لا غرابة في أن تطلق اسرائيل شيطان الاستيطان من قمقمه عشية الجولة الثانية من «المفاوضات المباشرة» المرتقبة اليوم في منتجع شرم الشيخ المصري... ذلك أن وقف الاستيطان (في الظاهر) ليس خيارا استراتيجيا اتخذته حكومة نتنياهو، بل هو موقف تكتيكي أطلق في لحظة تاريخية معينة لتحقيق أهداف معينة ولتهيئة الارضية لإعادة اطلاقه في ظروف تمكّن من تدمير المعادلة الفلسطينية «لا تفاوض مع الاستيطان» واستبدالها بمعادلة صهيونية جديدة: «التفاوض المباشر في ظل تواصل الاستيطان»... بعد أن تكون اسرائيل قد امتصت «غضب العرب» و«امتعاض الادارة الامريكية» وأمّنت ظروف تواصل المفاوضات المباشرة في ظل حالة غيبوبة عربية وفي ظل موقف أمريكي «أكثر تفهما» لضرورات الحفاظ على التحالف الحكومي الحاكم في تل أبيب والذي يمر عبر عودة الطرف الفلسطيني الى المفاوضات المباشرة في ظل استمرار الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلتين... مع أن هذا العامل كفيل بنسف المفاوضات من أسسها بما أنه لا يبقى معنى للتفاوض على مسائل جوهرية مثل حدود الدولة والقدس واللاجئين في حين يتمادى الجانب الاسرائيلي في نسف هذه العناصر الثلاثة بمعول الاستيطان... الذي يرسم حدودا جديدة للأراضي الفلسطينية التي لن تأخذ شكل وحجم دولة بل مجرد محميات بشرية متناثرة يتمتع فيها الفلسطينيون بحكم ذاتي محدود... والذي يطمس الهوية العربية الاسلامية والمسيحية للقدس الشريف والذي يقوّض حق اللاجئين وهم نصف الشعب الفلسطيني في العودة بما أن هذه العودة تخلّ بمبدإ «يهودية الدولة» الذي تضعه حكومة نتنياهو شرطا أساسيا لأي تقدم «ذي معنى» على درب المفاوضات... ما المرتقب إذن في ظل ظروف مشابهة وفي ضوء موازين القوى التي نعرف؟ الجواب معروف سلفا : سوف يصرخ الطرف الفلسطيني منددا بهذا الانتهاك الخطير الذي يفرغ المفاوضات من محتواها.. وسوف يتدخل «الاشقاء العرب المعتدلون» مثلما تدخلوا لجر الفلسطينيين الى مربع المفاوضات المباشرة وسوف يقدمون غطاءً عربيا لعودة التفاوض تحت حراب الاستيطان.. وهكذا حبّة حبة سوف يتم تمرير كل فصول المؤامرة الصهيونية الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية تحت شعار التسوية.. وسوف لن يستفيق الفلسطينيون والعرب الا وقد أفلح الصهاينة في تمرير تصورهم الأعرج للحل، ذاك الذي يجري رسمه بغطرسة القوة وبالاستيطان وبالمخاتلات الأمريكية... وكذلك بالعجز العربي وبالانقسام الفلسطيني!