الندوة الصحفية التي أقامتها ادارة أيام قرطاج المسرحية في الأيام الأخيرة كشفت أشياء كثيرة لم تكن لتنكشف لولا انفعال الفنان هشام رسم مدير المهرجان... ولأن كما يقول المثل الشعبي «ما يحسّ بالجمرة كان اللي يعفس عليها» صاح هشام رستم بأعلى صوته: هذا ما استطعنا انجازه بالميزانية التي توفرت لدينا! ورغم عدم تصريح هشام رستم بميزانية المهرجان فهم الحاضرون انها ضعيفة جدا... كيف؟ الأفارقة بين الأمس واليوم في الماضي كانت الفرق الافريقية، وخصوصا الأنقلو فونية (أي الناطقة بالانقليزية) تتسابق على المشاركة في أيام قرطاج المسرحية... وكانت مثل كل الفرق تقريبا تقدم أعمالها في المهرجان مجانا المهم ان تمثّل بلدانها... اليوم وفي ظل «العولمة» اصبحت هذه الفرق تحديدا تشترط مقابل مشاركتها في المهرجان وبالعرض ايضا... ويبلغ سعر العرض أحيانا 50 ألف دولار... أما بقية الفرق الافريقية وتحديدا الفرنكفونيةو فهي تشترك على الأقل تذاكر الطائرة والاقامة... ولأن ميزانية أيام قرطاج المسرحية غير قادرة على الاستجابة للشروط المذكورة وجدت ادارة المهرجان نفسها مجبرة على عدم استضافة الفرق الافريقية الانقلوفونية، والاستعانة بالمنظمة العالمية للفرنكفونية... وتتكفل منظمة الفرنكفونية بمصاريف تذاكر السفر بالنسبة لعناصر هذه الفرق... موقع على الانترنت الى جانب هذه النقطة كشف هشام رستم كذلك أسباب عدم امتلاك المهرجان لموقع على الانترنيت، وهو نظام اصبحت تعمل به كل المهرجانات الدولية تقريبا وحتى المحلية الصغرى... ولان اقامة هذا الموقع تتطلب مقابلا ماديا استعصى على المهرجان كما يبدو توفير ذلك في الوقت المناسب. الفضاءات ومن النقاط الأخرى التي كشفها هشام رستم أيضا ايجار الفضاءات... ولعل اضطرار المهرجان في هذه الدورة ايجار قاعة سينما الكابيتول لاحتضان جانب من العروض مرده بالأساس تكلفة الايجار من جهة وغياب الفضاءات المسرحية في تونس من جهة أخرى... وهذه حقيقة لابد من الاشارة اليها... ولعل ما حدث في الدورة الأخيرة يؤكد ذلك اذ اضطرت ادارة المهرجان نظرا لانغلاق المسرح البلدي بسبب الاصلاح وقتها الى تنظيم حفل الافتتاح في قاعة سينما الكوليزي... وتصوروا المشهد: مهرجان مسرحي في قاعة سينما! لا تعاون ولا تبادل كل هذه النقاط السوداء كما يبدو يفهم منها ان الزمن قد تغير ولكن ايام قرطاج المسرحية لم تتغير... وهذا خطأ... فزمن التعاون والتبادل الثقافي انقضى، والثقافة تطورت كذلك، واصبحت صناعة تشترط مقابلا ماديا مثل كل البضائع والمواد الاستهلاكية الأخرى... فالمهرجانات الحديثة لم تعد تعول على الثقافة المجانية لان الثقافة في حد ذاتها أضحت صناعة... وهذه ضريبة العولمة، فلا تبادل ولا تعاون ثقافي، ولا مشاركة من أجل المشاركة... انتهى زمن التمثيل والاشعاع والتشريف... كله كما يقال «أصبح بأجره»... وان كنا نأمل في تواصل أيام قرطاج المسرحية لابد من مراجعة سياسة المهرجان والسياسة الثقافية عموما لانه لا يمكن اقامة مهرجان للمسرح بدون مسارح مثلا... فالكرة لها ملعبها والمسرح كذلك له ملعبه أو مسرحه... ولاقامة مهرجان ناجح ومشع بين المهرجانات الكبرى لابد كذلك من ميزانية محترمة لان الثقافة مثل كل القطاعات الأخرى لها مصاريفها...