الوكالة العقارية للسكنى توجه نداء هام للمواطنين..وهذه التفاصيل..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    عاجل/ جريمة أكودة: الادراة العامة للامن الوطني تكشف تفاصيل جديدة..    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط في القدس... شاهد ومسيرة
نشر في الشروق يوم 16 - 10 - 2009

عندما يذكر الأقباط تذكر مصر.. وعندما تذكر مصر تذكر الحضارات القديمة والتاريخ العريق.. وعندما تذكر الحضارات القديمة في مصر تذكر الحضارة الفرعونية.. مفردات وأماكن وشعوباً مرتبطة ببعضها البعض.
اسم مصر القديم كان يلفظ (ايجبتوس) واللفظ جاء من كلمة أقباط، كما أن الاسلام عندما دخل إلى مصر في القرن السادس الميلادي كان شعبها يسمون «القبط».
وللدخول في تفاصيل الطائفة القبطية في القدس والأراضي الفلسطينية التقيت بالأب أنطونيوس الأورشليمي سكرتير بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس وكان له هذا الحديث: «الأقباط يعيشون في الأراضي الفلسطينية منذ ألفي عام على الأقل، وعددهم فيها يفوق ألفين وخمسمائة نسمة، ولنا حي خاص في البلدة القديمة وكنيسة خاصة ودير يرعى مصالح الطائفة قرب كنيسة القيامة إضافة إلى العديد من الكنائس والأملاك في القدس والأراضي الفلسطينية وإسرائيل»، فهم ليسوا بمصريين فقط، ولا ينحصر وجودهم في مصر.
ويضيف الأب أنطونيوس: «أعداد الأقباط في الأراضي الفلسطينية 2500 نسمة منهم 1500 نسمة داخل فلسطين المحتلة العام 1948، وذلك لأن القائد سليمان القبطي جاء مع الحملة الفرنسية من مصر وعاش في الشمال وكون الطائفة القبطية هناك».
عودة للتاريخ..
يضيف الأب أنطونيوس: «يرتبط تاريخ الاقباط بالعهد والعصر الفرعوني، فهو الجيل الذي جاء بعد هذا العصر حيث اعتنقوا المسيحية بعد دخولها الأراضي المقدسة في القرن الأول»، ومعظم الأقباط هم أقباط أرثوذكس.
وفي رواية أن السيد المسيح جاء إلى مصر صغير هاربا من بطش هيرودوس (الذي أمر بذبح الأطفال الذكور الذين يولدون في بيت لحم عندما علم بولادة السيد المسيح)، لذلك فإن الكنيسة القبطية احتفلت بمرور ألفي عام على دخول السيد المسيح أرض مصر عام 2000.
الأقباط يعتقدون بذات المعتقدات الفرعونية من ناحية الأيمان بالحياة بعد الموت والخلود في العالم الآخر، فقبول الناس آنذاك للمسيحية كان سريعا.
هجرة الأقباط..
يقول الأب أنطونيوس: «هجرة الأقباط لأنحاء مختلفة من العالم لم تكن شائعة إلا خلال السنوات الاخيرة، وتحديدا منذ حوالي 70 عاما لأن الاقباط عموما لا يحبون ترك بلادهم، إلا للبحث عن العمل وطلب الرزق حيث هاجروا إلى العديد من البلدان، وكانت هجرتهم الأكبر إلى مدينة القدس لمكانتها الدينية وقدسيتها، إضافة إلى أن المواصلات كانت آمنة وسهلة بين القدس ومصر عبر غزة، فكانت الهجرة طبيعية»، وهذا يفسر تدينهم وحبهم للأماكن المقدسة والقدس وزواجهم من مقدسيات وفلسطينيات، كما يثبت وجود الكنيسة القبطية والأملاك العديدة هنا حيث كانوا يحجون إليها من مصر.
وأضاف: «حتى حرب 1973 عندما أصدر البابا شنودة الثالث في مصر قرارا يقضي بمنع الأقباط من الهجرة إلى القدس حتى يحل السلام في الأراضي المقدسة».
الأقباط، وبعد..
آلاف السنين تفصلنا عن الفراعنة.. لكن الأقباط ما زالوا يستعملون اللغة والكتابة من الحروف الفرعونية المصورة الأبجدية، وحتى اليوم تعلم للأقباط وتستخدم في الصلوات والكنائس.
يحتفل الأقباط برأس السنة في 11 سبتمبر، حيث كان عيد الفيضان الذي يحي أرض مصر هو أول أيام السنة، وأستمر المصريون القدامى يحيون هذا العيد حتي عهد الأمبراطور الروماني دقلديانوس الذي تولي الحكم سنه 284 للميلاد، وفي عهده ذاق الأقباط العذاب، وذبح منهم آعدادا كبيرة، ولم يكن لهم ذنب سوي أنهم رفضوا عباده الأوثان وارتضوا عبادة الله الواحد، وهنا فكر الأقباط بأن يجعلوا رأس السنة الزراعيه رأسا لتقويم جديد أسموه (تقويم الشهداء) والتقويم القبطي، حيث استبدلوا ذكرى فيضان النيل بذكري فيضان دماء الشهداء، ويأكل في راس السنة القبطية الجوافة والتمر.
كما يحتفل الأقباط بشم النسيم في الربيع وأصبح بمصر عيدا قوميا، يزداد فيه أكل سمك الفسيخ والبيض.
أما عن العلم فقال الأب أنطونيوس: «اهتم الاقباط بالتعليم في مدينة القدس فكانوا من أوائل من أسسوا المدارس بالمدينة، وحتى هذه الأيام هناك بعثات تعليمية للقدس بدعم من الحكومة المصرية، وهناك مدرستان وكلية، حيث لا تقتصر على تعليم أبناء الجالية، بل الجميع، وتعلم أبناء الجالية القبطية في المدارس اللغات العربية والفرنسية والانجليزية والعبرية إضافة إلى القبطية».
ويعتبر الفول المدمس والكوشري (العدس والأرز والشعيرية) من أشهر المأكولات القبطية، لا سيما أنها مشهورة في مصر أيضا، ومن أشهر المشربوبات الشاي الثقيل.
الأقباط والأملاك..
يشتهر بالبناء وعمارة المعابد الكبيرة كالفراعنة وذلك كان سببا في استعانة الملكة هيلانة بهم للمساعدة في بناء كنيسة القيامة، وبطريركية القبطية تقع بمحاذاة القيامة.
يقول الأب أنطونيوس أن للأقباط أملاكاً عديدة حيث كانوا قبل الحروب يملكون الثروة والنفوذ، وما يدل على ذلك سوق الأقباط الذي يمتد من باب الخليل حتى كنيسة القيامة، وحي الأقباط الذي يمتد من كنيسة القيامة حتى سوق خان الزيت، وهو خاص بسكن العائلات القبطية والمدرسين، ويوجد بالحي بطركية الأقباط ومدرسة وكنيسة ودير، إضافة الى أديرة كثيرة في أريحا، كما أن للأقباط مكتبة يوجد بها مقتنيات مختلفة وكتب ووثائق خاصة بهم.
وحول الخلاف مع الأحباش قال الأب أنطونيوس أن دير السلطان المغتصب هو دير قبطي يسكنه الأحباش بمساعدة وحماية الإسرائيلين وتم تغير المفاتيح منذ العام 1971.
الأقباط شركاء الفلسطينيين بالمعاناة والوجع
أما عن علاقة الاقباط بالسياسة فقد أوضح الأب أنطونيوس أن الأقباط هم شركاء مع الشعب الفلسطيني بالمعاناة والوجع والمشاكل وصعوبة التنقل، ولهم انتماء لبلادهم وللمكان الذي يعيشون فيه، وهم يزاولون السياسة بمشاركة الأحزاب السياسية المختلفة في انتمائها في حل القضية الفلسطينية، كما أن الكنيسة القبطية تحاول في القدس تقريب وجهات النظر لاحلال السلام، والأقباط كحكومتهم (المصرية) لهم دور ريادي في الوقف بجانب القضية الفلسطينية ومساعدة السكان.
الاندماج بالمجتمع المقدسي
وعطفا على الفقرة السابقة فقد اندمج الاقباط مع المقدسيين بكل طوائفه ويشاركونه بالأفراح والمناسبات والأعياد، وقال الاب انطونيوس: «خلال أعياد المسلمين(الفطر والأضحى) نقدم لهم التهاني ونتبادل الزيارات، وفي شهر رمضان تقام موائد الإفطار في الكنيسة القبطية كرمز من التلاحم بين الإسلام والمسيحية، فلا فوراق ولا فواصل بيننا».
الطريق الى القدس
القدس: ميسة أبو غزالة
الطريق الى القدس..هو ليس فيلما سينمائيا أو مسلسلا رمضانيا، وليس كتابا يروي جمال وقدسية هذه المدينة، بل هو بكل بساطة يافطة بشكل مستطيل أزرق من السيراميك في وسطها كلمة (القدس) بالعربية والإنجليزية وتحتهما المسافة بين مكان تعليق اليافطة ومركز المدينة المقدسة.
هذه اليافطة أو اليافطات هي من إبداع الفنان خالد الحوراني، الذي أراد منها أن يجعل بوصلة المدن الفلسطينية تتجه إلى القدس، مسافة ومعنويات، كتابة وصورة، لتكون القدس ليست مجرد مدينة، بل عاصمة أبدية لدولة فلسطين.
وقال الحوراني: في كل مدن العالم هناك يافطات تبين المسافة بين المدن والقرى والعاصمة، ومدينة القدس تعتبر مدينة عالمية لها منزله مميزة عبر التاريخ، فهي مهد الديانات الثلاث وتعيش تحت ظروف احتلالية يصعب التواصل والإتصال معها لذلك فهي تستحق هذا المشروع.
وأضاف: أردت من خلال الفن تجاوز العراقيل الإسرائيلية التي منعت ومازالت تمنع أي نشاط لإحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية، لنؤكد أنها مدينة عربية، وعاصمة للدولة الفلسطينية.
وتابع: بإمكان إسرائيل السيطرة على الأرض بحكم قوتها العسكرية، لكنها لا تستطيع السيطرة على الفكر والإبداع، فمن غير الممكن الوقوف أمام صناعة قطعة السيراميك.
وأوضح الحوراني أنه يتم تنفيذ المشروع بالتعاون ما بين الأكاديمية الدولية للفنون ولجنة احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، حيث يشتمل المشروع على تعليق ثمانين لوحة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني، موضحا أنه تم تعليق خمسين لوحة كانت الأولى في القدس القديمة وكانت المسافة صفر، واللوحة الخمسون أيضا علقت بالقدس خارج أسوار المدينة باللون الأحمر إشارة إلى الأخطار المحدقه بها، مشيرا إلى قيام بعض الجاليات العربية في العالم بتعليق اللوحة في منازلهم وشوارعهم.
وقال الحوراني: كل مواطن في العالم يستطيع المشاركة والحصول على تصميم اللوحة من خلال الموقع الإلكتروني وباستطاعته تعليقها على واجهة منزله أو في أي مكان يريده، وذلك تأكيدا على أن القدس قبلة للجميع.
وأضاف لقد تم اختيار السيراميك لدلالته إلى الصناعة الفلسطينية الأصلية، ولتحمله التغيرات المناخية، وذلك في ظل قيام الحكومة الإسرائيلية بتغير أسماء المدن العربية وشطبها من قاموسها.
وتمنى الحوراني من كافة العائلات والمدارس والهيئات المشاركة في تعليق اللوحة حساب المسافة التي تفصلهم عن القدس وذلك تحديا لمسلسل التهويد الذي تعاني منه المدينة.
مندلبوم: بوابة من الماضي... تلتها عشرات البوابات
ربى عنبتاوي
القدس المحتلة:
لا يذكرها جيل اليوم فقد اختفت معالمها مع سقوط القدس عام 1967، لكن هي في ذاكرة ووجدان من عاصر فاجعة النكبة ومأساة النكسة. كانت بوابةٌ واحدةً واختفت، لكنها فرّخت بوابات وحواجزاً وجدراناً عديدة على مداخل المدن والقرى، فقطعت أوصال الوطن الواحد، فكانت مندلبوم أولى بوابات الفصل ولكن لم تكن آخرها.
بوابة مندلبوم هي بمثابة حاجز أو فاصل أصبح بعد حرب الأيام الستة عام 1967 جزءاً من الماضي، كان قد وضع بين المنطقة الغربية من القدس والتي احتلتها إسرائيل عام 1948، والمنطقة الشرقية التابعة للإدارة الأردنية آنذاك، وقد جاءت «بوابة مندلبوم» وهي المنفذ الوحيد للتنقل بين شطري المدينة، في الجزء الشمالي من غرب البلدة القديمة على طول (الخط الأخضر) الذي وُضع اعتماداً على تقسيمات اتفاق الهدنة الموقع بين الطرفين العربي والإسرائيلي في الرابع من آذار عام 1949م.
ومع احتلال إسرائيل لما تبقّى من الأراضي الفلسطينية ومن ضمنها القدس الشرقية عام 1967، أزال الاحتلال آثار بوابة مندلبوم بالكلية، وفتحت المدينة على كل أجزائها لتسيطر عليها دولة الاحتلال بالكامل فأضحت البوابة رمزاً تاريخياً استمر 18 عاماً.
وقد أنشئت البوابة نتيجة سياسة إسرائيلية اعتمدت الفصل بعيد توقف إطلاق النار بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية في 30/11/1948 ، حيث جرى تعيين خط تقسيم المدينة المقدسة إلى قسم شرقي تحت السيطرة الأردنية يشكل 11% من مساحة المدينة، وقسم غربي تحت السيطرة الإسرائيلية ويشكل 84% من مساحة المدينة، وما تبقى وهو 5% اعتبر مناطق حرام والتي أطلق عليها باللغة الانجليزية No Man's Land تحت سيطرة الأمم المتحدة.
وقد أطلق اسم «مندلبوم» على البوابة وفاءً لأملاك تاجر يهودي يملك هذا الاسم تهدمت عقاراته وبيته إبان حرب عام 1948 الواقع عند نفس النقطة التي تمّت عليها البوابة، وقد حدد موقعها بعيد تراجع العصابات الصهيونية إلى غربي المدينة خارج منطقة الشيخ جراح، وقد أصبحت بوابة مندلبوم حينها رمزاً للمدينة المقسّمة إلى شطرين عربي وآخر يهودي. قسم قديم وآخر حديث.
وبعد ما جرى من تقسيم لفلسطين وقيام إسرائيل عام 1948 فقد ترسخ هذا الوضع في القدس تحديداً، وذلك عبر خط فاصل من الأسيجة والأسلاك الشائكة ممتد على طول خط يمر من مدرسة الشرطة شمالاً إلى بوابة مندلبوم غرب الشيخ جراح، ومن سور المدينة الغربي إلى شرق جبل صهيون، ثم إلى غرب جبل المكبر في الجنوب الذي وضع تحت سيطرة الأمم المتحدة.
وقد جرى اتفاق أردني إسرائيلي نهاية عام 1948 يضمن السماح بمرور قوافل المؤن الإسرائيلية بشكل أسبوعي إلى جبل سكوبوس حيث تقع الجامعة العبرية ومستشفى هداسا (الشمال) وذلك عبر البوابة، وقد أُقيمت عند الممر محطة مراقبة وتفتيش ونقطة جمارك وأصبحت بمثابة نقطة مرور كانت تفتح أمام الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والحجاج المسيحيين والصحافيين الغربيين. وبعد ذلك سُمح للفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة العام 1948 وبالتحديد المسيحيين بزيارة الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية.
وتعتبر الصحافية الأمريكية «فلورا لويس» آخر شخص يعبر من البوابة، وذلك قبيل حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967.
وقد شكّلت البوابة مصدر الهام للشعراء والأدباء الفلسطينيين لما حملته من معاني درامية واقعية تحاكي المأساة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، فأضحت رمزا للانكسار الداخلي والذاكرة المكسورة، فقد دخل منها سعيد وزوجته صفية إلى حيفا في رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا»، وكانت نقطة لقاء بين الشاب علي وخالته العجوز، في قصة «الأفق وراء البوابة»، وكذلك تحدث عنها الروائي «إميل حبيبي» في روايته «بوابة مندلبوم»، حيث يصف عزلة بطلة الرواية وهي أم عجوز من الناصرة تقرر زيارة القدس العربية فتبقى أسيرة فيها وبعيدة عن أولادها داخل الخط الأخضر. كما شكّلت هذه البوابة وحياً للأدباء الغربيين وكتاب السينما، ونذكر رواية أدبية تحمل اسم البوابة للكاتبة الأمريكية «ميريل سبارك».
وعبر اقتباس مقاطع من قصة غسان كنفاني القصيرة «بوابة وراء الأفق» يتبين للقارئ بُعد تلك البوابة التراجيدي في بعض من روائع الأدب الفلسطيني.
«كان اللقاء في ظل البوابة الكبيرة باكراً صباح اليوم التالي، لم ير عليّ أمه فيما كان يتفرس بالوجوه، خالته فقط كانت هناك، لم يعرفها بادئ الأمر، لكنها عرفته واستطاعت أن تدله على مكانها بين الجموع».
تزاحمت سيول من الكلمات في حنجرتها فسكتت وابتسمت ابتسامة باهتة لا معنى لها، ثم مدت يدها الراجفة تمسح على كتفه بحنو كسيح فيما اخذ هو ينظر بهدوء إلى الأفق الذي يقع خلف بوابة مندلبوم.
أُوار القدس
مراد السوداني
ما إن خبا أُوار نفير القدس العارم.. حتى عادَ الاحتلال إلى لعبة التدمير ثانية.. فقامت جرّافاته الحاصدة بهدم البيوت في بيت حنينا.. ليتواصل سوار النار والدمار على مدينة الله.. ليكمل العدوّ استهدافه للبيوت وأهلها.. بهدف التشريد والعزل وتحويل القدس إلى مساحة من الصمت والإلغاء..
ولكنّ هبّة القدس التي قرعت جرس المواجهة المدوّي.. واحتملت الحصار والجوع والغاز الأسود الأثيم.. استطاعت أن تفقأ عين القاتل بمخرز النِزال والصمود الذي يجترحه شعبنا العظيم، وسيبقى ما بقيت الأسوار وحبّاتُ التراب المجبولة بأريج دمّ الشهداء وآهات الجرحى وعذابات الأسرى في باستيلات العدو..
وفي ذات السياق تواصل عائلتا غاوي وحنّون مسيرة العذاب والحزن بعد أن لفظتهم النُزُل التي آوتهم.. فقد عجزوا عن تسديد الأجور الباهظة .. وهكذا يحوس ما يزيد على خمسة وثلاثين فرداً في ظلمة الوقت.. يبحثون عن يدٍ حانية وقلوبٍ صادقة تعيد لأبنائهم البسمة المنهوبة.. وكراريس المدرسة التي أُبعدوا عنها قسراً..
إنّ الاحتلال وقطعان مستوطنيه وهم يستبيحون مدينة الله وماحولها يواصلون دوزان الموت والتشويه والسلب للقدس وأحيائها وذاكرتها.. فماذا فعلنا نحن لحماية أهلنا ومؤسساتهم التي تتعرض يومياً للإغلاق والهدم والتجريف والبناء المضاد!! إنّ ذلك يتطلّب من الأمّة وعمقنا العربي أن يقول مقولة القدس واضحة لا لُبس فيها.. فلا هدوء ولا سلام ولا سكينة دون القدس..
يراهن العدو على يأسنا ونراهن على صبرنا وصمودنا.. فإن عدتم عدنا.. هكذا يهتف الأشبال والزهرات المنذورون للبلاد وللعاصمة الأبدية لفلسطين في اليوم المشهود، قل متى هو: قل عسى أن يكون قريباً..
منذ عشرين طريقاً لم أجئء للسور
جاءت القبّة ثكلى بالمواويلِ
وباللّيل وأجراس الكلام
جاءت الحاراتُ والأسواق تعبى
ترشحُ الحنّاء والنار وأقواس الحنين
والأنين الرخو للأشجار يعلو
طافحاً بالأغنيات..
وبناتُ الماء أسراباً تدافعنَ إلى السور
منذ عشرين طريقاً ودمي السهمُ
شتولاً لا يتهادى.. قل هي القدس
المنادى والمنادي ونداء الله للطير أفيقي
واحملي زيتونة النور الجهور
إلى أعالي القلب وارتجفي..
طيوباً من فحيح العشب في النايات
وارفعي وجع البلاد على صُداح السور..
القبة النحوية
تقع القبة النحوية في الزاوية الجنوبية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة، أنشأها الملك شرف الدين أبو المنصور عيسى الأيوبي عام 604ه - 1207م، على يد الأمير حسام الدين أبي معد قمباز، خصيصاً لتكون مقراً لتعليم علوم اللغة العربية، فقد عرف عن الملك عيسى مدى ولعه وحبه باللغة العربية. ذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في داخل القبة.
ويتألف مبنى القبة الحالي من غرفتين وقاعة مستطيلة الشكل، حيث يدخل إليها من مدخلها الرئيسي الواقع في واجهتها الشمالية والذي زين بزخارف هندسية ونباتية، وكذلك بالأعمدة الرخامية الملفوفة أو المثعبنة والتي شاعت في الفترتين الصليبية والأيوبية.
تحولت القبة النحوية إلى مكتبة في عهد الاحتلال البريطاني، وتستعمل اليوم كمقر لمحكمة الاستئناف الشرعية (جزء من المحكمة الشرعية في القدس، والتي تتبع للأردن)، واسمها الدقيق الآن: مكتب القائم بأعمال قاضي القضاة، ومن تحتها أرشيف المحكمة.
ولعل هذا الاستعمال هو ما حماها من أخطار الاحتلال، حيث إنها تشرف بشكل واضح على حائط البراق من داخل الأقصى المبارك، كما تشرف على بابي المغاربة والسلسلة. ولذلك تعتبر نقطةً ساخنةً عند وقوع اعتداءات إسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.