أخبار تونس- يبدو العالم في حاجة إلى ملامح حوكمة جديدة تقوم على أسس ناجعة في ظل الفشل في توصل “مجموعة الثماني” و”مجموعة العشرين” إلى اتفاق على الحلول المرجوة لمعالجة الوضع ذلك أن الفرصة سانحة اليوم إذا ما توفرت الإرادة السياسية لمحاولة إرساء حوكمة مالية واقتصادية عالمية تتوفر فيها شروط أفضل لتكافؤ الفرص لجميع الشعوب وتقوم “مقام النظم الوطنية المعمول بها في كل ما يمس بالجوانب المعولمة للاضطرابات وللهزات التي تنتاب الأسواق المالية أو المنظومات الاقتصادية من حين إلى آخر”. هذا ما توصلت إليه أشغال المائدة المستديرة التي نظمها مجلس المستشارين اليوم الأربعاء حول موضوع “أي حوكمة عالمية بعد الأزمة المالية والاقتصادية”. وبحثت الندوة التي حضرها السيدان عبدالله القلال رئيس مجلس المستشارين وتوفيق بكار محافظ البنك المركزي التونسي في أسباب اندلاع الأزمة المالية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي إلى جانب الوقوف عند مفهوم الحوكمة والمبادئ الجوهرية للحوكمة العالمية والتعريف بسياسات احتواء الأزمة ولا سيما منها السياسة التونسية. وعن الأسباب الرئيسية للأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها العالم منذ سنة2008، فقد لاحظ السيد عبدالله القلال رئيس مجلس المستشارين في افتتاحه أشغال هذا اللقاء أنها تكمن في الابتعاد عن الأسس التي انبنى عليها النظام الرأسمالي الليبرالي والسعي إلى الربح السريع علاوة عن غياب نظام دولي تعديلي وحوكمة فعالة. وقد أثبتت التجربة التونسية في التعامل مع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية صحة الخيارات التي اعتمدتها تونس من خلال جملة الإصلاحات والإجراءات العملية والتدابير الوقائية التي اتخذتها والتي قللت من تداعيات هذه الأزمة وساهمت بقدر كبير في دعم قدرة اقتصادها على مجابهة التقلبات العالمية. وتتميز المقاربة التونسية ب: - التدرج والحرص على توظيف الاقتصاد لتحسين مستويات العيش مع الملاءمة بين مختلف الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. - الاعتدال في السياسة النقدية وفي سياسة الصرف مع الحرص على توظيف القطاع البنكي أولا وبالذات لدعم مجهود التنمية بعيدا عن المضاربة والبحث عن الربح السريع. ودعت الندوة إلى: - ضرورة إنشاء هيكل توجيهي وإحداث مجلس عالمي للتنمية يعنى بتنسيق السياسات التنموية ويؤمن تكافؤ الفرص أمام كل الشعوب. - مراجعة مشمولات بعض الهيئات الدولية على غرار صندوق النقد الدولي. - تأمين نظام حوكمة عالمي أكثر نجاعة وقادر على الحيلولة دون تكرار مثل هذه الأزمة . -إحداث تغييرات جوهرية لمنظومة صنع القرار داخل المؤسسات والهياكل الدولية لتعزيز قدرتها على ضمان إدارة ناجعة للاقتصاد العالمي. - تأمين مشاركة أوسع للبلدان الصاعدة في منظومة أخذ القرار صلب هذه المؤسسات ونظام الحوكمة فيها وتفعيل دورها في إرساء قواعد النظام النقدي والمالي التي تضمن السلامة والشفافية. - دعوة الدول المتضررة من الأزمة والتي لم تكن بالخصوص طرفا في اندلاعها إلى المشاركة في صياغة مقترحات عملية مشتركة. - دعم مساهمة النخب والمجتمعات المدنية للمشاركة في كافة المحافل الدولية وفي كل مؤسسات الحوكمة العالمية الحالية. كما أكد المشاركون على دور البنوك المركزية التي أصبحت مطالبة اليوم بلعب دور أساسي في الهيكلة الاقتصادية والمالية الجديدة حيث بينت الأزمة أن تعديل أسعار الفائدة واستهداف التضخم لا يمكن بمفردها تفكيك الطفرات الاحتكارية وتقويم الاختلالات المتعلقة بقطاع ما في السوق. وأوضح محافظ البنك المركزي التونسي أن البنوك المركزية مدعوة إلى: - إيلاء تحقيق الاستقرار المالي نفس الأهمية التي توليها لتحقيق استقرار الأسعار. - العمل على تعزيز قدراتها على مراقبة كل المؤسسات المالية . - اعتماد مؤشرات واسعة النطاق تمكن من تأمين رقابة حذرة كلية وفعالة تأخذ بعين الاعتبار اتساع دائرة الخطر النظامي والبعد العالمي للمالية. - تنسيق المجهودات على الصعيد الدولي وملاءمة السياسات النقدية. وعلى الصعيد الوطني، أفاد السيد توفيق بكار أن الأزمة مازالت قائمة وأن الحوكمة التونسية واضحة المعالم حيث تستند إلى العقلنة والتدرج في الانفتاح ومواكبة المستجدات على الساحة العالمية وأخذ الاحتياطات اللازمة وفق تعليمات رئيس الدولة في المجال بما مكن من تقليص تداعيات الأزمة. وأشار في هذا الصدد إلى ما يتضمنه البرنامج الرئاسي المستقبلي من متطلبات الإعداد للمرحلة القادمة ولا سيما منها مواصلة إصلاح المنظومة الجبائية ودعم القطاع المصرفي وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتكثيف التموقع في الأسواق الخارجية مستعرضا البرامج والآليات والإجراءات التي تم وضعها للتوقي من مخاطر مثل هذه الأزمات بقرار رئيس الدولة القاضي بإحداث مركز مختص في رسم السياسيات المالية يرتبط بكبرى قواعد المعطيات النقدية.