حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي بعد سؤال استفساري حول توقيت اثارة النائب الاول لرئيس البرلمان (المجلس التأسيسي) لموضوع خروج الأموال من تونس، وكانت حكومة الاستقلال حكومة فتيّة، ترأسها كما رأينا، رئيس الحزب. يقول «سي أحمد» بن صالح موضّحا وكاشفا بعض التفاصيل: «عندما أثرت الموضوع، موضوع التأسيسي، وكان جلّولي فارس هو رئيس المجلس عندما أثرت الموضوع، الذي تناهى الى مسامعي، عبر اخوة في الاتحاد (من جامعة البنوك) وهنا، كُلّف الطيب المهيري لكي يعلم بورقيبة الذي كان في المنستير كما ذكرت، وإذا بالمجلس يعقد جلسة عامّة، وجاء بورقيبة يوضّح... وكنت أجلس وراء المناضل حمادي بدرة (رحمه ا&) وتكلّم بورقيبة بحماس، ليقول : «أنا مع حرية تنقّل رأس المال» (دخولا وخروجا)، وكأن تونس وبعد أسابيع من الاستقلال يمكن ان تقارن بدولة كبرى... وهنا أذكر أنه عندما أتمّ بورقيبة كلمته تلك، قال حمّادي بدرة «Bravo» فقلت لزميلي (حمادي بدرة) «برافو لك أنت يا سي حمّادي...». قلت ل «سي أحمد» بن صالح: ألم تعلّق على كلام بورقيبة، الأموال التي تخرج من تونس، وقد وصلت رقما مهولا (70 مليارا) كنت قد رجعت للتوّ من المكنين، أين كنت مع بورقيبة الذي جاء الى البلدة، لأن الحكومة استقدمت رفات المنفيين لدى الفرنسيين من مناضلي المنطقة... وكان هؤلاء المناضلون قد شاركوا في الهبّة ضد الاستعمار سنة 1934، ونفي البعض منهم الى الجزائر وغيرها. وكان أن أعيدت رفات الشهداء منهم، وقتها في 1956، عندما كان بورقيبة رئيسا للحكومة... وأذكر أنني قلت لبورقيبة، هذه بلدة الشهداء، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من هو مازال على قيد الحياة... وبعد هذه المناسبة رجعت أنا الى تونس وذهب بورقيبة الى المنستير. وهنا أثرت موضوع الأموال التي خرجت من البلاد، كما ذكرت سابقا، من على منبر المجلس أوَلَم توضّح له الموقف، علّه تناهى اليه بشكل غير أمين؟ قال: «فعلا، رفعت يدي طالبا الكلمة من رئيس المجلس (جلولي فارس) فلم يعطني الكلمة... وأذكر أنه قال بحدّة: «الرئيس تكلّم...» وهو يعني أن بعد كلام الرئيس ليس هناك كلام ولا تعليق...». ولكن ما الذي حصل في هذا المجال، هل تواصل النزيف أم توقّف وأقصد خروج الأموال من تونس؟ يقول «سي أحمد» في معرض ردّه على هذا السؤال: «تواصل التدهور في هذا المجال، أي أن الأموال ما فتئت تخرج من تونس، وكان الضرر واضحا على تونس، خاصة عندما عمدت فرنسا الى تخفيض قيمة الفرنك... وبعد أيام، بانت المشكلة جليّة، ولم يؤخذ بمقترحي ذاك... ولكن بعد سنتين نوديت وأنا على رأس وزارة الصحة، الى اجتماع مضيّق للتداول في هذا الموضوع. كان اجتماعا مضيّقا، حضره سي الهادي نويرة عن المالية والرشيد ادريس عن البريد (وزيرا) ومسؤولون آخرون. وكان الموضوع، خروج الأموال وارتباط العملة التونسية بالفرنك الفرنسي... وقد طالبت من جهتي عندما تكلّمت في المجلس، بالفصل بين العملتين، ولكن في الجلسة المضيّقة، أصبحت العمليات خطيرة وقد تزايدت... لم أتكلّم في الجلسة المضيّقة، فالحاضرون المشاركون في الاجتماع المضيّق، كانوا يعرفون موقفي... ولكن ما خرج عن ذات الاجتماع هو أنه تقرّر مراقبة الوضعية، مما حدا بالرشيد إدريس الى التعليق بالقول: «لو سمعنا كلام «سي بن صالح» منذ عامين لكان أفضل»... هذا ما حدث، ولكن بعد عامين من اثارة مسألة خروج الأموال من تونس نحو الخارج...». مازال «سي أحمد» يستذكر مراحل أخرى من تاريخ تونس، ويواصل أيضا، سرد بقية أطوار نشاط المجلس التأسيسي الى حد اعلان الجمهورية.