انتقموا في غزة من لبنان، فهل سينتقمون في لبنان من غزة؟ واستفادوا في لبنان الى ابعد الحدود من التباعد السوري – السعودي، فهل سيتحملون التفاهم ومظهر الروح وهي تدب نشيطة في جسد لبنان ؟ الوزيرة الاسرائيلية السابقة شالوميت الوني تقول ان الحكومة الاسرائيلية انتقمت في حرب غزة لفشلها في حرب تموز في لبنان. والان وصفقة تبادل الاسرى تقترب من الانجاز على شكل يحقق انتصارا معنويا لسلطات غزة، فهل ستلجأ الحكومة الاسرائيلية الى تعويض هذا الهبوط المعنوي بضربة على لبنان قد لا تغير واقع الامور على الارض ولكنها تدمر وتحرق الاخضر واليابس، وتشفي غليل المستوطنين والمتطرفين الذين يشكلون غالبية جمهور الدولة العبرية. هؤلاء الذين اثار جنونهم قرار تجميد الاستيطان المؤقت، ولا ندري كم ستبلغ درجة الجنون مع صفقة التبادل. ستستطيع حكومة نتنياهو ان تحتفل باستعراضية باطلاق سراح جلعاد شاليط، وان تقول انها تلتزم بتعهداتها بعدم التخلي عن الجنود الذين يقعون في الاسر، لكن المشكلة ستكون امامها في امر يختلف عن موضوع الاستيطان: ففي تجميد الاستيطان يؤيدها المعتدلون المحنكون فيما يعارضها المتشددون، اما في موضوع الاسرى فتجد المعارضتين معا، ذاك أن المتشددين سيغضبون لمضمون الوثيقة، وطبيعة الاسماء الفلسطينية المحررة، في حين سيغضب «المعتدلون» لان ذلك يسجل في حساب حماس على حساب اصدقائهم من «المعتدلين الفلسطينيين» وقد بادر يوسي بيلين الى اعلان هذا الموقف. في الوقت نفسه سوف تتدفق على غزة، في الاسابيع القليلة القادمة، وفود أوروبية على مستويات شعبية ورسمية، وبشكل خاص من بريطانيا وفرنسا، حيث يقود جورج غالوي حملة بريطانية مهمة، وتتحرك السيناتور عالمة بومدين من فرنسا مع مجموعة كبيرة بينهم ابنها . تحرك سيجعل الرأي العام الدولي امام تحولات جديدة، وسيحرج الحكومات الغربية التي تعيش حالة انحسار الامبراطورية الأمريكية وبالتالي انحسار معسكرها. في الوقت نفسه يعلن باراك أوباما تجديد قرار عدم نقل سفارته الى القدس. هذا بعد ان واجهت اسرائيل في اوروبا ايضا طرح القبول باعلان الدولة الفلسطينية . ولا يغير في الامر كون هذا التأييد يتجه الى حكومة رام الله، اذ ان المهم بالنسبة لحكومة اسرائيل انه محتسم من حساب رصيدها المعنوي. في موازاة ذلك كله ينفرج الوضع اللبناني بشكل لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب الاهلية : تلتقي القوى الرئيسية الاربع في البلاد: رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الجنرال عون والتيار الوطني الحر،وليد جنبلاط مدعما بوفاق درزي، وحزب الله، والى جانبهم نبيه بري وسليمان فرنجية، بحيث يبدو وان المشروع الأمريكي الشرق اوسطي قد لفظ انفاسه في لبنان . غير ان الصورة الواعدة هذه، والتي لا يمكن الا وان تثير اسرائيل، تتلقى ضربات مسعورة متواصلة من المعسكر المعروف بارتباطه، يتمركز حول «سلاح حزب الله»، بطريقة يبدو واضحا فيها أمران متقاطعان : الأول ان جماعة القوات اللبنانية، ويتامى 14 اذار المنتهية ولايتها، يجدون انفسهم معزولين من المشهد، ويتامى فعلا بعد ان تخلى عنهم القطبان الاساسيان : الحريري وجنبلاط، وبالتالي فان هؤلاء الذين لا يجدون لانفسهم مكانا في السلم الاهلي، لا يعارضون ان يحاولوا استعادة هذا الموقع في اطار الحرب . والثاني ان اسرائيل قد تتحمل اي شيء في المنطقة، الا قيام التفاهم اللبناني على سلاح حزب الله، وتشريعه في البيان الوزاري. مما يعني ان نزعه بقرار سياسي بات غير وارد: اذن فلا مجال للتخلص منه الا بهجوم عسكري. وحتى لو كانت فرص نجاح هذا الخيار غير مضمونة، فانه سيشكل فرصة لاستعادة المعنويات، وستر العري امام الداخل. اضافة الى تدمير ما يدمره سلاح الجو في لبنان. انه خيار الهروب الى الامام، ولكن في عملية انتحارية: خاصة على المستوى السياسي التاريخي.