برغم وجود الفضاءات الثقافية ووجود ثلة من المثقفين والمبدعين المشهود لهم بولاية القصرين، فقد غاب الربط بين هذين العنصرين لتظل هذه الفضاءات مهجورة ويبقى المبدعون خارج إطار الثقافة. أما المواطنون فلا يجدون ضالتهم في البحث عن معين من جداول الثقافة الا صيفا، عند حلول نسمات المهرجانات التي تأتي غالبا دون المأمول، فلماذا تبقى القصرين المكان الوحيد الذي تستغيث فيه الثقافة تمزقا وحرمانا؟ الفضاءات الثقافية بالقصرين عديدة ومتنوعة، فهناك 11 دارا للثقافة منتشرة على مختلف معتمديات الجهة، ورواق للفن التشكيلي، وأربعة مسارح، المسرح الاثري والمسرح البلدي بالقصرينالمدينة، المسرح الاثري بحيدرة والمسرح الأثري بسبيطلة مع العديد من الساحات العامة بمناطق البلديات. وكل هذه الفضاءات يمكن استغلالها لإحداث حراك ثقافي مهم للغاية، لأن القصرين ثرية جدا بمثقفيها وبمخزونها الثقافي على مدى العصور. وتتمتع القصرين بالعديد من المثقفين المبدعين الذين أضافوا الى المكتبة الوطنية أثارا جديرة بالاهتمام، ونذكر منهم محمد رشاد الحمزاوي ومن آثاره «بودودة مات» التي كنا ندرسها في سنوات الثانوي، وفوزية العلوي القصاصة المبدعة صاحبة جائزة المتوسط، ومحمد حيزي صاحب جائزة رئيس الدولة للرواية سنة 1992 وجائزة وزارة الثقافة لأفضل عمل روائي لسنة 1996، وثلة أخرى عديدة من الكتاب والشعراء والصحفيين والتشكيليين. كما توجد 6 فرق مسرحية، جمعية النضال المسرحي وجمعية التقدم المسرحي بالقصرينالمدينة، جمعية الشهاب المسرحي بماجل بلعباس، جمعية التغيير المسرحي وجمعية المسرح الريحاني بفريانة وجمعية فسيفساء المسرح بتلابت. ولكن وبرغم هذا الثراء في الفضاءات وفي عدد المثقفين فإن المتتبع للحراك الثقافي بالقصرين، يرى بأن الهوة سحيقة بين الفضاءات والمثقفين، فالفضاءات دوما خالية الا من بعض الزائرين من التلامذة أو بعض النشاطات البسيطة التي لا ترتقي الى مستوى الفعل الثقافي، أما المثقفون فلا يعرف أحدهم الآخر بل واغلبهم لا يعرفون حتى بان بالولاية يوجد فضاءات للثقافة. هذه الهوة والقطيعة بين عناصر الفعل الثقافي أدى الى غياب الحراك الثقافي بالولاية وعاد بالسلب على وعي المواطن الذي أصبح يرى بأن للثقافة موسما هو الصيف حينما تحط المهرجانات رحالها. والمتتبع لمهرجانات القصرين فهي غالبا دون المأمول ولا تعول كثيرا على مثقفي الولاية لا في برمجتها ولا في مشاركتها. فمثلا مهرجانات سنة 2009 قد قدمت على مدى شهري جويلية وأوت 101 عرضا في مختلف معتمديات الولاية وعددها 13، منها 27 عرضا مسرحيا اي بنسبة 26.7٪ من جملة العروض كان نصيب الفرق المسرحية بالجهة منها 10 عروض (9.9٪)، وأغلبها (7 عروض) خصصت للشعر الشعبي. وأما باقي العروض فقد خصصت جلها للغناء ولاستعراضات الفروسية. وقد شهدت هذه المهرجانات اقبالا ضعيفا جدا، نظرا لرداءة مادتها او لنقل تواضعها. وأصبحت صورة الثقافة بالجهة قاتمة جدا، فالفضاءات لابد لها وان تنتظر الصيف لتفتح ابوابها لمهرجانات دون المأمول فتبقى خالية، والمثقفون كل يبحث عن ذاته بعيدا عن الجهة والمواطن قد اصيب بمقتل في وعيه لغياب الحراك الثقافي، فلم يجد فضاء يحتضنه غير المقاهي ولم يجد أمامه مثقفا يقدم له مادة ثقافية تغنيه. إن ما يصيب الولاية من قتل لشرايين الثقافة لا يمكن السكوت عليه، فلماذا لا يقع استغلال المسارح الاثرية بالقصرينالمدينة وبحيدرة؟، ولماذا لا يسعى مدراء دور الثقافة الى التواصل مع المثقفين وفتح الأبواب اليهم لممارسة دورهم المطلوب منهم، قد يكلفهم ذلك قليلا من التواضع ومكالمة هاتفية فقط؟ ولماذا لا يسعىمندوب الثقافة الى احياء تظاهرة ثقافية ما شهريا او حتى كل شهرين؟ أليس من مهامهم لم شمل المثقفين وتخليص الحراك الثقافي من آسريه ومن ثمة فتح الفضاءات أمام الشباب الذي انهكته كراسي المقاهي وتحرير عقله من سياسة قتل الوقت كيفما كان وذلك هديا بقول سيادة رئيس الجمهورية في 28 جوان 2008 «لقد أقمنا مشروعنا الحضاري على منظومة شاملة تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتبوأ فيها الثقافة المنزلة التي هي بها جديرة من تشكيل الوعي الاجتماعي للمواطن التونسي».