حلقات يكتبها : عبد الرؤوف المقدمي على الرغم من تأكيدات السيد ريكاردو سانشيز قائد قوات الاحتلال في العراق السابق، بأن اقتحام الفلوجة والنجف خطأ فظيع، فإن الأمر لم يكن كذلك عند «عتاة» المحافظين الجدد، وقد أطلّت منهم أخيرا واحدة على قناة فضائية، لتقول بأن أمريكا تمزّغ أنفها في تراب الفلوجة، إذ لم ينصع أهل تلك المدينة لأي مطلب أمريكي، لا تسليم الذين مثّلوا بالجثث، ولا طرد الارهابيين العرب، ولا القبول بإشراف أمني أمريكي على مدينتهم، بل هم الذين ذهبوا الى حدّ اختيار قائد فيلق الشرطة العراقية الذي ستعهد له مهمة اعادة الأمن في المدينة! ولم يكتف أهل الفلوجة بذلك كما قالت السيدة، بل انهم يعمدون في استفزاز واضح لخرق وقف اطلاق النار، ومهاجمة القوات الأمريكية، ثمّ خلصت الى القول أنه كان مطلوبا أن تسوم القوات الأمريكية العذاب لأهالي الفلوجة وأن لا تأبه أصلا لردود الفعل العالمية، وأن تخرج هي المنتصرة وليس الإرهابيين! وهذه وجهة نظر، يتبناها جناح من المحافظين الجدد سواء داخل الادارة، أو في مراكز البحث والدراسات اليمينية الصرفة، والآن تروج مع هذا كله وجهة نظر جديدة عبّر عنها أحد كبار كتاب الافتتاحيات حيث قال: إنه على حكومة علاوي الآن الاقدام على ما لم تكن الولاياتالمتحدةالأمريكية قادرة عليه، ألا وهو محاورة المتمردين (يقصد المقاومة)، وهم حسب تصنيفه يتكونون من البعثيين والاسلاميين والوطنيين المتشدّدين وعدد كبير من الارهابيين الأجانب.. ثمّ يمضي ليحدّد الاستراتيجية المطلوبة فيقول: الاستراتيجية الوحيدة الناجحة، أنه بوسع علاوي المدعوم أمريكيا أن يتحرك بجسارة تجاه التمرد، وأن يعتمد على ضرورة فصل المتمردين عن تأييدهم الشعبي. وهذا يعني: تقديم المكافآت السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأولئك الناس في المجتمع السنّي العراقي الذين يقدمون ضمنيا الدعم لهذه الهجمات، أو الى الذين لا يعاروضنها على أقلّ تقدير. وهذا يعني محاولة استيعاب علماء السنّة وزعماءالقبائل وضباط الجيش السابقين.. إن مثل هذه الاستراتيجية ستؤدي كما يقول الى فصل أكثر العناصر العراقية المتشدّدة والإرهابيين عن قاعدتهم الشعبية. ويواصل قوله: بعض المحفاظين كادوا يصابون بالسكتة الدماغية حين توصلت القوات الأمريكية الى صفقة مع المتمردين في الفلّوجة.. والواقع أن أقرب ما جرى في الفلوجة هو الطريقة التي عالج بها الجيش مشكلة النجف (الجنوب عموما) مع مقتدى الصدر، أي استخدام مزيد من الضربات العسكرية والرشاوى لتجفيف الدعم عنه. (هكذا قال علما أن مقتدى عاد أول أمس للتهديد والوعيد، وأن الحديث حول توجهاته معقّد ويحتاج إلى حلقات خاصّة). وفي مقال ثان ورد في ذات الجريدة يقول المحرّر: وضع الرئيس بوش أمر تدريب القوات الوطنية العراقية وتسليحها على قمّة الأولويات بنفسه، ويتبنّى كل مسؤول أمريكي الشعار نفسه: سيقوم العراقيون أنفسهم قريبا بتولّي أمر التمرد، ويتحملون مسؤولية أمن بلادهم، وهذا حصل منذ الأسبوع الأول لتوليّهم السيادة، لكن صاحب المقال يعترف بأن الشرطة العراقية ولّت على أعقابها هاربة في معظم الأمكنة التي واجهها فيها المتمردون. والشرطة المدعومة بمجموعة كبيرة العدد والمسلحة تسليحا أثقل هي الحرس الوطني العراقي. لكن سجلها ليس أفضل كثيرا ففي سامرّاء التحقت وحدات كاملة بالمقاومة، وتمرّد الجنود العراقيون في الفلّوجة.. وسواء كانوا من الشرطة أو الجنود فإن تسليح العراقيين كما يقول الكاتب دائما متدنّ ورواتبهم منخفضة ومعنوياتهم هابطة، وحيثما ضغط عليهم يستدعون القوات الأمريكية لإنقاذهم. ويكشف عن الاستراتيجية الجديدة للقائد الجديد للجيش الأمريكي في العراق، فيقول: إن مهمته هي إعادة بناءالقوات العراقية من الأعلى الى الأسفل، كي يساعدوا القادة الجدد! وممارسة لنظرية الرشوة والقسوة، ها هو العلاوي يلوّح بعفو ما عن المقاتلين (وهو ما سنعود إليه في حلقة لاحقة)، لكن ها هو وزير دفاعه حازم شعلان يقول سنضربهم ونعلمهم أقصى الدروس، بل هو يزيد فيذكر ان للأمريكيين وقوات التحالف حدودا لن نلتزم نحن بها في اشارة منه مرعبة الى امكانية التعامل مع العراقيين على غرار ما يتهم به هو صدام حسين، بل وقال أيضا: سوف نقطّع أيديهم ونجزّر رؤوسهم.. هكذا تكلّم الديمقراطي الذي أقسم على احدى الفضائيات أن جيشه لن يخوض بعد اليوم معركة مع أي دولة في الجوار!