.(137)
وكذلك روي عن مالك: أن الضأن يجزئ عن الرجل وعن أهل بيته، لكن ليس لا على جهة الشركة في الثمن، بل إذا اشتراه مفرداً(138). قال عبد الرحمن البغدادي: " يضحي عنه وعن أهله واحدة(أي شاة واحدة) غير مشتركين في ثمنها"(139).
حكم من اشترى أضحية لنفسه، ثم اشترك معه آخرون بعد شرائه:
من اشترى بدنة أو بقرة يريد أن يضحي بها عن نفسه، ثم اشترك معه ستة بعد شرائه لها أجزأه ذلك في القول المعتمد عند الحنفية، وذلك رفعاً للحرج والمشقة، وقال زفر: لا يجزئه ذلك؛ لأنه أعدَّها للقربة، فلا يكون له أن يبيع شيئاً منها بعد ذلك.(140)
حكم بيع الأضحية، وشراء غيرها:
إذا اشترى الرجل أضحية، ثم باعها فاشترى مثلها، فلا بأس بذلك عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأنَّه عند شرائه للأضحية، لم تتعين في حقه، فيجوز له بيعها. وقال أبو يوسف: لا يجوز له بيعها لتعلق حق الله تعالى بعينها. والصواب هو القول الأول، وذلك لأن تعلق الحق بالأضحية، لا يزيل ملك صاحبها عنها، في بيعه لها وقدرته على تسليمها(141)، وقد روي من حديث حكيم بن حزام: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بعث معه بدينار يشتري له أضحية فاشتراها بدينار وباعها بدينارين فرجع فاشترى له أضحية بدينار وجاء بدينار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتصدق به النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا له أن يبارك له في تجارته»(142). فقد جوز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيعه بعدما اشتراها للأضحية.
وأما إبدال الأضحية بغيرها:
فقد نص المالكية على الكراهة، إن أبدلها بأدنى منها، فقالوا: يكره إبدال الأضحية بأدنى منها ولو اضطراراً، بخلاف ما لو أبدلها بمثلها أو بأفضل منها(143). وكذلك قال ابن قدامة الحنبلي: "يجوز أن يبدل الأضحية، إذا أوجبها بخير منها"(144).
وقت ذبح الأضحية:
عند الحنفية: يبدأ وقت الأضحية لأهل المصر بعد أداء صلاة العيد، فمن ذبح والإمام في خلال الصلاة لا يجوز… و لو ضحى قبل فراغ الإمام من الخطبة أو قبل الخطبة جاز؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رتب الذّبح على الصلاة لا على الخطبة.(145)
وأما أهل القرى، الذين ليس عندهم إمام، فقد نصت الحنفية، على أن وقت الأضحية يبدأ بعد طلوع فجر يوم النحر(146)، قالوا: فإن كان الرجل في مكان وأضحيته في مكان آخر، فالمعتبر المكان الذي فيه الأضحية، بمعنى: إن كان الرجل بالمصر وأضحيته بالسواد، يجوز أن يضحي بها بعد انشقاق الفجر، أما إن كان هو بالسواد وأضحيته بالمصر، لا يجوز أن يضحي بها إلا بعد فراغ الإمام من الصلاة.(147)
وعند المالكية: أن وقت ذبح الأضحية يبدأ بعد الصلاة والخطبة وبعد ذبح الإمام، أو بعد مرور وقت بقدر ذبح الإمام. قال عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي: "ووقتها بعد الصلاة والخطبة وبعد ذبح الإمام إن كان ممن يظهر النحر، وذلك الأولى به، وإلا فليتحر الناس وقت ذبحه أو ذبح أقرب أئمة البلد إليهم"(148).
وأما من لا إمام له ببلده، أو كان من أهل البادية، فإنه يتحرى في ذبح أضحيته أقرب إمام له من البلاد المجاورة، فيقدر وقت صلاته وخطبته وذبحه، ولا شيء عليه إن تبين سبقه لذلك الإمام.(149)
وعند الشافعية: يبدأ وقت الأضحية بعد دخول صلاة الأضحى، ومضي قدر ركعتين وخطبتين. جاء في الأم: "وقت الأضحى قدر ما يدخل الإمام في الصلاة حين تحلّ الصلاة"(150). وقال الشيرازي: "ويدخل وقتها إذا مضى بعد دخول وقت صلاة الأضحى قدر ركعتين وخطبتين، فإن ذبح قبل ذلك لم يُجزِه"(151). وبمثله قال صاحب التذكرة، إلا أنه وصف قدر الركعتين والخطبتين، بأنهن خفيفات(152). قال الشافعي: "وأهل البوادي وأهل القرى الذين لهم أئمة في هذا سواء"(153).
وعند الحنابلة: أن أول وقت الذبح للأضحية في حق أهل المصر، إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر، وفي حق غير أهل المصر قدر الصلاة والخطبة؛ لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة فاعتبر قدرها(154). قال ابن قدامة: "إذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته، فقد حل الذبح"(155). وبمثله قال البهوتي وزاد: "فإن تعددت فيه (أي تعددت صلاة الأضحى في البلد) فبأسبق صلاة"(156).
وقد دلَّ على أن ذبح الأضحية لا يكون إلا بعد صلاة العيد: حديث البراء-رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر قال: «إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحمٌ عجّله لأهله ليس من النسك في شيء»(157).
نهاية وقت ذبح الأضحية:
عند الحنفية، والمالكية والحنابلة: أن مدة ذبح الأضحية ثلاثة أيام، يوم النحر ويومين بعده. قال الكاساني: "وينتهي وقتها قبل غروب شمس ثالث أيام النحر، والأفضل أن يضحي أول يوم"(158). وقال عبد الوهاب المالكي: "ومحلها الأيام المعلومات، وهي ثلاثة أيام: يوم النحر وثانيه وثالثه، فأما رابعه فليس من المعلومات، وتعجيلها يوم النحر أفضل"(159). وقال البهوتي: "ويستمر وقت الذبح إلى آخر يومين بعده أي بعد يوم العيد، والذبح في اليوم الأول أفضل، ثمّ ما يليه"(160). وبمثله قال صاحب الكافي في فقه ابن حبل.(161)
ومما استدلت به الحنفية، على أن الذبح يكون يوم النحر ويومين بعده:
1. بأن هذه القربة تختص بأيام النحر دون أيام التشريق.(162)
2. بما روي عن جمع من الصحابة. قال الكاساني: "والصحيح قولنا، لما روي عن سيدنا عمر، وسيدنا علي، وابن عباس، وابن سيدنا عمر، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها، والظاهر أنهم سمعوا ذلك من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؛ لأن أوقات العبادات والقربات لا تُعرف إلا بالسمع"(163).
3. ولأن الذبح مسارعة إلى الخير، فينبغي عدم تأخيره بعد يومين من النحر(164).
4. ولأن الله -جل شأنه- أضاف عباده في هذه الأيام بلحوم القرابين، فكانت التضحية في أول الوقت من باب سرعة الإجابة إلى ضيافة الله -جل شأنه-(165).
وعند الشافعية: أنَّ مدة ذبح الأضحية: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده. قال المزني: "والأضحى جائز يوم النحر وأيام منى كلها إلى المغيب؛ لأنها أيام نُسُك"(166). وقال الشربيني: "وقت التضحية حتى تغرب الشمس آخر أيام التشريق وهي ثلاثة عند الشافعي -رحمه الله-"(167).
ومما استدلت به الشافعية، على أن ذبح الأضحية يستمر إلى آخر أيام التشريق الثلاثة:
1. حديث(168) جبير بن مطعم-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: «كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح»(169).
2. حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب»(170). وقد أورد البيهقي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام قبل رمضان بيوم والأضحى والفطر وأيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم النحر»(171). وجاء في شرح صحيح مسلم: "وأيام التشريق ثلاثا"(172). وقد بوَّب البيهقي لهذه الأحاديث، بقوله: باب، النحر يوم النحر، وأيام منى كلها.(173)
1. ولأنَّ حكم ثالث أيام التشريق حكم اليومين قبله في الزمن وفي تحريم الصوم، فكذا في الذبح.(174)
وممّا ينبني على هذا الخلاف بين الفقهاء: أن من فاته وقت الذبح، وكان قادراً على الأضحية، فقد نصت الحنفية على وجوب التصدق عليه بمقدار ثمن شاة، وذلك بعد يومين من النحر. جاء في فقه العبادات للحنفية: "ولو فات الوقت، وكان المكلف ممن تتوفر فيهم شروط وجوبها، وجب عليه التصدق بمقدار ثمن شاة، ولو مات أيام النحر سقطت عنه، أما لو مات بعدها ولم يضحِّ، فعليه أن يوصي بالتصدق بثمنها"(175)، وهذا هو ما قاله الكاساني.(176)
شروط صحة ذبح الأضحية:
1. اشترطت المالكية: أن يكون الذبح نهاراً، فلا يصح بالليل.(177) لكن قد نصت الحنفية على الكراهة فقط. قال الكاساني: "يكره الذبح بالليل، لا لأنه ليس بوقتٍ للتضحية"(178). وبمثله ذكر السرخسي(179). وكذلك نصَّت الشافعية على الكراهة، مبينة وجه العلة في كراهة الذبح في الليل. فقد جاء في كفاية الأخيار: "تكره التضحية ليلاً، خشية أن يخطئ المذبح، أو يصيب نفسه، أو يتأخر بتفريق اللحم طريّاً"(180). والقول بالكراهة هو كذلك قول الحنابلة.(181)
2. أن يكون الذابح مسلماً، فلا يصح ذبح الكافر(182). وهذا شرط للمالكية.
قال عبد الوهاب المالكي: "وإن استناب فيها من هو من أهل القربة أجزأه، وذلك المسلم العاقل فقط حراً كان أو عبداً، رجلاً أو امرأة، بالغاً أو مراهقاً"(183).
وأمّا الحنفية والشافعية والحنابلة، فإنهم نصوا على كراهة ذبح الكتابي للأضحية. قال الكاساني: "يكره ذبح الكتابي، أما المشرك والمجوسي والوثني، فلا يجوز ذبحه أصلاً "(184). وقال الشافعي: "أكره أن يذبح شيئاً من النسائك مشرك"(185). وقال الشيرازي: "والمستحب أن لا يستنيب إلا مسلماً؛ لأنه قربة فكان الأفضل أن لا يتولاها كافر"(186). وقال ابن قدامة: "لا يستحب أن يذبح الأضحية إلا المسلم؛ لأنها قربة فلا يليها غير أهل القربة".(187)
أيُّهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها؟
الأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها، وذلك لحديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما عمل ابن آدم عملاً يوم النحر أحب إلى الله من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفسا»(188). قال السرخسي: "والأضحية أحب إلي من التصدق بمثل ثمنها"(189). وقال البهوتي: "وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها"(190).
والسبب في هذا أن فضل الأضحية عظيم، ولا يقارن بالصدقة. وقد بين ابن القيم أن الشخص لو تصدق بأضعاف قيمة الأضحية، فإن هذا لا يقوم مقام الأضحية، فقال: "الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]. ففي كل ملة صلاة ونسك لا يقوم غيرها مقامها، ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف القيمة لم يقم مقامه، وكذلك الأضحية"(191).
ما يندب للمضحي:
1. يندب للمضحي تأخير حلق الشعر من سائر البدن أو تقليم الأظافر إلى ما بعد عشر ذي الحجة حتى يضحي.(192) قال الشيرازي: "ومن دخلت عليه عشر ذي الحجة، وأراد أن يضحي، فالمستحب أن لا يحلق شعره ولا يقلم أظفاره حتى يضحي"(193).
2. يندب أن تكون الأضحية سمينة(194).قال البهوتي: "ويسَنُّ استسمان الأضحية واستحسانها، لقول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. قال ابن عباس: تعظيمها: استسمانها، واستعظامها واستحسانها، ولأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها"(195).
3. يندب أن تكون الأضحية بيضاء، وهذا ما نصَّ عليه الشافعية(196)، والحنابلة.(197)
4. يندب أن تكون الأضحية سالمة من العيوب التي تجزئ الأضحية معها.(198)
5. يندب أن تكون الأضحية ذكراً أقرن أبيض فحلاً، إن لم يكن الخصي أسمن، وهذا ما نص عليه المالكية.(199)
6. يستحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة. قال الكاساني: "يستحب أن يكون الذابح حال الذبح متوجها إلى القبلة"(200).قال المزني: "وأحب أن يوجه الذبيحة إلى القبلة"(201). وجاء في متن أبي شجاع: "ويستحب عند الذبح خمسة أشياء: التسمية، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقبال القبلة بالذبيحة، والتكبير، والدعاء بالقبول"(202). وبمثله قال صاحب التذكرة(203). وصاحب كفاية الأخيار(204). وقد علَّل الشيرازي استحباب القبلة، فقال: "لأنها قربة لابد فيها من جهة، فكانت القبلة فيها أولى"(205). وجاء في كفاية الأخيار: "وأما توجيه الذبيحة إلى القبلة، فلأنها خير الجهات، ولأنه عليه الصلاة والسلام وجه ذبيحته إلى القبلة، وقيل: ينبغي أن يكره؛ لأنها حالة إخراج نجاسة فهي كالبول، وأجيب: بأنها حالة يستحب فيها ذكر الله تعالى بخلاف تلك"(206).
7. يندب للمضحي أن يبسمل وأن يكبر(207). قال البهوتي: "ويقول حين يحرك يده بالنحر أو الذبح: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، اللهم هذا منك ولك ولا بأس بقوله: اللهم تقبل من فلان"(208).
لكن قد نصَّ المالكية على أنه يكره للمضحي أن يقول بعد التسمية: اللهم منك وإليك؛ لأنه لم يصحبه عمل أهل المدينة(209). وقد قال ابن قدامة الحنبلي: "وليس عليه أن يقول عند الذبح عمَّن؛ لأن النية تجزئ"(210).
8. يندب للمضحي أن يذبح الأضحية بنفسه، إن كان يحسن الذبح؛ لأنها عبادة، واقتداء بفعله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان لا يحسن الذبح، فالأولى أن يوليها غيره(211). قال الكاساني: "وهذا إذا كان الرجل يحسن الذبح بنفسه ويقدر عليه، فأما إذا لم يحسن فتوليته غيره فيه أولى"(212). وبمثله قال عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي(213)، وعبد الرحمن البغدادي المالكي(214)، والشيرازي(215)، وابن قدامة(216).
أمَّا هل تذبح المرأة؟ فقد قال الشربيني: "أمّا المرأة: فالسنَّة لها أن توكِّل"(217).
9. يندب أن يحضر الأضحية ويشهدها، إن لم يكن قادراً على الذبح بنفسه.(218) قال الشربيني: "وأن يكون ذلك في بيته بمشهد من أهله، ليفرحوا بالذبح ويتمتعوا باللحم"(219).
10. يندب للمضحي أن ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وأما غيرها فالذبح على جنبها الأيمن.(220)
11. يندب أن تكون آلة الذبح حادّة من الحديد.(221)
12. يندب أن يأكل المضحي من الأضحية، وأن يتصدق، وأن يدَّخِر.(222) وذلك لقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، ولحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم»(223).
قال الكاساني: "الدماء أنواع ثلاثة: نوع يجوز لصاحبه أن يأكل منه بالإجماع، ونوع لا يجوز له أن يأكل منه بالإجماع، ونوع اختلف فيه: فالأول: دم الأضحية… والثاني: دم الإحصار وجزاء الصيد ودم الكفارة الواجبة… والثالث: دم المتعة و القران" وهذا مختلف فيه.(224)
وقد نصَّت الحنفية على أنه يستحب أن لا تنقص الصدقة منها عن الثلث، إلا إن كان ذا عيالٍ، فيندب أن لا يتصدق منها بشيء، حتى يوسِّع عليهم. قال الكاساني: "والتصدق أفضل إلا أن يكون الرجل ذا عيال و غير موسع الحال، فإن الأفضل له حينئذ أن يدعه لعياله ويوسع به عليهم، ولأن حاجته وحاجة عياله مقدمة على حاجة غيره"(225).
ولم تشترط المالكية في أن يقسمها أثلاثا، لكن قالوا: يستحب أن يجمع بين الأكل منها والتصدق والإهداء بلا حدٍّ في ذلك بثلث أو غيره.(226) قال عبد الرحمن البغدادي المالكي: "ويأكل ويتصدق بغير حدٍّ"(227).
لكن قد نصَّ ابن ضويان، والبهوتي، وهما من الحنابلة، على أن المضحي إن أكل أضحيته كلها، إلا قدر أوقية، وتصد ق بها جاز، وإن لم يتصدق منها بشيء لزمته غرامة، بمقدار أوقية من اللحم(228). وقد جوز الحنابلة أن يطعم بها كافراً. قال ابن قدامة: "ويجوز أن يطعم منها كافراً؛ لأنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمي كسائر طعامه، ولأنه صدقة تطوع فجاز إطعامها الذمي والأسير كسائر صدقة التطوع"(229).
ما يكره للمضحي:
1. يكره للمضحي أن يأخذ من شعره وأظفاره، إذا دخلت العشر من ذي الحجة، حتى يضحي(230), وقد نص الحنابلة على أنه يحرم عليه ذلك. قال ابن ضويان: "وإذا دخل العشر حرم على من يضحي أو يضحى عنه أخذ شيء من شعره أو ظفره إلى الذبح"(231). وبمثله قال البهوتي.(232)
2. يكره التغالي في ثمن الأضحية زيادة على عادة أهل البلد، وكذا زيادة العدد لما في ذلك من المباهاة أما إن نوى بزيادة الثمن أو العدد الثواب وكثرة الخير فيندب له ذلك.(233)
3. يكره جز صوف الأضحية قبل الذبح لما فيه من نقص جمالها إن لم ينبت مثله لوقت الذبح.(234) قال الحنفية: وإن فعل تصدق به.(235)
4. يكره ركوب الأضحية وتأجيرها والانتفاع بلبنها قبل ذبحها، بل يتصدق بكل ما يأخذه منها؛ لأنه اشتراها قربة لله تعالى، فلا ينتفع بشيء منها حتى يذبحها.(236) وإن كان بها لبنٌ، فقد نصَّ الحنفية: على أنه ينضح ضرعها بالماء البارد حتى يتقلص منه اللبن.(237) قال الكاساني: "ويكره الانتفاع بجزء من أجزائها قبل إقامة القربة… لأن الحلب و الجز يوجب نقصاً فيها، وهو ممنوع عن إدخال النقص في الأضحية"(238).
وأما الانتفاع بالجلد: فقد نصَّ الشافعية والحنابلة، على أنَّ له أن ينتفع بالجلد. قال الشيرازي: "ويجوز أن ينتفع بجلدها، فيضع منه النعال والخفاف والفراء"(239)، وقد بين الشربيني، أن الانتفاع به، هو من فعل الصحابة(240).وقال ابن قدامة: "وله أن ينتفع بجلدها ولا يبيعه ولا شيئاً منها"(241).
5. يكره للمضحي أن يبيع شيئاً من أضحيته.(242) وقد نصَّ الحنابلة: على حرمة بيع شيء منها. قال ابن ضويان: "ويحرم بيع شيء منها حتى من شعرها وجلدها"(243).
لكن قد نصَّ الحنفية: على أنه يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته بما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه من متاع البيت كالجراب والمنخل؛ لأن البدل الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقوم مقام المبدل، فكان المبدل قائماً معنى، فكان الانتفاع به كالانتفاع بعين الجلد بخلاف البيع بالدراهم والدنانير؛ لأن ذلك مما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فلا يقوم مقام الجلد.(244) قال السرخسي: "ولا بأس بأن يشتري بجلد الأضحية متاعاً للبيت؛ لأنه لو دبغه وانتفع به في بيته جاز وكذلك إذا اشترى به ما ينتفع به في بيته"(245).
6. يكره أن يعطي الجزار منها شيئاً على سبيل الأجرة(246)، لما روي عن علي – رضي الله عنه- قال: «أمرني النبي صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على البدن، ولا أعطي عليها شيئا في جزارتها»(247).
وأمَّا أن يعطى الجزار من الأضحية على سبيل الصدقة أو الهدية، فهذا جائز. قال ابن ضويان: "وله إعطاؤه صدقة أو هدية لدخوله في العموم، ولأنه باشرها وتاقت إليها نفسه"(248). قال البهوتي: "ولا يعطى جازرها أجرته منها لأنه معاوضة، ويجوز أن يهدي له أو يتصدق عليه منها"(249).
الخاتمة:
بعد بيان أحكام الأضحية، وتفصيلاتها: أختم بحثي هذا بالمبادرة إلى القيام بهذه الشعيرة العظيمة، وألا نكون ممن يذبحون الذبائح طوال العام، ثم إذا أتى العيد حصل التكاسل، عن القيام بشعيرة الأضحية.
اللهم أعد علينا هذا اليوم أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا من عبادك الصالحين.
والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.
بتاريخ/ 20 رجب 1428ه الموافق 3/ 8/ 2007م.
مراجعة: عبد الوهاب مهيوب مرشد الشرعبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.