زغوان (وات/تحرير راقية السالمي)- زهرة بخمس وريقات ناصعة البياض وقلب أصفر ذي رائحة ذكية، تلك هي "زهرة النسري" أو "النسرين"... النبتة المميزة لمدينة زغوان التي توارثت زراعة هذه الزهرة الخجولة ذات العطر الأخاذ منذ قدوم الاندلسيين خلال القرن السابع عشر واستقرارهم بهذه المدينة الرابضة بهدوء على سفح جبلها الشامخ. ويعرف عن هذه النبتة الدلال والخجل، وهي زهرة تينع ويعم عطرها جنائن واسواق مدينة زغوان خلال النصف الثاني من شهر ماي حسب ما ذكرته لمراسلة (وات) بالجهة، عدد من العائلات المالكة للبساتين الممتدة على مساحات تتجاوز 20 هكتارا حيث تستيقظ العائلات مع ساعات الفجر الاولى لجمع زهور النسري حتى لا تفقد خصائصها بتعرضها لحرارة الشمس. وتباشر النسوة في البيوت في نفس اليوم وفي أجواء احتفالية عمليات تقطير الزهور التي قدرت صابتها هذا الموسم، حسب مصالح المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بما يزيد عن 6 اطنان، تفاديا لتلفها السريع، وحفاظا على الكثير من خصائصها، إلا أنه يمكن الاحتفاظ بالكميات القليلة في الثلاجة طيلة يومين او ثلاثة على أقصى تقدير نظرا لشدة حساسيته. وتضع المرأة الزغوانية زهر النسري في آلة التقطير التقليدية التي تتكون من قطعتين مع كمية معينة من الماء على نار هادئة او على نار الفحم. ويوجد برأس القطار أنبوب يتحول البخار الذي يخرج منه الى ماء نسري ينساب داخل قارورة تعرف "بالفاشكة" وذلك بعد اصطدامه ببرودة الماء الذي يجب مراقبته وتغييره كلما ارتفعت درجة حرارته. وتدوم فترة التقطير بالنسبة للقارورة من حجم لترين بين 3 و4 ساعات مع الحرص على المراقبة المتواصلة. أما القارورة التي يتجمع فيها ماء النسري من القطار فيجب ان تكون مجففة. وإذا صادف ووجدت بعض قطرات من الماء داخل القارورة، فان لون ماء النسري يميل الى السواد ويصبح بذلك غير صالح للاستعمال. وتحوز هذه النبتة التي قدر بيع زهرها لهذا الموسم بين 10 و20 دينارا للكيلوغرام الواحد ولتر مائها بين 25 و30 دينارا طيلة فترة الجمع والتقطير، اهتمام اهالي مدينة زغوان الذين يحتفلون بهذه النبتة ويهدون عطورها بعضهم لبعض تعبيرا عن الالفة والمودة كما تعد من علامات إكرام وفادة زائريهم حيث يقدمون الشاي او العصير او القهوة او حتى كاس ماء معطرة بماء النسري. كما ان ماء النسري تستغله نساء زغوان في اعداد الحلويات المتنوعة وخاصة "كعك الورقة" الذي تشتهر به المنطقة، ويقمن بتقديمه للضيوف محلى بالقليل من السكر. ولماء النسري، حسب ما تناقلته الاجيال بعضها عن بعض من ابناء المدينة، مزايا صحية محمودة ونفع أكيد خاصة بالنسبة للجهاز الهضمي ولامراض القلب والشرايين. وخلال شهر ماي من كل سنة، تحتفل مدينة زغوان بهذه النبتة من خلال تنظيم مهرجان للنسري يبلغ هذا العام دورته الثلاثين وتشرف على تنظيم واعداد مختلف فقراته "جمعية النسري للانشطة الثقافية بزغوان"، وتتواصل فعالياته هذا العام من 25 ماي الجاري الى غاية 9 جوان القادم بعروض متنوعة تجمع بين معرض للصناعات التقليدية وندوات علمية حول نبتة النسري والسياحة في زغوان وعروض مسرحية وغنائية وتنشيطية مختلفة. وبالاضافة الى المهرجان السنوي لنبتة النسري الذي يعد مناسبة لتثمين دورها في الحياة اليومية، فقد توجهت عناية المعنيين بهذا القطاع والمشرفين عليه الى تطوير النظم الزراعية لهذه النبتة بأجنة زغوان وبعث وحدات تحويل الانتاج مكنت من تكثيف زراعة نبتة النسري وتوزيع عدد هام منها على فلاحي الجهة لتطوير الغراسة على 30 هكتارا اضافة الى بناء مخبر وبيت بلوري. كما يجري إنجاز بحوث علمية محورها نبتة النسري بالمدرسة العليا للفلاحة بالمقرن التي أحدثت حديقة نباتية لانواع النسري. وقد أصدر باحثان اثنان يعملان بالمدرسة كتابا بعنوان "النسري" لابراز الاهمية العلاجية لزهرة النسري.