يمرّ الأستاذ الهادي كرو في هذا الجزء الثالث من دراسته الى طرح السؤال الثاني وهو: «هل ظهور العيب الموجب للفسخ في أحد الزوجين بعد البناء يعتبر مصيبة نزلت بالآخر لا مناص منها؟». ونكتفي من إجابته وتعليقه بتعرضه الى نظام «التفريق بين الزوجين في الاسلام» على أن ننشر في العدد القادم خوضه في «التفريق في القانون التونسي». السؤال الثاني هل ظهور العيب الموجب للفسخ في أحد الزوجين بعد البناء يعتبر مصيبة نزلت بالآخر لا مناص منها؟ الجواب على السؤال الثاني لا يعتبر في القانون ظهور العيب في أحد الزوجين بعد البناء مصيبة نزلت بالآخر لا مناص منها لأن الفصل 21 من مجلة الأحوال الشخصية وإن يقتضي بأن الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد فإنه يحكم بالطلاق تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 31 من نفس المجلة بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر ناشئ عن العيب المانع من القيام بالواجبات الزوجية التي تضمنها الفصل 23 من نفس المجلة. التعليق على السؤال الثاني لئن تعلقت كل الأسئلة بمقام المرأة في الاسلام فإن السؤال الثاني هو السؤال الوحيد الذي اهتم بالرجل والمرأة معا وبظهور العيب الموجب للفسخ في أحد الزوجين بعد البناء وهل يعتبر مصيبة نزلت بالآخر لا مناص منها؟ وحتى تتوضح مقاصد السؤال ومدلولاته في الشريعة الاسلامية وكيفية معالجة موضوعه في القانون الوضعي يتم التعرض لنظام التفريق بين الزوجين في الاسلام ضمن هذا التعليق ولنظام التفريق في القانون التونسي ضمن التعليق على الجواب الثاني. التفريق بين الزوجين في الاسلام من الثابت أن الاسلام أجاز الفرقة بين الزوجين وجعلها أبغض الحلال عند الله ولئن اشترط الرضا لانعقاد الزواج فإنه لم يشترطه لحل عقدته وجعل حق الطلاق بيد الزوج وأوكل أمره إليه وحمّله مسؤولية الاقدام عليه. وفي المقابل مكنت المرأة من حق طلب حل عقدة الزواج قضائيا عند ثبوت الضرر اللاحق بها وامتناع الزوج من إيقاع الطلاق. ويسمى هذا النوع من التفريق تطليقا أو بطلان الزواج أو فسخه حسب الأحوال والمذاهب. والملاحظ أن بعض الفقهاء لم يجعلوا هذه الطريقة الاستثنائية خاصة بالمرأة بل أقروا إمكانية اتباعها من الزوج أيضا ولو كان بيده الطلاق وذلك ليبين أن فكّ العصمة سببه الضرر الحاصل له ويتحاشى بذلك صفة المتعسّف العالقة بكل رجل يوقع الطلاق بدون سبب شرعي يبرّره. وقد أطنب الفقهاء في البحث عن أسباب الضرر الحاصل قبل البناء وبعده الموجبة للتفريق بين الزوجين بالطريقة الاستثنائية المذكورة وفي إيجاد الأحكام اللازمة لتحقيق ذلك قضائيا بأسماء متعددة منها التفريق والتطليق والطلاق والفسخ والإبطال. وهكذا عندما يجد أحد الزوجين الاخر مصابا بعيب أو مرض لم يظهره له حين العقد أو أصيب به حال قيام الزوجية فما عسى أن يصنع زوج المصاب في مثل هذه الحال خاصة إذا كان ظهور العيب أو المرض من شأنه أن يجعل استمرار الحياة الزوجية بين الاثنين أمرا مستحيلا ويكثر الشقاق بينهما. هل يمكن للزوج المتضرر من العيب طلب الفسخ في مثل هذه الحال؟ نجد في التشريع الاسلامي ثلاثة حلول لهذه الوضعية: 1) لا يمكن التفريق بين الزوجين لعيب في أحدهما وهو مذهب الظاهرية. 2) للزوجة الحق وحدها في طلب فساد الزواج إن كان زوجها مصابا بعيب تناسلي مانع من الاتصال الجنسي والزوج لا يكتسب هذا الحق وهو مذهب الأحناف. 3) لكل زوج الحق في طلب التفريق متى وجد عيبا بالآخر وهو رأي الجمهور إلا أن الخلاف حاصل بينهم ويتعلق بنوع العيوب وطبيعتها. ويعتبر ابن حزم الزواج باطلا من أصله حين قال: «فإذا اشترط السلامة في عقد النكاح، فوجد عيبا أي عيب كان فهو نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في إجازته ولا صداق فيه ولا نفقة، دخل أو لم يدخل لأن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، ولأن السالمة غير المعيبة بلا شك فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما» وقد جاء في فتح القدير على عكس رأيه: «ولو اشترط وصفا مرغوبا فيه كالعذرة والجمال والرشاقة وصغر السن فظهرت ثيبا عجوزا شوهاء، ذات شقّ مائل ولعاب سائل وأنف هائل وعقل زائل لا خيار له في فسخ النكاح». وقد خصّص لموضوع خيار العيب الفقيه ابن رشد فصلا في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد على غاية من الوضوح تحت عنوان خيار العيب(1). (1) «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لابن رشد الجزء الثاني صحيفة 50.