رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير هدد بفرض عقوبات ضد السودان في حالة لم تتحرك الحكومة السودانية ولم تتعاون في ما يتعلق بمشكلة دارفور، وقال ان لدى حكومته خطط عديدة لتقديم المساعدة الى «اللاجئين» في دارفور... وفي نيويورك هدد السفير الامريكي في الاممالمتحدة جون دانفورث بفرض عقوبات ضد السودان في مجلس الامن الدولي اذا لم «تتعاون» في هذه المسألة ايضا. تحدّث بلير ودانفورث، بنفس اللغة لغة التهديد والوعيد والعمل عبر مجلس الأمن الدولي، للبدء بفرض العقوبات في مسيرة بدت واضحة ومعلومة بعد كل ما حدث للعراق، وبعد ان مثّل مجلس الامن الدولي، المنبر الذي مارست فيه حكومتا بوش وبلير مختلف المسرحيات والأكاذيب والتي ادت الى ما هو عليه العراق اليوم من احتلال ومن دمار وفوضى... وإذا كانت المواقف التي يعبّر عنها رئىس الوزراء البريطاني، مجرد رجع صدى لما يقال في واشنطن، حتى ان مواقفه باتت موضوع استياء من قبل البريطانيين انفسهم والذين يرون في ذلك تبعية تجاوزت كل مبررات المصلحة البريطانية فإن تصريحات السفير الامريكي هي التي تثير الانتباه فدانفورث ليس سفيرا عاديا فهو الذي يحل محلّ السفير الامريكي السابق في مجلس الامن، جون نغروبنتي والذي مرّت عبره كل المؤامرة وكل الضغوطات التي مورست في الموضوع العراقي، وهو الذي عيّن من قبل إدارته ليشغل منصب «السفير» الامريكي في بغداد، على رأس سفارة ضخمة هي في حقيقة الامر الإدارة الامريكية المباشرة للعراق تحت الاحتلال الامريكي... ولايبدو ان الصدفة فقط تجعل الإدارة الامريكية تعيّن جون دانفورث سفيرا جديدا للولايات المتحدةالامريكية في مجلس الامن الدولي ولا يبدو ايضا ان الصدفة وحدها تجعل دانفورث يبدأ «عهده» في مجلس الامن بتهديد السودان مباشرة ودون قفّازات الديبلوماسية المعهودة بفرض العقوبات... دانفورث شغل ولسنوات عديدة منصب المبعوث الامريكي في مسألة الجنوب السوداني، وهو الذي كان يتابع وينسّق المفاوضات التي تمت بين الحكومة السودانية وحركة المتمردين في الجنوب السوداني وصولا الى اتفاق السلام الذي سيتم امضاؤه بصفة نهائىة خلال الشهر القادم. والموقف الامريكي من السودان كما هو معلوم موقف مشحون جدا، لعل آخر مظاهره تجند كولن باول، وفي سياقه كوفي عنان، للتحول الى دارفور والتصريحات السلبية التي اطلقت هنا وهناك، ضد الحكومة السودانية ودعما لحركات انفصالية متمردة تأتمر بجدول اعمال اجنبي. كما ان المبعوث الامريكي دانفورث مثّل ولسنوات التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية دعما ضمنيا لهذه الحركة. والموقف الامريكي من السودان تحرّكه مجموعات الضغط المختلفة، منها الموالي لاسرائىل، وبالتالي مستنكرا ورافضا لأى مظهر من مظاهر العافية والاستقرار في اي من بلدان المنطقة العربية، ومنها مجموعات الضغط المرتبطة بالبترول والتي ترغب في تفكيك السودان بعد شنّ مؤشرات هامة على وجود كميات نفطية هائلة وهي تعتقد ان الاستفادة تكون اكبر كلما كان السودان مفككا تحكمه مجموعات متفائلة ومنها المجموعات الدينية المتطرفة التي تعتبر ان «الصراع» في السودان يتم بين اغلبية اسلامية متطرفة، وبين اقلية مسيحية مضطهدة، ومنها المجموعات العنصرية.. وقد افرزت مجموعات الضغط المختلفة تلك حركية في الكونغرس الامريكي وهو نبر الضغط الامريكي التقليدي ادت الى تبني قانون سلام السودان الذي وضعه الكونغرس للضغط على الحكومة السودانية خلال المفاوضات مع الحركة الشعبية، والذي ينص على فرض عقوبات امريكية على السودان، في صورة عدم التوصل الى اتفاق... واليوم، وقد اوشكت الحكومة السودانية على الوصول الى اتفاق سلام في مسألة الجنوب، تعود الإدارة الامريكية الى نفس لغة العقوبات والتهديد والوعيد ولا يستغرب ان يتحول قانون سلام السودان، من مسألة الجنوب، الى مسألة دارفور غرب السودان بعد الحملة الدولية الهائلة التي تحرّكها الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا وبعض الجهات الرسمية الاوروبية اضافة الى مجموعة هائلة من المنظمات «الخيرية» التي تدعي رغبتها في نقل المساعدات الانسانية الى دارفور، والتي تقوم بذلك دون موانع، على الرغم من ثبوت تورط البعض منها في تهريب الاسلحة بما في ذلك الاسلحة الثقيلة، الى مناطق التمرد حيث تم في مناسبات عديدة احتجاز طائرات تنقل الاسلحة الى تلك المناطق الانحياز الامريكي من هذه القضية واضح. واذا كان الامريكيون قد جاروا التمرد في الجنوب السوداني وادعوا الوساطة ولكنهم كانوا المحرّك والحامي الاساسي للمتمردين فإنهم في الغرب يعملون مع قوى اخرى على افتعال القضية وقد نجحوا في ذلك وهم يريدون تدويل القضية، بعد اعطائها بعد اعلاميا مريبا... وفي كل الحالات فإن احلال دانفورث، بالمواصفات تلك محل نغروبنتي في مجلس الامن الدولي، لابدّ ان يدفع الى التحسّب خشية من بداية مسيرة ضغط جديدة تستهدف بلدا عربيا آخر، اضافة الى التساؤل حول المآل الذي آل اليه مجلس الامن الدولي، خدمة للمصالح الامريكيةومنبرا لممارسة الهيمنة واستعداء العرب والمسلمين..