خلال الفترة الانتقالية وقعت العديد من العمليات الإرهابية المختلفة والتي استهدفت بالخصوص رموزا سياسية ووحدات الأمن والجيش… حين كانت تلك العمليات تقع ..كانت البلاد تهتز.. والناس تشعر الحنق والذهول من وقوع تلك العمليات بذلك الشكل وتلك الطريقة وفي وضح النهار في الكثير من الأحيان… كنت ترى الطبقة السياسية ترفع صوتها عاليا مطالبة بكشف الحقائق وتحقيق القصاص ومحاسبة الجناة… كما أنها كانت تعتبر ذلك أكبر دليل على فشل الحكومة الانتقالية في القيام بدورها وضرورة رحيلها… ووصل الأمر ببعض الأطراف لحد الترويج للأخبار الزائفة وعقد المؤتمرات الصحفية الاستعراضية الصاخبة وكيل التهديد والوعيد بقلب الطاولة على الجميع والتلويح بنقل ملفات المحاكمة للمحاكم الدولية… لقد كانت العمليات الإرهابية تقع حسب إيقاع معين لا نعرف إلى الآن من كان يقف وراءه ليضبطه (بحيث لا تكاد تهدأ العمليات إلا ليضرب الإرهاب من جديد) ..؟؟؟؟ بحث أصبحت على اختلاف أشكالها وأنواعها سلاحا للإرهابيين ضد الدولة والشعب وسلاحا للمعارضة ضد الترويكا الحاكمة للتشكيك في أدائها ونواياها ومرجعياتها وضد العملية السياسية الانتقالية برمتها ووصل بهم الأمر حد التشكيك في جدوى الثورة و نزاهة وكفاءة من رفعتهم من السياسيين على اختلاف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية لمسرح القيادة كإفراز طبيعي لما حصل من ثورة على الظلم والفساد والدكتاتورية… لقد تمكن جزء كبير من رموز المنظومة القديمة للحكم من تسلق تلك الموجة من الاحتجاجات التي قادها جل الطيف السياسي المعارض على الساحة واستخدامها من أجل الوصول إلى إرباك العملية السياسية والحصول على موطئ قدم ثابت في المشهد السياسي وإملاء شروطه على الحكومة المنبثقة عن انتخابات التأسيسي والوصول إلى حد فرض حكومة من "غير السياسيين" وفرض العديد من الشروط الأخرى ليس أقلها وقعا على الجميع من قانون تحصين الثورة…. ولقد كان من أبرز نتائج تلك الحملات التشويهية التي كانت ترتكز بالأساس على استفحال معضلتي "التنمية والتشغيل من ناحية والإرهاب من ناحية أخرى" أن يئس الناس سريعا من تحقق طموحاتهم في التغيير نحو الأفضل وسرى فيهم الشك في الجدوى من القيام بثورة زادت من تعكير أوضاع الناس عوض تحسينها … وهكذا لعبت القوى المعادية للثورة على تعميق الشعور باليأس في نفوس الناس و تمكنت من إقناعهم بأن الثورة لم تأتهم سوى بالوبال والفقر والإرهاب وضياع هيبة الدولة…. وأنه وحده من خبر الحكم وتمرس في دواليب تسيير الدولة وسار على درب السابقين من مؤسسي الدولة قادر على إعادتها إلى سالف إشعاعها وأمانها وهيبتها… وقد لاحت نتائج هذه الخطة المحكمة خلال صدور نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 حيث تمكن المروجون لهذا المنطق من الفوز بالأغلبية في المجلس النيابي وبالرئاسية في مرحلة ثانية… وهكذا عاد للحكم من الباب الكبير من أطردهم الشعب بالأمس القريب من الباب الصغير … لقد أشبعنا هؤلاء حديثا وصموا آذاننا بقدرتهم على التسيير وخبرتهم في تسيير شؤون الدولة وبأنهم سيحولون البلاد بين عشية وضحاها إلى جنة على وجه الأرض وأنهم سيقضون على الإرهاب وسيوفرون الشغل وسيحققون التنمية وسيعيدون للدولة هيبتها ….. فماذا رأينا منهم؟؟؟؟ معارك لا تنتهي من أجل التموقع والحصول على ألأكبر قدر ممكن من الغنيمة…. المواصلة في إغراق البلاد في القروض والديون… مواصلة التفريط في مقدرات البلاد… السعي وبكل جدية إلى القضاء على حرية الإعلام وتمييع ملف العدالة الانتقالية وإفراغه من محتواه… الفشل في تقديم خطة عمل واضحة أو استراتيجية معقولة للخروج من الوضع الكارثي الذي آلت إليه حال البلاد… غياب وتدهور هيبة القانون والفشل في إعادة الثقة في صفوف المواطنين في مستقبل بلادهم… استمرار غلاء المعيشة وتدهور قيمة العملة الوطنية… الفوضى العارمة التي تهاني منها جل مؤسسات الدولة وخاصة منها المسؤولة مسؤولية مباشرة على حماية الأمن في ظل ما تعرفه من تهديدات جدية…. كل هذا وغيره كثير وهذه الحكومة ومن خلفها الحزب الحاكم غارق في مشاكله وصراعاته الداخلية بين مختلف أجنحته… ولكن ..خارج دائرة الحكم … لا ردود أفعال… لا احتجاجات سياسية ولا جمعياتية ولا حتى شعبية… فالجميع بات متأكدا إلى أي مستوى وصلت الأزمة في بلادنا والجميع يدرك أن هذه الحكومة بأدائها الحالي وتركيبتها الحالية لن تقدم شيئا ولن تزيد الأمر إلا تعقيدا ولكن لا حياة لمن تنادي…. لقد تم تفتيت المعارضة وسحقها وضرب مصداقيتها وتشويه صورتها.. كما تم تحييد ثاني أكبر حزب في البلاد وإدخاله بيت الطاعة عبر وسائل مختلفة… وتم تسخير جل الماكينة الإعلامية لفائدة تلميع صورة ما يحدث من مهازل وما يرتبك من حماقات وتقديمها على أنها إنجازات … وما نراه اليوم من استبلاه للناس بعد المأساة التي عاشتها بلادنا يوم الأربعاء الماضي 18/03/2015 من عملية إرهابية في متحف باردو لا نعرف إلى اليوم بالضبط حيثياتها يؤكد أن كلما يحدث في بلادنا غير طبيعي وأن هناك خلالا ما وأياد خفية تتحرك من خلف الستار لا تريد لهذا البلد ولسكانه الخير… لقد انقلب الحدث من فاجعة وكارثة بكل المقاييس على اقتصاد البلاد وأمنها واستقرارها إلى مسلسل درامي وفر مادة درامية لوسائل الإعلام الذكورة آنفا …فراحت تتحدث عن العذابات الفردية لمن عاش تلك الحادثة…وتقدم لنا البطولات الوهمية للتغطية لبعض من نجا منها … كل ذلك للتغطية على الإخلال الكبيرة والاختراق المذل الذي أصبح يتصف به جهازنا الأمني الغارق هو أيضا في خلافاته وتصفية حساباته الداخلية … مما حول الحدث الذي ضرب في مقتل كل مجهودات التونسيين في النهوض ببلادهم و كل آمالهم في تحقيق التنمية والانطلاق نحو مستقبل أفضل بعد خرجهم من الوضع الانتقالي إلى الوضع الدائم الذي طالما تم تبشيرهم بخيراته… إلى مجرد رواية بوليسية …أو مسرحية درامية يتعاون الجميع في تركيب وقائعها من أجل والوصول إلى المجرم المفترض… وكأننا أمام حلقة من مسلسل الكرتون "المحقق كونن" ؟؟؟ بل إن الأمر وصل بجماعة الحكومة والحزب الحاكم إلى محاولة قلب هذا الفشل وهذا الإخفاق المدوي في حماية أمن تلك الوفود السياحية الوافدة على بلادنا والموجودة في موقع كان من المفترض أن يكون من أكثر المواقع تحصينا في البلاد وهو الموقع المحاذي لمؤسسة سيادية …وفي وضح النهار؟؟؟؟ إلى وسيلة للضغط على المجتمع والإعلام والجميع … تحت مسميات براقة من نوع تحقيق الوحدة الوطنية والوقوف جميعا صفا واحدا في وجه الإرهاب والتضحية من أجل الوطن… وهلم جرا من ذلك الكلام الحق الذي يراد به باطل…. نعم..إن تونس اليوم في حاجة ماسة إلى لحمة وطنية حقيقية وإلى انخراط الجميع في العمل والبذل والعطاء ونكران الذات وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية… ولكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الطبقات الكادحة والمفقرة… لا يجب أن يتم كذلك على حساب استحقاقات الثورة… ولا على حساب الحريات…ولا على حساب العدالة الجبائية ولا على حساب الحقوق الأساسية للمواطن… ولا على حساب مقاومة الفساد..ولا على حساب إعادة الحقوق لأصحابها وخاصة ما تم نهبه من مقدرات هذا الشعب ومن أمواله…. إن كل هذا ما نراه عبر وسائل الإعلام من هرج ومرج وتهريج من طرف السياسيين والإعلاميين لا يجب أن يغفلنا عن حقيقة أن هناك مسؤولية مباشرة وخطيرة لهذه الحكومة فيما حدث وأنه يجب محاسبتها ومحاسبة كل المقصرين والمتهاونين والمذنبين..لا في حق أولئك الأبرياء من ضيوف بلادنا فقط…وإنما أيضا في حق بلادهم واقتصدها ومستقبلها وأمنها… أما كل هذا الذي يقع فإنه مجرد ذر للرماد في العيون…. الهدف منه هو طي صفحة الثورة للأبد وإعادة الجميع إلى بيت الطاعة ..ولن يدفع ثمن كل هذا من دمه وماله وعرقه سوى السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب المغرر به…