قبل أسابيع قليلة نعى وزير خارجية اسرائيل مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني... وقال إن 16سنة من التفاوض كللت بالفشل الذريع، وأن الأمر سوف يستوجب 16 سنة أخرى من التفاوض... وطبيعي أننا سنجد بعدها مسؤولا صهيونيا آخر ينعى سنوات التفاوض الجديدة... هذا في حال أن الكيان الصهيوني لم يستكمل مخططاته ولم يفرض تصوره للحل على الميدان بواسطة غطرسة القوة وسياسة الأمر الواقع... وفي حال انه لم يفرغ وقتها (عام 2025) من الهيكل وإحاطة «دولة إسرائيل» بجدار سميك يعزل الفلسطينيين داخل محميات بشرية... قد يطلق عليها وقتها وبحكم الواقع الجديد الفيدرالية الفلسطينية التي تجمع ما لا يجمع وتمنح الشعب الفلسطيني حكما ذاتيا إدارايا كما خطط الصهاينة منذ البداية. وحين يطلق نتنياهو غول الاستيطان يلتهم المزيد من الأراضي ويقتلع المزيد من الفلسطينيين ويدعو السلطة الفلسطينية إلى مفاوضات عبثية استمرت طيلة 16 عاما وقد تتواصل مثلها... وحين تضغط الادارة الأمريكية على السلطة الفلسطينية في اتجاه القبول باستئناف المفاوضات فورا ودون إبطاء وتعتبر مطالبتها بوقف الاستيطان (وذلك أضعف الإيمان) قبل هذه الخطوة من قبيل «الشروط المسبقة» حين تلتقي كل هذه العناصر فكأنما يقول الصهاينة مدعومين بالادارة الأمريكية للشعب الفلسطيني : أحرق كل مراكبك وأوراقك... وارم حقوقك وطموحاتك المشروعة وراء ظهرك... وانس ارضك وتاريخك وادفن ذاكرتك وذكرياتك... واجلس إلى مائدة التفاوض لتوقع على صك الاستسلام والتسليم بما يعرضه عليك الصهاينة... وما يعرضه هؤلاء معروف مسبقا قطعة جبن سويسرية هي عبارة عن محميات بشرية يحكم اغلاق مداخلها ومخارجها جيش اسرائيل... لا تواصل بينها ولا هوية لها ومعزولة بالكامل عن القدس، ولا تتحكم السلطة في أجوائها ولا في باطن أرضها ولا تمتلك من القوات إلا بقدر ما يكفي لضمان «أمن إسرائيل» ومصادرة ما سوف يتبقى من أحلام المقاومين والرافضين للاستسلام والتسليم... وسوف لن تجد إسرائيل حرجا في أن يسمى هذا الكيان الهلامي دولة فلسطينية من قبيل الترويج لعبثية التفاوض. هل يبقى بعد هذا عاقل فلسطيني يقبل بمفاوضات تفضي إلى هذا المصير المظلم؟... المصير الذي يجهض الحقوق والأحلام المشروعة ويقوض حق العودة ويفرّط في أولى القبلتين إلى الأبد. بالتأكيد لن يبصم فلسطيني على صكّ الاستسلام الذي يريد الصهاينة اجبار السلطة على توقيعه وإذا كان ميزان القوى لا يسمح بحل عادل ومشرّف للقضية فإن المنطق يقتضي تركها للأجيال القادمة.