قتلى ومصابون في تدافع بمعبد هندي    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غضب.. فوضى وتخريب.. وأيضا أزمة خطاب سياسي!: قانون المالية 2018 أمام «اختبار شعبي»
نشر في الصباح يوم 10 - 01 - 2018

مرّة أخرى يعود شهر جانفي.. جانفي «الثائر» بغضب الكادحين والمنسيين والطبقات المسحوقة والفئات المهمّشة والمفقّرة، كذلك هو جانفي، شهر «يتكلّم» بصوت من لا صوت لهم أو هو شهر يبحث عن مكان في المشهد لأصوات اعتدنا بصمتها ولكن يبدو أننا لم نتعوّد بعد على غضبها!
غضب، تُترجمه التحرّكات والمسيرات الاحتجاجية، وتترجمه الهتافات الساخطة والشعارات الحانقة وحتى تعليقات روّاد مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت قادرة على «تثوير» الشارع أحيانا أكثر من الدعوات الحزبية والسياسية، غير أن هذا «الغضب» يفقد مبرّراته ويفقد مشروعيته عندما يسقط في الفوضى والعنف وأعمال التخريب، وبين الاحتجاج والفوضى مسافة حرّية وحق في التعبير السلمي يستغلّها البعض للدفاع عن مطالبه المشروعة، وينتهزها البعض الآخر لجرّ البلاد إلى الفوضى والعنف، وفق سيناريوهات بعضها «عفوي» ينطلق من ارتفاع منسوب الجريمة والانحراف المُتغذّي بدوره من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وبعضها «دُبّر بليل» وبنوايا مبيّتة للزجّ بالبلاد في حالة من الفوضى خدمة لأجندات معلنة و»خفيّة».
وقد أجمعت كل القوى السياسية بما في ذلك اتحاد الشغل ومن خلال أمينه العام نور الدين الطبوبي أن الديمقراطية لا تتستّر بجنح الظلام للتعبير عن نفسها في استنكار واضح للتحرّكات الاحتجاجية الليلية ،ولكن رغم ذلك تمسّك الاتحاد بانحيازه للمطالب الشعبية المشروعة وأكّد الطبوبي أنه « لا يمكن الحديث عن الديمقراطية والبطون خاوية لكن ذلك ليس باللجوء الى التخريب باسم الديمقراطية كذلك»، وفق تعبيره ،مانحا الحكومة مهلة أسبوع للبت في الزيادة استثنائية في منح العائلات المعوزة والأجر الأدنى وأجور عمال الحضائر وكل الفئات الضعيفة.
من يحتمل غضب الشارع؟
لا يمكن أن نتحدّث عن ديمقراطية دون حرّية تعبير ودون الحق في التظاهر والاحتجاج وابداء الرأي، ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية بعيدا عن تقبّل النقد والرأي المخالف أو بعيدا عن تقبّل تحرّك الشارع ورفضه لبعض الاجراءات، والطبقة السياسية الحاكمة اليوم ما كان لها أن تبلغ السلطة، لو لم تمارس «الأغلبية الصامتة» لعقود حقّها في الفعل الاحتجاجي وحقّها في التعبير عن غضبها من تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحقها في الرفض، والطبقة الحاكمة التي مارس بعضها النضال والمعارضة لعقود، تعلم أكثر من غيرها أن الاحتجاجات الشعبية ذات الطبيعة الاجتماعية من الصعب إلجامها حتى ولو بالقمع.
لكن بعض التصريحات لقيادات حزبية حاكمة ولمسؤولين في الدولة ولنواب في مجلس نواب الشعب توحي بأن المطلوب «ديمقراطية على المقاس» منسجمة مع توجهات طبقة الحاكمة، ديمقراطية خاضعة لإرادة الأغلبية السياسية، بمعايير جوفاء تكون أقرب إلى «الديكور» الذي يزيّن واجهة الساحة السياسية ولكنه يفتقد إلى «الروح» والى الإرادة الشعبية التي قد تندفع إلى صياغة مشهد سياسي وفق رغبات وأهداف محدّدة، لكن يبقى لها الحق في مراقبة هذا المشهد وفي التصدّي لأي انحراف قد لا يتوافق مع هذه الإرادة الشعبية.
واليوم من بين الأمور التي يتعيّن على الطبقة الحاكمة مراجعتها هو مدى تقبّلها للنقد وللاحتجاج وللاختلاف، وكذلك مدى قدرتها على احتواء الأزمات التي تقف وراءها دوافع اجتماعية مشروعة، وهذا يتطلّب جرأة سياسية يجب ألا تقتصر في خطواتها على اتخاذ الاجراءات والاصلاحات المؤلمة ولكن كذلك صياغة خطاب سياسي قادر على احتواء الغضب من هذه الإصلاحات وليس خطاب لشحن الغضب.
خطاب سياسي «مُكابر»
«من يريد التظاهر يخرج نهارا وليس ليلا»، هكذا علقّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد على عدد هام من المسيرات الاحتجاجية التي جابت البلاد ليلة أوّل أمس، وشابتها عدة أعمال عنف وفوضى وتخريب وحتى نهب واعتداء على الممتلكات العامة والخاصّة مثلما حصل في معتمدية القطار من ولاية قفصة أو بحي الانطلاقة بتونس العاصمة، ورغم أن اغلب المحتجين السلميين الذين احتجوّا على غلاء الأسعار والمعيشة، عبّروا عن رفضهم لأعمال العنف والفوضى خاصّة وأن بعض المسيرات الاحتجاجية الليلية لم تخلّ بحق التظاهر ولم تسجّل بها أي اعتداءات،الاّ أن التصريحات الرسمية بدت متوجّسة من المسيرات الاحتجاجية الليلية واعتبرت أنها تضمر نية بث الفوضى واستغلال الاحتجاجات وأنها أبعد ما يكون عن المطالب الاحتجاجية المشروعة، في المقابل تؤكّد الأحزاب والقوى الوطنية الداعمة للتحرّكات الشعبية أن الدستور كفل حق التظاهر في المطلّق ولم ينصّص على أن ممارسة هذا الحق تقتصر على النهار دون الليلة.
ورغم أن رئيس الحكومة في تعليقه على هذه الاحتجاجات حاول التدارك بالتأكيد على أن حق التظاهر مكفول بالقانون،إلا أن الجميع كان ينتظر خطابا أكثر إقناعا خاصّة وأن رقعة الاحتجاجات بدأت تتسع وتتخذ منعرجا خطيرا في أكثر من جهة.
ويجمع الملاحظون أن الحكومة فشلت في بداية هذه الاحتجاجات التي انطلقت منذ أيام مع حملة «فاش تستناو» في ابتكار خطاب سياسي يرتقي إلى مستوى الأزمة، حيث عمدت في البداية وزارة الداخلية إلى اعتقال نشطاء الحملة وإحالتهم على النيابة العمومية في»حالة سراح» وهو ما زاد في منسوب الاحتقان وفي دعوات التحريض على التظاهر، كما دفعت تصريحات بعض الوزراء بعد ذلك إلى مزيد من الاحتقان والحنق، مثل تصريح وزير أملاك الدولة مبروك كورشيد، حين قال «أنا مستغرب.. الزيادات تصير على الغُنيا والفقراء يحتجوا»، وكذلك تصريحات بعض السياسيين مثل تصريح المدير التنفيذي للحزب الحاكم حافظ قايد السبسي الذي اختصر ما يحدث منذ أيام في أنها حالة فوضى، مستلهما من رئيس الحكومة عبارته حول الفساد، عندما قال «امّا الفساد واماّ الدولة» اليوم قايد السبسي الابن يقول «امّا الفوضى أو الدولة»، وذلك في تدوينة له يوم أمس.
وألقت الأحداث الاحتجاجية بظلالها على مجلس نواب الشعب، حيث اعتبر النائب الحبيب خذر عن حركة النهضة ‹›أن ما حدث البارحة جريمة وأن من خرجوا ليلا ليسوا يطالبون بالتنمية».
وهذا الخطاب السياسي «المكابر» لن يزيد الأزمة الاّ تعقيدا ويثبت مرّة اخرى ان الحكومة والطبقة الحاكمة تعجز مع كل أزمة عن ابتكار خطاب قادر على احتواء الأزمات وقادر على استيعاب الغضب الشعبي، بدل سياسة الهروب الى الأمام والتنصّل من المسؤوليات.
الأحزاب وإدارة الأزمات
مع كل أزمة اجتماعية او اقتصادية يبرز بوضوح إخفاق الأحزاب الحاكمة في ادارة الأزمة خاصّة على المستوى الاتصالي حيث تنطلق حملة لتراشق الاتهامات وتحميل المسؤوليات أو التنصّل منها، والتصريحات والتصريحات المضادة، في الوقت الذي يُفترض أن تنكبّ هذه الأحزاب على صياغة خطاب مشترك لمواجهة الأزمات، يثبت جدّية هذه الاحزاب ومدى التزامها بالحكم في إطار حكومة ائتلافية تقفز عن المصالح الذاتية للأحزاب لخدمة الصالح العام أو بالدفاع عن الخيارات الكبرى ومن بينها قانون المالية لسنة 2018 وكذلك مدى التزامها باتفاق قرطاج الذي يعدّ وثيقة مرجعية بالنسبة لمنظومة الحكم الحالية.
وهذا الموقف الذي يتكرّر مع كل الحركات الاحتجاجية «العفوية» وغير المؤطّرة نقابيا، دفع بالحكومة في كل مرّة الى مواجهة هذه الأزمات الاجتماعية دون سند أو حزام سياسي حقيقي يخفّف الضغط عليها ويجعلها أكثر تفهّما للمطالب الشعبية ويدعم قدرتها على إيجاد الحلول.
في المقابل تتحيّن أحزاب المعارضة الفرصة لاقتناص كل عثرة للحكومة، للتحريض والدفع الى «تثوير» الشارع دون أن تكون لها بدائل حقيقية للأزمة، ورغم أن من حق المعارضة استغلال «سقطات» الأحزاب الحاكمة لدعم حظوظها الانتخابية، ولكن هذه المعارضة مطالبة بدورها بتقديم بدائل واقناع الشعب بهذه البدائل، قبل التحريض على الاحتجاج وعلى إسقاط القوانين أو حتى إسقاط الحكومة.
والملفت أن مع كل أزمة يبرز نقيضان في هذه الأزمة، حركة النهضة التي لا تفوّت الفرصة لتوجيه الاتهامات لأطراف يسارية بعينها وقد أدانت حركة النهضة في بيان لها يوم أمس من وصفتهم ب»الأطراف اليسراوية الفوضوية» وبأنهم يستغلون مطالب شرعية للتحريض على «على الفوضى والتخريب والنهب»، والجبهة الشعبية المتزعّمة للمعارضة البرلمانية والتي اعتبرت أن «عمليات النهب والسطو التي قيل أن رافقت الحركات الاحتجاجية مجرّد مزاعم لتشويه هذه التحرّكات» وقد دعا حمّة الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية الى التظاهر سلميا يوم 14 جانفي القادم احتجاجا على ما وصفه ب»سياسية تفقير الشعب».
واليوم تحاول الحكومة والأحزاب الحاكمة التي عجزت عن «ابتكار» خطاب سياسي قادر على احتواء الأزمة الاجتماعية، التخفّي وراء أعمال الشغب والنهب والفوضى لكبح جماح التحرّكات الشعبية المناهضة لسياسة الدولة المالية ولإجراءات قانون المالية «المؤلمة» والغاضبة من ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية التي تعكس أزمة اجتماعية عميقة تفرض البحث عن حلول وليس البحث عن مبرّرات.
◗ منية العرفاوي
3 وزراء مالية سابقون يشخصون الأزمة.. ويقترحون
بين قانون مالية صاغته الحكومة بضغط من إكراهات مرحلة دقيقة وحرجة اقتصاديا واجتماعيا وبين مطالب شعبية يراها البعض مشروعة جراء تدهور المقدرة الشرائية تتباين الآراء وتختلف حول مدى مشروعية خيارات قانون المالية ووجاهة التحركات الاحتجاجية.
«الصباح» رصدت آراء ثلاثة وزراء شغلوا سابقا منصب وزير المالية وعايشوا جميعهم رهانات إعداد قانون ميزانية يلائم توجهات الدولة مع رغبات الشعب فقدموا تشخيصا للوضع، مقدمين في السياق ذاته حلولا ومقترحات يرونها من وجهة نظرهم ضرورية وناجعة لتجاوز الأزمة القائمة.
حكيم بن حمودة: من الضروري التعاطي مع التضخم الحاصل في إطار نظرة اقتصادية
ندّد في البداية وزير المالية السابق حكيم بن حمودة بكل الاحتجاجات التي رافقتها أعمال نهب وتخريب معتبرا أن الاحتجاج يقتضي أن يكون في حدود المطالبة السلمية والتعبير السلمي على حق الاختلاف. أما بخصوص ميزانية 2018 والجدل الذي أحدثته الاحتجاجات الرافضة لها، فيرى بن حمودة أن البلاد بدأت منذ منتصف سنة 2017 تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار وهو ما تكشفه في هذا السياق الأرقام المنبثقة عن معهد الاحصاء - حيث وصل مؤشر الأسعار إلى مستوى 6.4 % نهاية السنة الماضية- مشيرا إلى انه اثار في السابق تخوفات في علاقة بما ورد في قانون المالية لسنة 2018 لا سيما فيما يتعلق بمستوى ارتفاع الأسعار بالنظر إلى أن الاداءات الجديدة سيكون لها تأثير على مستوى الأسعار موضحا أن كل التخوفات تتعلق بتفادي إمكانية الوقوع في دوامة تضخيميّة لا نستطيع إيقافها.
وأورد بن حمودة أن هناك اتجاهين في مشروع الميزانية الحالية للتعاطي مع موارد الدولة: الأول يتعلق بإتباعه بأداءات جديدة فضلا عن الترفيع في الاداءات على الاستهلاك أما الثاني فيتعلق بمحاولة التأكيد على مقاومة التهرب الجبائي غير انه طغى وللأسف الجانب الأول على قانون الميزانية.
أما فيما يتعلق بالإجراءات والآليات التي يراها بن حمودة هامة ومن الضروري اعتمادها لتجاوز الإشكال الحاصل، فانه يتعين التعاطي مع التضخم الحاصل في إطار نظرة اقتصادية فضلا عن ضرورة الترفيع في الانتاج والانتاجية، إلى جانب العمل ورغم الإمكانيات المحدودة على محاولة الحفاظ على مستوى فعل الصرف. كما دعا المتحدث إلى ضرورة مواصلة ضرب المحتكرين والمهربين مع ضرورة الانتباه إلى قطاع الطاقة وإبلاءه الأهمية التي يستحقها.
حسين الديماسي: «ميزانية مثيرة للغضب»
استنكر حسين الديماسي وزير مالية سابق أعمال العنف والتخريب التي تعيش على وقعها البلاد منذ أيام معتبرا أن المواطن من بين حقوقه الاحتجاج والمطالبة بحقه مع نقده لسياسة الحكومة وحثه على الإصلاح لكن هذا لا يعني أن يتحول غضبه إلى أعمال نهب وتخريب مشيرا إلى ان ما يحدث لا يقبله احد.
أما فيما يتعلق بميزانية 2018 فقد اعتبر الديماسي أنها نتاج أخطاء كبيرة قام بها المسيّرون سواء من حكومات او أحزاب.. الخ، مشيرا إلى أن فحوى ومحتوى الميزانية يثير وبشكل كبير الغضب. كما أضاف الديماسي انه كان يتوقع مثل هذا الغضب وهذا الضغط الكبير المسلط على العائلات بجميع مستوياتها معتبرا أن الحكومة حين تقرر الرفع في الاداءات فان هذا يمس بصورة غير مباشرة الناس. من جهة أخرى أورد الديماسي أن الدولة قررت الرفع في عديد الأسعار التي ترتبط بمجالات حيوية على غرار النقل والأدوية وهو من شانه أن يحد من القدرة الشرائية للمواطن معتبرا في هذا السياق أن الوضع الحالي لا تتحمله حكومة الشاهد بمفردها بالنظر إلى أنها بصدد مجابهة مسائل وتراكمات تعود إلى ست سنوات خلت.
وبخصوص الإجراءات أو الآليات التي يراها الديماسي ناجعة ومن شأنها أن تمثل الحل الانسب، يؤكد المتحدث انه يتعين تطبيق القوانين في شتى المجالات مع التأكيد على ثقافة العمل والجد ودون ذلك فلن يستقيم شيئا موضحا أنه في حال العودة إلى العمل والإنتاجية فان الدولة ستكون بصورة عامة مسؤولة على توزيع عادل للثروات معتبرا في هذا الإطار أن الإشكالية الكبرى للأحزاب تتمثل في غياب برنامج واستراتيجية واضحة لها معتبرا من جانب آخر أن النظام السياسي للبلاد غير صالح ويساعد على التشتت، ومن هذا المنطلق يتعين الشروع في اصلاح الجانب السياسي.
إلياس فخفاخ: ما يحصل اليوم هو نتيجة لتراكمات سابقة ولخيارات خاطئة
في قراءته للاحتجاجات التي صاحبت قانون الميزانية لسنة 2018 ومدى مشروعيتها، أورد الياس فخفاخ وزير مالية سابق أن ما يحصل اليوم هو نتيجة لتراكمات سابقة ولخيارات خاطئة معتبرا أن الميزانية الحالية وما ورد فيها من إجراءات من شانها أن تضرب المقدرة الشرائية للمواطن لا سيما الفئات المتوسطة والضعيفة. واعتبر الفخفاخ من جانب آخر أن الإجراءات الترفيعية هي إجراءات غير مدروسة حيث كان يفترض القيام بإصلاحات هيكلية من شانها أن تحل مشاكل كبيرة وان نتجاوز من خلالها ما نعيشه اليوم من غضب وإخفاق اجتماعي.
وحول الإجراءات التي يراها الفخفاخ اليوم مفصلية لتجاوز الأزمة هو ضرورة القيام بمراجعة للخيارات المطروحة عبر رسالة توجهها الحكومة وتعلن من خلالها بأنه سيقع اعتماد إجراءات هيكلية على غرار التصدي للتهرب الضريبي فضلا عن لمس المواطن وجود إرادة حقيقية لمكافحة الفساد.
وأورد الفخفاخ انه في حال شعر المواطن بوجود إرادة حقيقية للإصلاح فانه يستطيع آنذاك القبول بشيء من التضحية مضيفا أنّ التضحيات اليوم تتحملها جهة واحدة وهي عامة الشعب لا سيّما الطبقتين الضعيفة والمتوسطة والتي لم تعد تقبل بالمواصلة على نفس المنوال.
من جهة أخرى تعرّض الفخفاخ إلى أزمة الثقة التي نعاني منها اليوم بين الحاكم والمحكوم في ظل غياب أي تصور للأطراف الحاكمة فضلا عن غياب أدنى خيارات صحيحة وهو ما عزز مبدأ اهتزاز ثقة المواطن. ليخلص فخفاخ إلى القول بان الحراك الاجتماعي الموجود لا يعطي مطلقا المشروعية لأعمال العنف والتخريب القائمة.
◗ منال حرزي
رئيس الحكومة: من يريد التّظاهر يخرج نهارا وليس ليلا
انتقد رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمس ما حصل أول أمس من أعمال عنف ونهب واعتداءات من طرف مجموعة من الأشخاص.وقال في تصريحات صحفية على هامش زيارة تفقّدية قام بها أمس الى ثكنة رمادة العسكرية في تطاوين إن «من يريد التظاهر يخرج نهارا وليس ليلا»، بحسب تعبيره، متابعا أن ما حصل ليس من الديمقراطية بشيء.
وأكد أن الاحتجاج السلمي تكفله قوانين الدولة وأن دور الحكومة حماية كل تظاهر سلمي في اطار القانون، داعيا للابتعاد عن أعمال العنف.
كما دعا رئيس الحكومة إلى عدم تهويل مسألة غلاء الأسعار مؤكدا ظهور بوادر اقتصادية ايجابية وأن عام 2018 سيكون «آخر عام صعوبات وآخر ميزانية صعبة»، بحسب تعبيره.
وأضاف انه كان من الممكن تفادي ما حصل أمس منتقدا عمليات تحريض قامت بها أطراف، بحسب تعبيره.
«آفاق» يندد بعمليات التخريب
أصدر أمس حزب آفاق تونس بيانا حول الاحتجاجات التي تعيش على وقعها البلاد، وأكد الحزب على أن حق التظاهر مكفول في الدستور ولا رجعة فيه ويدعو حزب آفاق تونس الأحزاب والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني لتأطير الاحتجاجات كما يطالب السلط بحمايتها ومتابعتها لتفادي الإنفلاتات وتجنب كل ما يمكن له أن يهدد أمن المواطنين ويمس من أملاكهم ويضر بالمنشآت العامة والخاصة، وفق نص البلاغ.
كما ندد آفاق بأعمال التخريب التي سجلت ليلة أول أمس داعيا المحتجين إلى تجنب كل أشكال العنف والحفاظ على الطابع السلمي للاحتجاجات مهما كانت شرعية مطالبهم.
مذكرا بأنه حذّر منذ مدّة من عواقب قانون المالية الذي كانت المصادقة عليه من أسباب قرار الحزب الانسحاب من الحكومة، حسب البيان.
وعبر الحزب مع تفهمه للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وأنه اختار منذ البداية منهج الحوار مع الحكومة سعيا إلى تطوير محتوى القانون باعتبار أن الصيغة المقدمة من الحكومة لا تتماشى ومتطلبات الوضع الاجتماعي الراهن، داعيا الحكومة إلى تفادي تبعات قانون المالية الحالي وتدارك نتائجه السلبية عبر الإسراع في اتخاذ إجراءات مرافقة لفائدة الطبقتين المتوسطة والضعيفة وتطبيق الإصلاحات المقترحة لدفع الاستثمار وخلق مواطن شغل وإصدار قانون مالية تكميلي كما سبق للحزب أن اقترحه، اضافة إلى دعوتها
إلى تحمل مسؤوليتها في إدارة الأزمة وخفض منسوب الاحتقان بالتواصل المباشر مع المواطنين في الجهات والإعلان عن إجراءات نافذة وعاجلة لتحسين القدرة الشرائية للمواطن، ودعوته جميع الأطراف إلى ضبط النفس والوعي بدقة الوضع وتغليب استقرار البلاد ومصلحتها العليا، وفق ما جاء في البيان.
محسن حسن ل"الصباح":الحكومة فشلت في التعاطي مع الأزمة «اتصاليا»
في تعليقه على تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها مناطق مختلفة من الجمهورية، أكّد القيادي المكلّف بالملف الاقتصادي في حزب نداء تونس محسن حسن في تصريح ل«الصباح» أنه لا يمكن انكار حالة الغضب التي انتابت جزءا كبيرا من الشعب التونسي نتيجة عدّة اشكاليات، أبرزها «عدم تحقق أهداف الثورة اجتماعيا واقتصاديا بسبب غياب التشغيل والتنمية واليوم بسبب ارتفاع أسعار بعض المواد»، وفق تعبيره.
وأضاف محسن حسن «أتفهّم اكراهات قانون المالية بسبب العجز في ميزانية الدولة وارتفاع نسبة التداين وهو ما حتّم اتخاذ اجراءات «مؤلمة» لتقليص هذا العجز من خلال ترشيد التوريد والترفيع في معاليم الديوانة والاستهلاك، وهذا كلّه أدّى الى ارتفاع أسعار بعض المواد وهو ما أدّى في النهاية الى هذه الموجة من الاحتجاجات الشعبية، والتظاهر السلمي حقّ يكفله الدستور، لكن الحق في التظاهر لا يجب أن يتحوّل الى مطية للفوضى والتخريب والنهب».
وفي اجابة عن سؤال ما اذا كان الخطاب السياسي نجح أم أخفق في احتواء الأزمة، قال محسن حسن «فشلنا جميعا في احتواء الأزمة، فالحكومة ورغم تفهّمها لاكراهات المرحلة لكن هذا لا يحجب مدى التقصير في التعاطي الاتصالي مع هذه الأزمة وهذا التقصير تحوّل الى ضعف مزمن بل إلى ضعف هيكلي، لأنه فشل في إقناع الشعب بخيارات الحكومة، فلم نر عضو حكومة اليوم قادرا على إقناع رجال الأعمال المحبطين أو الشباب العاطل عن العمل والمفقّر والمهمّش بصواب هذه الخيارات التي لا مناص منها، وبالنسبة للأحزاب وما عدا البعض رأينا كيف جميعها حاولت التمعّش من الأزمة حتى من خلال الدعوة الى اسقاط الحكومة، وطبعا ما هكذا يُدار الحكم».
◗ منية
محمد بن سالم ل "الصباح":من يدّعون اليوم الدفاع عن الطبقات الضعيفة كانوا يدافعون من أجل تخفيض ضريبة اليخوت
أورد القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم في تصريح ل «الصباح» تعقيبا على ما ورد في بيان حركة النهضة الذي «اتهمت فيه أمس بعض الأطراف السياسية اليسراوية الفوضوية باستغلال المطالب الشرعية والتحريض على الفوضى والتخريب والنهب»، ان مصطلح «اليسراوية» الذي ورد في نص البيان هو مصطلح يعني «اليسار المتطرف» بالنظر إلى وجود يسار معتدل وآخر متطرف، على حد قوله.
واعتبر بن سالم أن من يدعون اليوم إلى التظاهر هم نفسهم من صوتوا على الترفيع في الأسعار. وفسّر في هذا الإطار انه كان قد اقترح صلب لجنة المالية عدم الترفيع في الأسعار بنسبة 7% على الأداء على القيمة المضافة وكان الاتفاق حاصلا على أن تكون في حدود الستة %. لكن هذا المقترح وبعد أن تم قبوله خلال لجنة المالية تم الاعتراض عليه من طرف وزير المالية الذي اقترح الرجوع إلى الصيغة الأصلية للفصل وكانت نتيجة التصويت كالاتي: 93 % مع وثلاثة محتفظين وواحد معترض مشيرا الى ان هذه النتيجة كانت حين انسحبت حركة النهضة احتجاجا على الملاسنة التي تعرض لها آنذاك احد الوزراء.
واضاف بن سالم ان الجبهة الشعبية والأحزاب اليسروية والمعارضة عموما صوتت مع الفصل 39 الذي ينص على زيادة عالية مشيرا في السياق ذاته إلى أن من يدّعون الدفاع عن الطبقات الضعيفة كانوا يدافعون من اجل التخفيض في الضريبة على اليخوت التي هي عادة حكرا على الطبقة البورجوازية على حد تأكيده. ليخلص بن سالم إلى القول أن من يدعون اليوم الى التظاهر هم نفسهم من صوتوا في غياب حركة النهضة على الزيادة المشطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.