وادي مليز: منشأة مائية على مستوى وادي الرغاي لفك عزلة منطقة الدخايلية    الشرع يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    دربي العاصمة: تشكيلتي الفريقين    ممرض ألماني أنهى حياة 10 مرضى... ليخفف عبء العمل عليه    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    5 أخطاء يومية لكبار السن قد تهدد صحتهم    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    مدير ديوان رئيسة الحكومة: قريباً عرض حزمة من مشاريع القوانين على البرلمان    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    مونديال أقل من 17 سنة: تونس تواجه بلجيكا اليوم...شوف الوقت والقناة الناقلة    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    خروج قطار عن السكة يُسلّط الضوء على تدهور البنية التحتية للسكك الحديدية    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    بطولة القسم الوطني أ للكرة الطائرة: نتائج الدفعة الثانية من مقابلات الجولة الرابعة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط في القدس... شاهد ومسيرة
نشر في الشروق يوم 16 - 10 - 2009

عندما يذكر الأقباط تذكر مصر.. وعندما تذكر مصر تذكر الحضارات القديمة والتاريخ العريق.. وعندما تذكر الحضارات القديمة في مصر تذكر الحضارة الفرعونية.. مفردات وأماكن وشعوباً مرتبطة ببعضها البعض.
اسم مصر القديم كان يلفظ (ايجبتوس) واللفظ جاء من كلمة أقباط، كما أن الاسلام عندما دخل إلى مصر في القرن السادس الميلادي كان شعبها يسمون «القبط».
وللدخول في تفاصيل الطائفة القبطية في القدس والأراضي الفلسطينية التقيت بالأب أنطونيوس الأورشليمي سكرتير بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس وكان له هذا الحديث: «الأقباط يعيشون في الأراضي الفلسطينية منذ ألفي عام على الأقل، وعددهم فيها يفوق ألفين وخمسمائة نسمة، ولنا حي خاص في البلدة القديمة وكنيسة خاصة ودير يرعى مصالح الطائفة قرب كنيسة القيامة إضافة إلى العديد من الكنائس والأملاك في القدس والأراضي الفلسطينية وإسرائيل»، فهم ليسوا بمصريين فقط، ولا ينحصر وجودهم في مصر.
ويضيف الأب أنطونيوس: «أعداد الأقباط في الأراضي الفلسطينية 2500 نسمة منهم 1500 نسمة داخل فلسطين المحتلة العام 1948، وذلك لأن القائد سليمان القبطي جاء مع الحملة الفرنسية من مصر وعاش في الشمال وكون الطائفة القبطية هناك».
عودة للتاريخ..
يضيف الأب أنطونيوس: «يرتبط تاريخ الاقباط بالعهد والعصر الفرعوني، فهو الجيل الذي جاء بعد هذا العصر حيث اعتنقوا المسيحية بعد دخولها الأراضي المقدسة في القرن الأول»، ومعظم الأقباط هم أقباط أرثوذكس.
وفي رواية أن السيد المسيح جاء إلى مصر صغير هاربا من بطش هيرودوس (الذي أمر بذبح الأطفال الذكور الذين يولدون في بيت لحم عندما علم بولادة السيد المسيح)، لذلك فإن الكنيسة القبطية احتفلت بمرور ألفي عام على دخول السيد المسيح أرض مصر عام 2000.
الأقباط يعتقدون بذات المعتقدات الفرعونية من ناحية الأيمان بالحياة بعد الموت والخلود في العالم الآخر، فقبول الناس آنذاك للمسيحية كان سريعا.
هجرة الأقباط..
يقول الأب أنطونيوس: «هجرة الأقباط لأنحاء مختلفة من العالم لم تكن شائعة إلا خلال السنوات الاخيرة، وتحديدا منذ حوالي 70 عاما لأن الاقباط عموما لا يحبون ترك بلادهم، إلا للبحث عن العمل وطلب الرزق حيث هاجروا إلى العديد من البلدان، وكانت هجرتهم الأكبر إلى مدينة القدس لمكانتها الدينية وقدسيتها، إضافة إلى أن المواصلات كانت آمنة وسهلة بين القدس ومصر عبر غزة، فكانت الهجرة طبيعية»، وهذا يفسر تدينهم وحبهم للأماكن المقدسة والقدس وزواجهم من مقدسيات وفلسطينيات، كما يثبت وجود الكنيسة القبطية والأملاك العديدة هنا حيث كانوا يحجون إليها من مصر.
وأضاف: «حتى حرب 1973 عندما أصدر البابا شنودة الثالث في مصر قرارا يقضي بمنع الأقباط من الهجرة إلى القدس حتى يحل السلام في الأراضي المقدسة».
الأقباط، وبعد..
آلاف السنين تفصلنا عن الفراعنة.. لكن الأقباط ما زالوا يستعملون اللغة والكتابة من الحروف الفرعونية المصورة الأبجدية، وحتى اليوم تعلم للأقباط وتستخدم في الصلوات والكنائس.
يحتفل الأقباط برأس السنة في 11 سبتمبر، حيث كان عيد الفيضان الذي يحي أرض مصر هو أول أيام السنة، وأستمر المصريون القدامى يحيون هذا العيد حتي عهد الأمبراطور الروماني دقلديانوس الذي تولي الحكم سنه 284 للميلاد، وفي عهده ذاق الأقباط العذاب، وذبح منهم آعدادا كبيرة، ولم يكن لهم ذنب سوي أنهم رفضوا عباده الأوثان وارتضوا عبادة الله الواحد، وهنا فكر الأقباط بأن يجعلوا رأس السنة الزراعيه رأسا لتقويم جديد أسموه (تقويم الشهداء) والتقويم القبطي، حيث استبدلوا ذكرى فيضان النيل بذكري فيضان دماء الشهداء، ويأكل في راس السنة القبطية الجوافة والتمر.
كما يحتفل الأقباط بشم النسيم في الربيع وأصبح بمصر عيدا قوميا، يزداد فيه أكل سمك الفسيخ والبيض.
أما عن العلم فقال الأب أنطونيوس: «اهتم الاقباط بالتعليم في مدينة القدس فكانوا من أوائل من أسسوا المدارس بالمدينة، وحتى هذه الأيام هناك بعثات تعليمية للقدس بدعم من الحكومة المصرية، وهناك مدرستان وكلية، حيث لا تقتصر على تعليم أبناء الجالية، بل الجميع، وتعلم أبناء الجالية القبطية في المدارس اللغات العربية والفرنسية والانجليزية والعبرية إضافة إلى القبطية».
ويعتبر الفول المدمس والكوشري (العدس والأرز والشعيرية) من أشهر المأكولات القبطية، لا سيما أنها مشهورة في مصر أيضا، ومن أشهر المشربوبات الشاي الثقيل.
الأقباط والأملاك..
يشتهر بالبناء وعمارة المعابد الكبيرة كالفراعنة وذلك كان سببا في استعانة الملكة هيلانة بهم للمساعدة في بناء كنيسة القيامة، وبطريركية القبطية تقع بمحاذاة القيامة.
يقول الأب أنطونيوس أن للأقباط أملاكاً عديدة حيث كانوا قبل الحروب يملكون الثروة والنفوذ، وما يدل على ذلك سوق الأقباط الذي يمتد من باب الخليل حتى كنيسة القيامة، وحي الأقباط الذي يمتد من كنيسة القيامة حتى سوق خان الزيت، وهو خاص بسكن العائلات القبطية والمدرسين، ويوجد بالحي بطركية الأقباط ومدرسة وكنيسة ودير، إضافة الى أديرة كثيرة في أريحا، كما أن للأقباط مكتبة يوجد بها مقتنيات مختلفة وكتب ووثائق خاصة بهم.
وحول الخلاف مع الأحباش قال الأب أنطونيوس أن دير السلطان المغتصب هو دير قبطي يسكنه الأحباش بمساعدة وحماية الإسرائيلين وتم تغير المفاتيح منذ العام 1971.
الأقباط شركاء الفلسطينيين بالمعاناة والوجع
أما عن علاقة الاقباط بالسياسة فقد أوضح الأب أنطونيوس أن الأقباط هم شركاء مع الشعب الفلسطيني بالمعاناة والوجع والمشاكل وصعوبة التنقل، ولهم انتماء لبلادهم وللمكان الذي يعيشون فيه، وهم يزاولون السياسة بمشاركة الأحزاب السياسية المختلفة في انتمائها في حل القضية الفلسطينية، كما أن الكنيسة القبطية تحاول في القدس تقريب وجهات النظر لاحلال السلام، والأقباط كحكومتهم (المصرية) لهم دور ريادي في الوقف بجانب القضية الفلسطينية ومساعدة السكان.
الاندماج بالمجتمع المقدسي
وعطفا على الفقرة السابقة فقد اندمج الاقباط مع المقدسيين بكل طوائفه ويشاركونه بالأفراح والمناسبات والأعياد، وقال الاب انطونيوس: «خلال أعياد المسلمين(الفطر والأضحى) نقدم لهم التهاني ونتبادل الزيارات، وفي شهر رمضان تقام موائد الإفطار في الكنيسة القبطية كرمز من التلاحم بين الإسلام والمسيحية، فلا فوراق ولا فواصل بيننا».
الطريق الى القدس
القدس: ميسة أبو غزالة
الطريق الى القدس..هو ليس فيلما سينمائيا أو مسلسلا رمضانيا، وليس كتابا يروي جمال وقدسية هذه المدينة، بل هو بكل بساطة يافطة بشكل مستطيل أزرق من السيراميك في وسطها كلمة (القدس) بالعربية والإنجليزية وتحتهما المسافة بين مكان تعليق اليافطة ومركز المدينة المقدسة.
هذه اليافطة أو اليافطات هي من إبداع الفنان خالد الحوراني، الذي أراد منها أن يجعل بوصلة المدن الفلسطينية تتجه إلى القدس، مسافة ومعنويات، كتابة وصورة، لتكون القدس ليست مجرد مدينة، بل عاصمة أبدية لدولة فلسطين.
وقال الحوراني: في كل مدن العالم هناك يافطات تبين المسافة بين المدن والقرى والعاصمة، ومدينة القدس تعتبر مدينة عالمية لها منزله مميزة عبر التاريخ، فهي مهد الديانات الثلاث وتعيش تحت ظروف احتلالية يصعب التواصل والإتصال معها لذلك فهي تستحق هذا المشروع.
وأضاف: أردت من خلال الفن تجاوز العراقيل الإسرائيلية التي منعت ومازالت تمنع أي نشاط لإحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية، لنؤكد أنها مدينة عربية، وعاصمة للدولة الفلسطينية.
وتابع: بإمكان إسرائيل السيطرة على الأرض بحكم قوتها العسكرية، لكنها لا تستطيع السيطرة على الفكر والإبداع، فمن غير الممكن الوقوف أمام صناعة قطعة السيراميك.
وأوضح الحوراني أنه يتم تنفيذ المشروع بالتعاون ما بين الأكاديمية الدولية للفنون ولجنة احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، حيث يشتمل المشروع على تعليق ثمانين لوحة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني، موضحا أنه تم تعليق خمسين لوحة كانت الأولى في القدس القديمة وكانت المسافة صفر، واللوحة الخمسون أيضا علقت بالقدس خارج أسوار المدينة باللون الأحمر إشارة إلى الأخطار المحدقه بها، مشيرا إلى قيام بعض الجاليات العربية في العالم بتعليق اللوحة في منازلهم وشوارعهم.
وقال الحوراني: كل مواطن في العالم يستطيع المشاركة والحصول على تصميم اللوحة من خلال الموقع الإلكتروني وباستطاعته تعليقها على واجهة منزله أو في أي مكان يريده، وذلك تأكيدا على أن القدس قبلة للجميع.
وأضاف لقد تم اختيار السيراميك لدلالته إلى الصناعة الفلسطينية الأصلية، ولتحمله التغيرات المناخية، وذلك في ظل قيام الحكومة الإسرائيلية بتغير أسماء المدن العربية وشطبها من قاموسها.
وتمنى الحوراني من كافة العائلات والمدارس والهيئات المشاركة في تعليق اللوحة حساب المسافة التي تفصلهم عن القدس وذلك تحديا لمسلسل التهويد الذي تعاني منه المدينة.
مندلبوم: بوابة من الماضي... تلتها عشرات البوابات
ربى عنبتاوي
القدس المحتلة:
لا يذكرها جيل اليوم فقد اختفت معالمها مع سقوط القدس عام 1967، لكن هي في ذاكرة ووجدان من عاصر فاجعة النكبة ومأساة النكسة. كانت بوابةٌ واحدةً واختفت، لكنها فرّخت بوابات وحواجزاً وجدراناً عديدة على مداخل المدن والقرى، فقطعت أوصال الوطن الواحد، فكانت مندلبوم أولى بوابات الفصل ولكن لم تكن آخرها.
بوابة مندلبوم هي بمثابة حاجز أو فاصل أصبح بعد حرب الأيام الستة عام 1967 جزءاً من الماضي، كان قد وضع بين المنطقة الغربية من القدس والتي احتلتها إسرائيل عام 1948، والمنطقة الشرقية التابعة للإدارة الأردنية آنذاك، وقد جاءت «بوابة مندلبوم» وهي المنفذ الوحيد للتنقل بين شطري المدينة، في الجزء الشمالي من غرب البلدة القديمة على طول (الخط الأخضر) الذي وُضع اعتماداً على تقسيمات اتفاق الهدنة الموقع بين الطرفين العربي والإسرائيلي في الرابع من آذار عام 1949م.
ومع احتلال إسرائيل لما تبقّى من الأراضي الفلسطينية ومن ضمنها القدس الشرقية عام 1967، أزال الاحتلال آثار بوابة مندلبوم بالكلية، وفتحت المدينة على كل أجزائها لتسيطر عليها دولة الاحتلال بالكامل فأضحت البوابة رمزاً تاريخياً استمر 18 عاماً.
وقد أنشئت البوابة نتيجة سياسة إسرائيلية اعتمدت الفصل بعيد توقف إطلاق النار بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية في 30/11/1948 ، حيث جرى تعيين خط تقسيم المدينة المقدسة إلى قسم شرقي تحت السيطرة الأردنية يشكل 11% من مساحة المدينة، وقسم غربي تحت السيطرة الإسرائيلية ويشكل 84% من مساحة المدينة، وما تبقى وهو 5% اعتبر مناطق حرام والتي أطلق عليها باللغة الانجليزية No Man's Land تحت سيطرة الأمم المتحدة.
وقد أطلق اسم «مندلبوم» على البوابة وفاءً لأملاك تاجر يهودي يملك هذا الاسم تهدمت عقاراته وبيته إبان حرب عام 1948 الواقع عند نفس النقطة التي تمّت عليها البوابة، وقد حدد موقعها بعيد تراجع العصابات الصهيونية إلى غربي المدينة خارج منطقة الشيخ جراح، وقد أصبحت بوابة مندلبوم حينها رمزاً للمدينة المقسّمة إلى شطرين عربي وآخر يهودي. قسم قديم وآخر حديث.
وبعد ما جرى من تقسيم لفلسطين وقيام إسرائيل عام 1948 فقد ترسخ هذا الوضع في القدس تحديداً، وذلك عبر خط فاصل من الأسيجة والأسلاك الشائكة ممتد على طول خط يمر من مدرسة الشرطة شمالاً إلى بوابة مندلبوم غرب الشيخ جراح، ومن سور المدينة الغربي إلى شرق جبل صهيون، ثم إلى غرب جبل المكبر في الجنوب الذي وضع تحت سيطرة الأمم المتحدة.
وقد جرى اتفاق أردني إسرائيلي نهاية عام 1948 يضمن السماح بمرور قوافل المؤن الإسرائيلية بشكل أسبوعي إلى جبل سكوبوس حيث تقع الجامعة العبرية ومستشفى هداسا (الشمال) وذلك عبر البوابة، وقد أُقيمت عند الممر محطة مراقبة وتفتيش ونقطة جمارك وأصبحت بمثابة نقطة مرور كانت تفتح أمام الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والحجاج المسيحيين والصحافيين الغربيين. وبعد ذلك سُمح للفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة العام 1948 وبالتحديد المسيحيين بزيارة الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية.
وتعتبر الصحافية الأمريكية «فلورا لويس» آخر شخص يعبر من البوابة، وذلك قبيل حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967.
وقد شكّلت البوابة مصدر الهام للشعراء والأدباء الفلسطينيين لما حملته من معاني درامية واقعية تحاكي المأساة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، فأضحت رمزا للانكسار الداخلي والذاكرة المكسورة، فقد دخل منها سعيد وزوجته صفية إلى حيفا في رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا»، وكانت نقطة لقاء بين الشاب علي وخالته العجوز، في قصة «الأفق وراء البوابة»، وكذلك تحدث عنها الروائي «إميل حبيبي» في روايته «بوابة مندلبوم»، حيث يصف عزلة بطلة الرواية وهي أم عجوز من الناصرة تقرر زيارة القدس العربية فتبقى أسيرة فيها وبعيدة عن أولادها داخل الخط الأخضر. كما شكّلت هذه البوابة وحياً للأدباء الغربيين وكتاب السينما، ونذكر رواية أدبية تحمل اسم البوابة للكاتبة الأمريكية «ميريل سبارك».
وعبر اقتباس مقاطع من قصة غسان كنفاني القصيرة «بوابة وراء الأفق» يتبين للقارئ بُعد تلك البوابة التراجيدي في بعض من روائع الأدب الفلسطيني.
«كان اللقاء في ظل البوابة الكبيرة باكراً صباح اليوم التالي، لم ير عليّ أمه فيما كان يتفرس بالوجوه، خالته فقط كانت هناك، لم يعرفها بادئ الأمر، لكنها عرفته واستطاعت أن تدله على مكانها بين الجموع».
تزاحمت سيول من الكلمات في حنجرتها فسكتت وابتسمت ابتسامة باهتة لا معنى لها، ثم مدت يدها الراجفة تمسح على كتفه بحنو كسيح فيما اخذ هو ينظر بهدوء إلى الأفق الذي يقع خلف بوابة مندلبوم.
أُوار القدس
مراد السوداني
ما إن خبا أُوار نفير القدس العارم.. حتى عادَ الاحتلال إلى لعبة التدمير ثانية.. فقامت جرّافاته الحاصدة بهدم البيوت في بيت حنينا.. ليتواصل سوار النار والدمار على مدينة الله.. ليكمل العدوّ استهدافه للبيوت وأهلها.. بهدف التشريد والعزل وتحويل القدس إلى مساحة من الصمت والإلغاء..
ولكنّ هبّة القدس التي قرعت جرس المواجهة المدوّي.. واحتملت الحصار والجوع والغاز الأسود الأثيم.. استطاعت أن تفقأ عين القاتل بمخرز النِزال والصمود الذي يجترحه شعبنا العظيم، وسيبقى ما بقيت الأسوار وحبّاتُ التراب المجبولة بأريج دمّ الشهداء وآهات الجرحى وعذابات الأسرى في باستيلات العدو..
وفي ذات السياق تواصل عائلتا غاوي وحنّون مسيرة العذاب والحزن بعد أن لفظتهم النُزُل التي آوتهم.. فقد عجزوا عن تسديد الأجور الباهظة .. وهكذا يحوس ما يزيد على خمسة وثلاثين فرداً في ظلمة الوقت.. يبحثون عن يدٍ حانية وقلوبٍ صادقة تعيد لأبنائهم البسمة المنهوبة.. وكراريس المدرسة التي أُبعدوا عنها قسراً..
إنّ الاحتلال وقطعان مستوطنيه وهم يستبيحون مدينة الله وماحولها يواصلون دوزان الموت والتشويه والسلب للقدس وأحيائها وذاكرتها.. فماذا فعلنا نحن لحماية أهلنا ومؤسساتهم التي تتعرض يومياً للإغلاق والهدم والتجريف والبناء المضاد!! إنّ ذلك يتطلّب من الأمّة وعمقنا العربي أن يقول مقولة القدس واضحة لا لُبس فيها.. فلا هدوء ولا سلام ولا سكينة دون القدس..
يراهن العدو على يأسنا ونراهن على صبرنا وصمودنا.. فإن عدتم عدنا.. هكذا يهتف الأشبال والزهرات المنذورون للبلاد وللعاصمة الأبدية لفلسطين في اليوم المشهود، قل متى هو: قل عسى أن يكون قريباً..
منذ عشرين طريقاً لم أجئء للسور
جاءت القبّة ثكلى بالمواويلِ
وباللّيل وأجراس الكلام
جاءت الحاراتُ والأسواق تعبى
ترشحُ الحنّاء والنار وأقواس الحنين
والأنين الرخو للأشجار يعلو
طافحاً بالأغنيات..
وبناتُ الماء أسراباً تدافعنَ إلى السور
منذ عشرين طريقاً ودمي السهمُ
شتولاً لا يتهادى.. قل هي القدس
المنادى والمنادي ونداء الله للطير أفيقي
واحملي زيتونة النور الجهور
إلى أعالي القلب وارتجفي..
طيوباً من فحيح العشب في النايات
وارفعي وجع البلاد على صُداح السور..
القبة النحوية
تقع القبة النحوية في الزاوية الجنوبية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة، أنشأها الملك شرف الدين أبو المنصور عيسى الأيوبي عام 604ه - 1207م، على يد الأمير حسام الدين أبي معد قمباز، خصيصاً لتكون مقراً لتعليم علوم اللغة العربية، فقد عرف عن الملك عيسى مدى ولعه وحبه باللغة العربية. ذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في داخل القبة.
ويتألف مبنى القبة الحالي من غرفتين وقاعة مستطيلة الشكل، حيث يدخل إليها من مدخلها الرئيسي الواقع في واجهتها الشمالية والذي زين بزخارف هندسية ونباتية، وكذلك بالأعمدة الرخامية الملفوفة أو المثعبنة والتي شاعت في الفترتين الصليبية والأيوبية.
تحولت القبة النحوية إلى مكتبة في عهد الاحتلال البريطاني، وتستعمل اليوم كمقر لمحكمة الاستئناف الشرعية (جزء من المحكمة الشرعية في القدس، والتي تتبع للأردن)، واسمها الدقيق الآن: مكتب القائم بأعمال قاضي القضاة، ومن تحتها أرشيف المحكمة.
ولعل هذا الاستعمال هو ما حماها من أخطار الاحتلال، حيث إنها تشرف بشكل واضح على حائط البراق من داخل الأقصى المبارك، كما تشرف على بابي المغاربة والسلسلة. ولذلك تعتبر نقطةً ساخنةً عند وقوع اعتداءات إسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.