بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي يبدو أن الجامعة العربية متفائلة جدا بما سيكون عليه العراق لا بما هو كائن عليه الآن، ولذا اختارت بغداد لعقد قمتها فيها عام 2011 هذا إن صدق ما تناقلته الأنباء. نعم، هي متفائلة لسبب واحد هو أنها لا تريد أن ترى المشهد كما هو عليه الآن، والى أين يمضي وما هي ملامح الآتي الذي سيحتضن هذه القمة. نقول أولا إن بغداد عاصمة عربية عظيمة، وهي جديرة بكل القمم التي ستعقد فيها لأنه بمجرد ذكر اسم بغداد تتناهى للسامع عناوين المجد والسؤدد. (بغداد يا بلد الرّشيد ومنارة المجد التّليد يا بسمة لما تزل خضراء في ثغر الخلود) كما قال عنها الشاعر في أغنية شهيرة. لكن أعداء بغداد لم يريدوا لها أن تبقى (منارة المجد التليد) ولا أن تبقى (خضراء في ثغر الخلود)، وقد حققوا ما نووا عليه بتدميرها وتحويلها الى عنوان لأندلس فقيدة أخرى، لغابة كانت كثيفة الأشجار فأصبحت خرابا ويبابا. بغداد اليوم ليست بغداد الأمس، ليست بغداد الذكريات المثرية الحافلة بل هي عنوان لمرثاة طويلة نندب فيها مجدا أطيح به على يد عملاء ومرتزقة نصّبتهم قوات غازية تعرف من هم؟ والى أين جاؤوا؟ وماذا يريدون؟ بغداد مدينة منكوبة بكل معنى الكلمة ولا تصلح أن تكون واحة لقاء عربية أبدا، بغداد الآن هي بغداد بالاسم لكن في الواقع لا، هي ليست بغداد الظليلة الوارفة الممتدة على جانبي دجلة، بغداد الرصافة والكرخ حيث: «عيون المهابين الرصافة والجسر جلبن الهوا من حيث أدري ولا أدري» وإذا كان للجامعة العربية أن تفعل شيئا لبغداد فهو أن تضع شروطها على من هم في الحكم الآن، أن يعترفوا بأن العراق دولة عربية، وأن يبعدوا عنها النفوذ الفارسي المتحكم في كل المفاصل الأمنية والسياسية والاقتصادية، فالذي يحصل الآن قبيل الانتخابات من إبعاد للقوائم (بلغ 15 قائمة) زائدا خمسمائة شخصية تقدمت بالترشيح هو مشيئة إيرانية، جاء بها متكي لبغداد وبدلا من مواجهته، بما حصل من احتلال لآبار الفكة النفطية وجزيرة أم الرصاص رضخوا لأوامره العليا فأبعدوا كل من نطق باسم العروبة، وتحدث عن انتماء العراق العربي، وليس الفارسي، ولا الخاضع في سياسته الخارجية للهوى الكردي الذي لا يخفي نهمه للسيطرة على الأرض العراقية بحجة كرديّتها، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فعلينا أن لا ننسى ما اتفق عليه أخيرا من تشكيل قوة مشتركة من قوات الاحتلال الأمريكي والبيشمرغة الكردية ومن الجيش الحالي وذلك للتواجد في المناطق المتنازع عليها وعلى رأسها مدينة كركوك التي تشكل رمز الإخاء العراقي. إن هذا الاتفاق يعني أن كركوك كما أن قوات البيشمرغة هي قوات أمنية محلية في المدن الكردية فكيف تعطى هذا الدور؟ وكان أهل كركوك على حق عندما أعلنوا رفضهم لهكذا قرار سيسرق منهم مدينتهم لأنها آخر مطلب كردي ملح رئيسي ليقيموا كيانهم البيشمرغي على ما استلب من أرض العراق العربي بحجة ضمها الى إقليم كردستان. إن بعض أصحاب القوائم الذين أبعدتهم المشيئة الايرانية وحرمتهم من حقهم السياسي مادام هناك من يؤيدهم، وخاصة قائمة الحوار الوطني للسيد صالح المطلك لم يجدوا وقد ضاقت بهم السبل إلا الجامعة العربية لتحكم بينهم وبين من (اجتثّهم) مما يسمى (العملية السياسية) وكانوا في صلبها منذ بداية الاحتلال، أقول لم يجدوا بعد أن أغلق المحتلون آذانهم عنهم إلا الجامعة العربية فشكوا أمرهم لها فبعثت الجامعة بالأمين المساعد بن حلّي لبغداد، ولكن مع من يتحدث؟ ومن هو صاحب القرار الذي يعطي الحق لهذه القوائم والشخصيات التي لا نختلف أن هناك ألوفا يؤيدونها؟ سيذهب آخرون بعد بن حلّي، ولكن ما جرى لن يتم التراجع عنه. وأقول من كل قلبي دون أن أشكّك في النوايا الطيبة للجامعة العربية: ليت وساطتها تنفع! إن بغداد تلعق جراحها، وتحاول إيقاف النزيف، فعن أي قمة عربية نتحدث وهناك خمسة ملايين لاجئ، وأكثر من ثلاثة ملايين مشرد، والفرز الطائفي أخذ شكله أحزابا ومدنا بل ومحلات داخل مدينة واحدة! أي قمّة عربية والسلطة الموجودة في بغداد تتنكر حتى لانتماء العراق العربي وتريده هكذا هائما على وجهه بلا هوية؟! ما خرّبه الاحتلال وعملاؤه لن تعيد بناءه قمة للجامعة العربية. وعلى فكرة أين ستعقد؟ هل هناك مكان غير المنطقة الخضراء؟