تشكل الجماعات المتطرفة في شمال إفريقيا حلقات مترابطة لا تفصل بينها الحدود، فبين ليبيا وتونسوالجزائر، يتمتع المسلحون بحرية كبيرة في الحركة مما يجعل من جهود مكافحة الإرهاب تحديا يستلزم جهد جماعي من هذه البلدان. فالتداخلات بين هذه الجماعات ينبع من وحدة النشأة، فأكثر التنظيمات الإرهابية خرجت بالتسلسل من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والتي انبثقت عنها الجماعة السلفية للدعوة والقتال ثم دخلت في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي أصبح منذ مطلع القرن المظلة الأساسية للحركات التي ظهرت بعد ذلك، قبل ظهور تنظيم داعش واجتذابه للعديد من أعضاء تلك الجماعات. وأصبحت تونس بين شقي الرحى، حيث يحدها من الشرق ليبيا التي تشهد فوضى مسلحة، بينما من الغرب الجزائر التي تعد موطنا لحركات متطرفة تتنقل عبر صحرائها وحدودها الشرقية. فكتيبة عقبة ابن نافع التابعة لجماعة أنصار الشريعة، وهي فرع من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، تتركز عملياتها في جبال الشعانبي المتاخمة للجزائر، وتصنف الحكومة التونسية والولايات المتحدة هذه الجماعة كتنظيم إرهابي، وهي متهمة بالوقوف وراء الهجوم على السفارة الأميركية بتونس في سبتمبر 2012. وظهرت كتيبة الفرقان على الساحة التونسية مؤخرا وهي تدين لتنظيم داعش في ليبيا بالولاء، وتتمركز قيادتها هناك، بحسب اعترافات أمير الكتيبة الذي اعتقلته السلطات التونسية مطلع ديسمبر الجاري. وعلى الجانب الليبي من الحدود، يسيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة في الشمال الغربي للبلاد، وهو يتشارك ذات الإيديولوجيا مع تنظيمات أخرى مثل جماعة أنصار الشريعة التي تورطت في عدد من الهجمات من بينها الهجوم على البعثة الديبلوماسية الأميركية في بنغازي مما أسفر عن مقتل السفير وثلاثة أعضاء آخرين في البعثة. وبحسب هارون زيلين الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة بمعهد واشنطن للدراسات، فليس من المستغرب أن يكون سيف الدين الرزقي - منفذ الهجوم على السياح في مدينة سوسةالتونسية في جوان 2015، قد تلقى تدريبه في معسكر في ليبيا. ويمثل هذا الهجوم امتدادا لعلاقة تربط بين المقاتلين التونسيين والليبيين منذ ثمانينيات القرن الماضي وتوطدت أواصرها منذ عام 2011، بحسب الباحث. وبحسب الأممالمتحدة وإحصاءات رسمية، يوجد 5خمسة آلاف مسلح تونسي موزعين على مختلف التنظيمات الإرهابية، أكثرهم يقاتلون في صفوف داعش في سوريا والعراق وليبيا والجزائر، وتمثل هذه الإحصائية إنذارا خطيرا بمدى التهديد الذي تتعرض له تونس جراء عودة هؤلاء المقاتلين للقيام بعمليات في البلاد. وينشط في الجزائر تنظيم المرابطين وهو مسؤول عن الهجوم في يناير 2013 على منشأة الغاز الجزائرية في إن أميناس واحتجاز 650 شخصا بداخلها قبل تدخل الجيش الجزائري لتحريرهم، مما أسفر عن مقتل 37 رهينة. والتنظيم الذي انبثق من رحم القاعدة، تحول إلى مبايعة داعش قبل أن يعود مرة أخرى إلى الجماعة الأم من خلال الهجوم على فندق في باماكو عاصمة مالي، الذي اعتبره مناسبة لإعلان انضمامه لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي مالي، ينشط تنظيم أنصار الدين الذي سيطر على مناطق واسعة شمالي مالي في 2012 قبل أن يتقهقر على يد القوات الفرنسية. لكن التنظيم مازال يقوم بعمليات إرهابية تطال أهدافا مدنية. وتشير هذه التداخلات إلى صعوبة الفصل بين الجماعات المتطرفة في شمال إفريقيا، حيث تتشارك الإيديلوجيا والوسائل والمقاتلين.