حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي حافظ صاحب المذكرات على خطته في المجلس التأسيسي، حيث يترأس لجنة تحرير الدستور. وكان بورقيبة قد شكّل أول حكومة استقلال، عقب إمضاء الطاهر بن عمّار (رئيس حكومة التفاوض) اتفاقيات الاستقلال في 20 مارس 1956. بعد سؤال قدّمته ل«سي أحمد بن صالح» حول عملية مراقبة الحكومة التي يرأسها بورقيبة من قبل المجلس التأسيسي قال: «كنت رئيسا لأول جلسة ستقدم فيها حكومة بورقيبة برنامجها. إذ، إلى حدّ ذاك التاريخ مازال لم يعيّن رئيسا للمجلس التأسيسي، (والذي كان كما ذكر آنفا جلولي فارس، ولم يكن بن صالح يعلم بالمسألة، إذ تمّ الأمر على ما يبدو صلب الديوان السياسي) وحسب التقاليد البرلمانية استمعنا إلى خطاب رئيس الحكومة.. ثم انطلق النقاش». سألت «سي أحمد» وقد كان كما ذكر هو بنفسه رئيسا لتلك الجلسة: كيف أدرت الجلسة، وهل كان هناك نقاش ومداولات؟ قال: «أتذكّر أمرا واحدا. تدخلت في النقاش، ولاحظت بعد تدخلي أن القيادة الجديدة في الحكومة (أو فريق الحكومة) لم يعجبها ذاك التدخل.. وقد تبيّن لي ذلك عندما سمعت أحدهم يقول: إن رئيس الجلسة (وهو يقصدني أنا طبعا) لا يجب أن يأخذ الكلمة للمناقشة.. أي مناقشة البرنامج المطروح. المهمّ، سيّرت الجلسة، وسادها نقاش طويل.. قلت في سؤال: «هل مارس المجلس التأسيسي الصلاحية التي منحها لنفسه في مراقبة الحكومة، أي هل طبقتم هذا مع حكومة رئيس الحزب، بورقيبة؟ عن هذا السؤال يقول «سي أحمد بن صالح»: «أوّلا المجلس التأسيسي أعطى لنفسه، كما قلت، هذه الصلاحية وفق مقترح أو مشروع قرار قدّمته كرئيس كتلة الاتحاد العام التونسي للشغل، حتى يصبح من صلاحيات المجلس التأسيسي مراقبة الحكومة، وهنا أستذكر قصّة، هو أن هناك من اعتبر أن هذا المقترح فيه تجاوز لهدف انتخابات المجلس التأسيسي.. فقد قيل ان الانتخابات للمجلس كانت من أجل تحرير الدستور، وبالتالي فإن صلاحية مراقبة الحكومة ليست متفقة مع هدف الانتخابات.. وقد بلغتني الملاحظة وكان جوابي على رسالة مكتوبة أعطيت لي باللغة الفرنسية في هذا المضمار فأجبت بنفس اللغة «Qui peut le plus peut le moins». قلت ل«سي أحمد» سائلة: ممّن جاءك التعليق أو الملاحظة؟ فقال وقد بدا عليه بعض التردّد، فهمت في ما بعد أنه لا يريد أن يذكر أسماء: «من بعض الشباب المناضل الذي كان وقتها بالخارج».. قلت: حتى نعود إلى نصّ السؤال الأصلي: هل طبّقتم كمجلس (تشريعي) بند مراقبة الحكومة على فريق بورقيبة؟ قال: «كنت في المجلس، إبان تشكيل حكومة بورقيبة وبعدها بقليل، رئيسا لكتلة الاتحاد والنائب الأول لرئيس المجلس التأسيسي، وقد أثرت موضوعا تبيّن أنه هامّ جدا في جلسة علنية (عامة) بالمجلس أثرت موضوع خروج الأموال من تونس نحو الخارج.. فقد كانت الفترة انتقالية، وكانت المراقبة غير موجودة. قلت في هذه الجلسة: «أطلب من الحكومة (التي يترأسها بورقيبة) تنظيم رقابة لخروج الأموال من البلاد. لأنه، وفي ذلك الوقت تناهى إلى مسامعي، وفي ظرف بضعة أشهر، من خلال إخواننا النقابيين في البنوك، أن قيمة سبعين (70) مليارا غادرت تونس، خرجت بلا رقابة، فقلت: يجب أن تقع رقابة في هذا الشأن.. وقع هذا في سبتمبر 1956».. كيف كانت ردّة الفعل؟ سألت الأستاذ بن صالح، فقال: «ردّ الفعل، حفّت به قصّة.. برمّتها».. ومرّة أخرى يفهم كلام «سي أحمد» خطأ.. فما الذي حدث؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة..