تونس 10 مارس 2010 (وات) حلل المشاركون في المائدة المستديرة التي نظمها مجلس المستشارين اليوم الاربعاء حول موضوع "اى حوكمة عالمية بعد الازمة المالية والاقتصادية" اهم اسباب اندلاع الازمة المالية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي الى جانب الوقوف عند مفهوم الحوكمة والمبادىء الجوهرية للحوكمة العالمية والتعريف بسياسات احتواء الازمة ولا سيما منها السياسة التونسية. ولاحظ السيد عبدالله القلال رئيس مجلس المستشارين في افتتاحه اشغال هذا اللقاء ان الاسباب الرئيسية للازمة المالية والاقتصادية التي يعيشها العالم منذ سنة 2008 تكمن في الابتعاد عن الاسس التي انبنى عليها النظام الراسمالي الليبرالي والسعي الى الربح السريع علاوة عن غياب نظام دولي تعديلي وحوكمة فعالة. واكد ان العالم اليوم في حاجة الى ملامح عولمة جديدة تقوم على اسس ناجعة في ظل الفشل في توصل مجموعة الثماني ومجموعة العشرين الى اتفاق على الحلول المرجوة لمعالجة الوضع. ولاحظ ان تونس نجحت في الحد من تداعيات هذه الازمة بفضل جملة الاصلاحات والاجراءات العملية والتدابير الوقائية التي اتخذها الرئيس زين العابدين بن علي وساهمت بقدر كبير في دعم قدرة اقتصادها على مجابهة التقلبات التي شهدها الاقتصاد العالمي. واوضح السيد توفيق بكار محافظ البنك المركزى التونسي في مداخلته ان التجربة التونسية فى التعامل مع الازمة المالية والاقتصادية العالمية قد اثبتت صحة الخيارات التي اعتمدتها تونس بهدى من الرئيس زين العابدين بن علي". واكد ان المقاربة التونسية تتميز بالتدرج والحرص على توظيف الاقتصاد لتحسين مستويات العيش مع الملاءمة بين مختلف الابعاد الاقتصادية والاجتماعية. كما تتميز المقاربة الوطنية بالاعتدال في السياسة النقدية وفي سياسة الصرف مع الحرص على توظيف القطاع البنكى اولا وبالذات لدعم مجهود التنمية بعيدا عن المضاربة والبحث عن الربح السريع. واشار من جهة اخرى الى ان الازمة المالية العالمية عكست الحاجة الملحة لاصلاح وتامين نظام حوكمة عالمى اكثر نجاعة وقادر على الحيلولة دون تكرار مثل هذه الازمة مبينا ان الوضع يتطلب اصلاح نظام الحوكمة في العالم وتغييرات جوهرية لمنظومة صنع القرار داخل المؤسسات والهياكل الدولية لتعزيز قدرتها على ضمان ادارة ناجعة للنظام العالمى والاقتصادى العالمى. واكد في هذا الاطار على ضرورة تامين مشاركة اوسع للبلدان الصاعدة في منظومة اخذ القرار صلب هذه المؤسسات ونظام الحوكمة فيها وتفعيل دورها في ارساء قواعد النظام النقدى والمالى التي تضمن السلامة والشفافية. وبين السيد توفيق بكار ان البنوك المركزية اصبحت اليوم مطالبة بلعب دور اساسي في هذه الهيكلة الاقتصادية والمالية الجديدة حيث ابرزت الازمة ان تعديل اسعار الفائدة واستهداف التضخم لا يمكن بمفردها تفكيك الطفرات الاحتكارية وتقويم الاختلالات المتعلقة بقطاع ما في السوق. واوضح ان البنوك المركزية مدعوة الى ايلاء تحقيق الاستقرار المالى نفس الاهمية التي توليها لتحقيق استقرار الاسعار اضافة الى العمل على تعزيز قدراتها على مراقبة كل المؤسسات المالية مع اعتماد مؤشرات واسعة النطاق تمكنها من تامين رقابة حذرة كلية وفعالة تاخذ بعين الاعتبار اتساع دائرة الخطر النظامى والبعد العالمى للمالية مع العمل على تنسيق المجهودات على الصعيد الدولي وملاءمة السياسات النقدية. وبين السيد رشيد صفر عضو مجلس المستشارين فى مداخلته ان الفرصة سانحة اليوم اذا ما توفرت الارادة السياسية لمحاولة ارساء حوكمة عالمية جديدة تتوفر فيها شروط افضل لتكافؤ الفرص لجميع الشعوب. واشار الى انه يتعين على الدول المتضررة من الازمة والتي لم تكن بالخصوص طرفا في اندلاعها ان يعلو صوتها برصانة وتعقل فى هذا الظرف اكثر من اي وقت مضى بعد القيام بدراسة مستوفية ومحاولة الاتفاق على صياغة مقترحات عملية مشتركة. كما دعا هذه الدول الى ان تتعدد الاصوات لدى النخب ولدى مجتمعاتها المدنية حتى تكون قادرة على الاقناع وذلك في كافة المحافل الدولية وفي كل مؤسسات الحوكمة العالمية الحالية. واكد السيد الشاذلي العياري عضو مجلس المستشارين الحاجة الملحة إلى صياغة حوكمة مالية واقتصادية عالمية تقوم "مقام النظم الوطنية المعمول بها في كل ما يمس بالجوانب المعولمة للاضطرابات وللهزات التي تنتاب الاسواق المالية أو المنظومات الاقتصادية من حين إلى آخر". واعتبر أن ما قد ينجم من فشل لمؤتمر قمة العشرين المقرر عقده في نوفمبر القادم بمدينة سيول في كوريا الجنوبية في تحقيق تقدم ملموس على صعيد اصلاح النظام المصرفي العالمي وتثبيت الانتعاش الاقتصادي الناشىء والمهدد بالانتكاس قد يؤدي إلى "وأد مشروع الحوكمة العالمية ومجموعة العشرين معا". واشار في المقابل الى أهمية دعم النهج الاصلاحي الوطني والنهج الاصلاحي الاقليمي لنظم الحوكمة المالية والاقتصادية القائمة حاليا في ظل ضبابية الرؤى بخصوص قيادة الاقتصاد العالمي ما بعد الازمة. وتعلقت المسائل التي اثارها المشاركون في النقاش بالخصوص بضرورة انشاء هيكل توجيهي واحداث مجلس عالمي للتنمية يعنى بتنسيق السياسات التنموية ويؤمن تكافؤ الفرص امام كل الشعوب. وتطرقت التساؤلات الى مدى اهمية الحلول المقترحة لتجاوز اثار الازمة في غياب المساءلة والالتزام بالقيم وفي ضؤ عملية الاقصاء التي تتعرض لها مجموعة هامة من الدول. كما استفسر عدد من المتدخلين حول طبيعة الحوكمة التي يتعين على تونس ترسيخها في ظل تواصل الازمة رغم التحسن المسجل على مستوى نسق النمو العالمي. وتمحورت الاقتراحات المقدمة بالمناسبة حول مزيد تكريس الحوكمة الوطنية وضمان التوافق على مختلف المستويات وارساء نمط اقليمي يفرض حضوره امام القوى المهيمنة ويساهم في اتخاذ القرارات اضافة الى ترسيخ مبادىء التضامن والاخذ بالاعتبار الخصوصيات المحلية في رسم النماذج التنموية وعدم اختزال الوقائع في معادلات حسابية. وافاد السيد توفيق بكار في رده بالخصوص ان الازمة مازالت قائمة وان الحوكمة الوطنية واضحة المعالم حيث تستند الى العقلنة والتدرج في الانفتاح ومواكبة المستجدات على الساحة العالمية واخذ الاحتياطات اللازمة وفق تعليمات رئيس الدولة في المجال بما مكن من تقليص تداعيات الازمة. واشار فى هذا الصدد الى ما يتضمنه البرنامج الرئاسي المستقبلي من متطلبات الاعداد للمرحلة القادمة ولا سيما منها مواصلة اصلاح المنظومة الجبائية ودعم القطاع المصرفي وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتكثيف التموقع في الاسواق الخارجية. وذكر لدى استعراضه للبرامج واليات والاجراءات التى تم وضعها للتوقي من مخاطر مثل هذه الازمات بقرار رئيس الدولة القاضي باحداث مركز مختص في رسم السياسيات المالية يرتبط بكبرى قواعد المعطيات النقدية. وبخصوص الحوكمة العالمية بين ان تحديدها لا يقتصر على جهة معينة بل تشارك في صياغتها عديد الاطراف العالمية الاخرى مشيرا الى ضرورة مراجعة مشمولات بعض الهيئات الدولية على غرار صندوق النقد الدولي.