ماهي الأسباب التي تقف وراء انتشار ظاهرة التداوي الذاتي؟ وما الذي يدفع المواطن التونسي إلى المجازفة بصحته والفرار من عيادة الطبيب وطلب الدواء مباشرة من الصيدلي أو من أي جهة أخرى دون التثبت من نجاعة ذلك والدواء وما إذا كان يتماشى وخصوصية المرض الذي أصابه؟ وما هي الحلول المطروحة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي لا تهدد فقط صحّة المواطن بل تهدد المجتمع بأكمله خاصّة عندما يتعلق الأمر بتناول المرضى العاديين لأدوية محظورة تهم فقط المصابين بالأمراض العقلية؟ الشروق تناولت هذا الإشكال الكبير مع عدد من أهل الاختصاص من الذين حضروا الملتقى الذي نظمه المركز الوطني لليقظة الدوائية بالتعاون مع مجلّة حقائق بأحد نزل قمرت حول ظاهرة التداوي الذاتي. والملاحظ في هذا الملتقى أنه لم يكشف بدقة عن الحجم الحقيقي لانتشار ظاهرة التداوي الذاتي بين التونسيين في الوقت الحالي بل إن كلّ النقاشات والتحاليل قدمت بناء على نتائج دراسة أولى أجريت حول الظاهرة منذ سنة 1983 وشملت 500 عائلة تونسية موزعة على العاصمة وضواحيها إضافة إلى ولاية سليانة ولمست كافة الفئات الاجتماعية وبناء على نتائج دراسة ثانية أجريت في الوسط المدرسي وشملت 1327 تلميذ موزعين على 67 مؤسسة تربوية أعمارهم بين 11 و20 سنة بكلّ من تونس وأريانة وبن عروس. وقد كشفت الدراسة الأولى أن 67.4 من العائلات المستجوبة تمارس التداوي الذاتي فيما بينت الثانية أن نحو 60 من التلاميذ يقومون بالممارسة نفسها. إعداد : محمد اليزيدي ** عميد الصيادلة: لا علاقة للمصابين بالأمراض العقلية بالتداوي الذاتي أبرز السيد الشاذلي الفازع عميد الصيادلة أن مشكلة التداوي الذاتي تعود أساسا إلى المريض أي المواطن نفسه داعيا إلى عدم التعسف على الصيدلي واتهامه ظلما بأنه هو المسؤول الأول على انتشار هذه الممارسة. وأضاف أنه يجب التمييز في مسألة التطبب الذاتي بين أمرين بين أصناف من الأدوية العادية والبسيطة التي يسمح القانون للصيادلة بالاجتهاد في تسليمها للمرضى دون وصفة أو بعد استشارة الطبيب مثل بعض السوائل الخاصة بالنزلة أو الأقراص الخاصّة بتخفيض الحمّى وغيرها من الأدوية التي ليس لها تأثيرات ويمكن للجميع تناولها وبين الأدوية الخطيرة والخاصّة كأدوية الأمراض العقلية التي تخضع إلى نظام خاصّ ولا يمكن لأي صيدلي أن يجازف ويسلمها للمرضى دون وصفة. وشدّد في هذا السياق على أنه ليس هناك أية علاقة بين ظاهرة التداوي الذاتي والمرض النفساني أو المصابين بالأمراض العقلية لأن هؤلاء يخضعون إلى نظام علاجي خاصّ كما تخضع الأدوية الخاصة بهم إلى رقابة مشددة وصارمة لا يسمح لأي كان بالتلاعب أو بتسليمها إلى المرضى دون وصفة طبية ودون التثبت بدقة من الكميات المطلوبة منها ومن خصوصية كلّ مريض وحاجته إليها. ودون أن ينفي إمكانية حصول بعض ا لأخطاء وبعض المضاعفات السلبية جراء تسليم الأدوية العادية للمرضى دون وصفة قال السيد الفازع إن حلّ التصدي لهذه الظاهرة سيأتي حتما عندما يتم اعتماد النظام الجديد للتأمين على المرض الذي يجري حاليا التشاور بشأنه لأن هذا النظام سيخفف أعباء العلاج على المواطن وقال أيضا إنه من الضروري أن يقع إجبار المواطن على المرور على العيادة الطبية وتسلم الوصفة قبل المثول أمام الصيدلي وطلب الدواء. ** مُصنّع أدوية: الحلّ في مساعدة المواطن على الضغط على مصاريف العلاج قال السيد عبد الفتاح الفساطلي مدير لاحدى شركات صنع الأدوية إن السبب الرئيسي الذي يدعم انتشار ظاهرة التطبيب الذاتي هو السبب المادي فكلفة وأسعار الأدوية تفوق المقدرة الشرائية للمواطن ولذلك فهو يحاول الضغط على هذه الكلفة والبحث عن حلول ومسالك أخرى تجعله يحصل على الدواء وعلى العلاج عند مرضه دون أن يتكبّد خسائر لا طاقة له بها. فإن أسهل طريقة وحلّ له هو التنازل أو الهروب من تكاليف عيادة الطبيب وهي أيضا مرتفعة. وأبرز في المقابل أن الحلّ الأنجع لجعل المواطن يبتعد عن هذه الممارسة التي تتهدّد صحته هو بالأساس لا يكمن في ابتكار الوسائل والآليات التي تجبر المواطن على معايدة الأطباء وإنما الحلّ يكمن في البحث عن حلول تخفف على المواطن كلفة العلاج وذلك بالضغط أكثر على كلفة العلاج عند الطبيب من جهة وبالضغط أيضا على كلفة وأسعار الأدوية. وقال إن مصنعي الدواء في تونس يقومون بجهود كبيرة لبلوغ هذا الهدف أي توفير دواء تونسي بجودة عالية وبسعر مناسب ويجب مزيد دعم هذا التوجه. ** مدير الصيدلية والدواء: أغلب الأدوية المعنية أدوية تكميلية أفاد السيد عمر التومي مدير الصيدلة والدواء بوزارة الصحة العمومية إن أسباب انتشار ظاهرة التداوي الذاتي عديدة منها المادي الاقتصادي ومنها الثقافي وقال إن أغلب الأدوية التي تروّج عبر مسلك التداوي الذاتي ودون اللجوء إلى وصفة الطبيب هي الأدوية المتصلة بالتجميل والنحافة والأدوية التي يبحث أصحابها من استهلاكها إلى تحقيق الرفاهة ومواكبة الموضة ومعالجة الضغط النفسي (الستراس). وأضاف قوله انه يتبين من خلال ذلك أن أغلب الأدوية التي تمرّ عبر مسلك التداوي الذاتي هي أدوية تكميلية ولا يشعر المرضى بضرورة لاستشارة الطبيب بشأنها بل يكتفي أغلبهم بتبادل النصائح فيما بينهم حول جدواها ويتبين أيضا أن السبب الأهم الذي يقف وراءظاهرة التداوي الذاتي هو ثقافي بالأساس قبل أن يكون ماديا. ولذلك فإن الحلّ الأمثل هو التثقيف والتوعية التي يجب أن توجه إلى المواطن وإلى كافة الجهات المعنية بالأدوية وبالعلاج فالصيدلي يمكن أن يلعب دورا أساسيا في إثناء المريض على استعمال دواء حتى ولو كان تكميليا دون استشارة الطبيب. ولم ينف السيد عمر التومي من ناحية ثانية أن العامل المادي أيضا له دور في دعم ممارسة التطبّب الذاتي مشدّدا على أهمية مشروع إصلاح نظام التأمين على المرض في معالجة هذه المسألة فهذا النظام برأيه سيسمح بالتحكم أكثر في كلفة العلاج لكن يبقى ضروريا أن تتكفل المجموعة الوطنية بنوعية المواطن وبضرورة ترشيد نفقات العلاج.