التراث المعماري للقيروان، بناؤه ودوره العسكري والاجتماعي فيه أكثر من حكاية ولبنة في مجد القيروان وإشعاعها الحضاري. لم يبق من أول أسوار القيروان التي أحدثها الوالي العباسي محمد بن الأشعث سنة 144ه/762م، وما يشاهد من أسوار في الوقت الحالي كان قد بني بعد تقلص عمران المدينة 460ه/1068م، وقد كانت من الطوب في أول بنائها، ثم تدارك ملوك الدولة الحفصية، وبعض فقهاء القيروان أجزاء منها. وقد بقي سور القيروان منذ التاريخ محافظا على رسمه الى أن آل الأمر الى الباي مراد الثالث سنة 1112ه/ 1701م فجعل عقوبة أهل القيروان المخالفين له هدم دورهم وتخريب أسوار مدينتهم. ولم يدم ذلك إلا يسيرا، لما اعتلى حسين باي عرش الايالة التونسية وجه عنايته نحو المدينة وأعاد بناء أسوارها بين سنتي 1117ه/ 1705م و1124ه/1712م. وشيد بعض أبوابها كباب الجلادين وباب الخوخة، ونحا نحوه ابناه محمد وعلي باشا الثاني في تعهد الأسوار وتجديد أبوابها وتواصلت الأشغال في ذلك في ما بين سنتي 1169ه/1756م و1185ه/1772م. سور عظيم وسور القيروان الحالي يحيط بالمدينة العتيقة من أغلب جهاتها ويفوق طوله 2.3 كم، وهو عظيم شاهق الارتفاع مقام من الآجر وينتهي بشرفات مستديرة الرأس وتتخلّله أبراج بعضها مستدير الشكل والآخر متعدّد الأضلع يتخذ لاستقبال المدافع. ويشتمل السور حاليا على ثمانية أبواب أغلبها من العهد الحسيني وبعضها تمّ فتحها في عهد قريب تيسيرا لحركة المرور من المدينة الى خارجها. ومن الأبواب الجميلة باب الجلادين (باب الشهداء حاليا) وهو مكون من عقدين مقامين على تيجان وأعمدة من الطراز العثماني وتؤرخ لوحة رخامية بها أبيات شعرية تاريخ تجديد البناء في سنة 1185ه/1772م. وقد جعلت تلك الأسوار لغايات دفاعية تدعمها أبراج دائرية وحصون وتخترقها عدة أبواب وهي مبنية بواسطة الآجر المشوي وجزئيا بتقنية الطابية. يتراوح علو هذه الجدران بين 4 و8 أمتار وتتوجها شرفات مستديرة، في حين يتخللها 20 برجا دائريا وحصنا مستطيلا ومتعدّد الأضلاع أعدّت لاستقبال المدافع. زخرفة تقتصر الزخرفة على العناصر النباتية والإبيغرافية، تحت الزخرف النباتي في الأجزاء العلوية لأعمدة الأبواب وهو الزخرف يحمل مميزات زخارف القرن 11م ويتكون من غصينات متشابكة تنبعث منها سعيفات تندرج داخل إطارات. تقدم أسوار القيروان مثالا مميزا للأسوار الافريقية المبنية بالآجر والتي أعيدت تهيئتها خلال الحقب الحديثة والمعاصرة لتتكيف مع التقنيات الدفاعية كما كان الحال عليه في أسوار قصبة سوسة التي بنيت خلال القرن التاسع وعرفت عدة أشغال للتوسعة خلال الحقب المتتالية. وقد شهدت الأسوار أشغال ترميم وصيانة قبل أعوام حاولت الى قدر كبير المحافظة على طابعها المعماري القديم. وقد شهدت مداخل المدينة بدورها أشغال تهيئة أضفت بعدا جماليا ساحرا على المدينة بمحافظته على النمط المعماري من المواد المستخدمة الى الزخارف. ناجح الزغدودي المرجع: مراد الرماح أسوار القيروان