أصبح الشارع التونسي ملاذ كل طرف لم يتمكّن من إثبات وجوده والدفاع عن آرائه بالسبل التي تقتضيها وتحدّدها آليات الديمقراطيّة، ولعلّ “قفّة الزوالي” هي الحل الوحيد لدى هذه الاطراف لتؤجّج الاحتجاجات في صفوف الشعب التونسي في هذه الأوضاع الامنية والاقتصادية والاجتماعيّة المتوتّرة بطبعها. لعلّ اللجوء إلى بثّ الفوضى والاحتقان وافتعال الأزمات الاجتماعيّة هي الفرصة الأخيرة لبعض الأطراف التي تعمل لخدمة أجنداتها الحزبيّة بالسعى لتطويع الشارع التونسي خدمة لمصالحها وتوظيفا لمعاناة الفئات الهشّة والفقيرة والجهات المحرومة والأحياء الشعبيّة لمداراة إخفاقها في العمل الحزبي والبرلماني والسياسي. ولسائل أن يسأل ماذا ستجنيه الطبقات المستهدفة من الفوضى والاحتجاجات سوى تعميق معاناتها وتعزيز تدهور الأوضاع الاقتصاديّة وتعقيد الأوضاع الاجتماعيّة وتعميق أزمة البطالة وارتفاع الأسعار. ولا شك في أن المطالب الاجتماعيّة للشعب التونسي عادلة وأن حق المواطنين في العمل وفي المساواة وفي العيش الكريم مكفول بالدستور لكن انتهاج سياسة التوتر الاجتماعي والتخريب لن تزيد الوضع إلا تعكيرا، خاصّة وأن دعوة الشعب للنزول للشارع لا يمكن التكهّن بتبعاتها ولا يمكن التّحكم بعد ذلك في ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، في ظروف تتسم بالاحتقان في عدد من القطاعات. وسبق لمحلّلين سياسيين أن أكدوا في تصريحات إعلاميّة أن الدعوة إلى التظاهر في هذه الأجواء المحتقنة وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وتمر بها عملية الانتقال الديمقراطي، مغامرة غير مدروسة ويمكن أن تنعكس بشكل خطير على الأوضاع العامة بالبلاد. ومن بين الأشكال التي باتت متعارفا عليها لدى الشعب التونسي وفي ثقافته الاحتجاجية، حرق العجلات المطاطيّة وإغلاق الطرقات الرئيسة والاعتصام بمراكز السيادة، إضافة إلى استغلال بعض المنحرفين للأوضاع المحتقنة للسرقة والنهب والسطو والتشابك مع عناصر الأمن. وبما أن هذا السيناريو بات معروفا فماهي غاية المنادين للنزول للشارع والمناصرين لهم من مثل هذه الأوضاع؟ ومن المفارقات التي تبعث على الشكوك، أنّ الذين يعمدون اليوم إلى التحريض وتجييش الشارع وتوفير الغطاء الإعلامي والسياسي والنقابي والحقوقي، تحت شعار “تغليب مصلحة الشعب”، ينتمون إلى الطبقات الجديدة التي برزت في المجتمع التونسي بعد الثورة، والتي ظهرت عليها طفرة مكاسب وممتلكات.