شنّ مسلحو «طالبان» أمس هجوما جريئا على أهداف استراتيجية في وسط العاصمة الأفغانية كابول، وفجر انتحاريون أنفسهم في عدة مواقع فيما خاض آخرون معركة ضارية بالأسلحة الخفيفة في محاولة للسيطرة على مبان حكومية، وعلى الرغم من فشل عناصر التنظيم في تحقيق ما أعتقد انه هدفهم الرئيسي إلا انهم حققوا أهدافا عديدة. اختارت القيادة الأمريكية لقوات الحلف الأطلسي العاملة في أفغانستان منذ قدوم الرئيس باراك أوباما الانسحاب من المناطق المفتوحة والتحصّن بالمدن المكتظة بالسكان، في محاولة لتثبيت سيطرتها على مراكز المقاطعات والولايات الأفغانية لكن ذلك مكن حركة «طالبان» من مساحات أكبر بكثير من تلك التي كانت تتحرّك فيها قبل تطبيق القوات الأطلسية لتلك الخطة. وقد ساهم ذلك في تمكين الحركة من بسط نفوذها على معظم الأراضي الأفغانية كما مكّنها من استعادة نفوذها لدى سكان القرى التي هجرها جنود الاحتلال وأهملها حرس قرضاي، وذكرنا في وقت سابق كيف ان التقارير الغربية الأخيرة تتحدث عن تأسيس الملا عمر زعيم الحركة لحكومة ظل في البلاد وهي تمارس مهام القضاء والجباية وغيرها من المهام التي فرطت فيها السلطات الأفغانية الأمريكية. ومن جانب آخر نجد ان الحركة أصبحت تتحرّك في كامل الولايات الأفغانية بسلاسة أكبر فيما بقيت العاصمة الملاذ الوحيد للحكومة الأفغانية وقيادات قوات واستخبارات التحالف وهو ما جعل «طالبان» تسعى الى زعزعة صورة الاستقرار المعلقة على شرفات القصر الرئاسي وبقية المباني الحكومية، مع إظهار قدرتها على خوض معارك طويلة بالقرب من غرف نوم كل من الرئيس الأفغاني والقائد الأعلى لقوات الحلف الأطلسي ستانلي ماكريستال. وكانت هجمات الحركة في ما مضى تقتصر على توجيه بعض الصواريخ من بعيد نحو تلك المباني الحكومية أو استهدافها بسيارات أو أشخاص مفخخين. لكن هذه هي المرة الأولى التي تثبت فيها «طالبان» قدرتها على الصمود ولو ب20 انتحاريا فقط. وهي رسالة واضحة للاحتلال وعملائه وربما تعمدت الحركة إفشال المهمّة لأن ذلك هو المهمّة في حدّ ذاته، حيث يرى المحللون إنها قالت بوضوح: «اليوم أرسلت 20 مقاتلا وصمدوا لأربع ساعات بالأسلحة الخفيفة فما بالك لو أرسلت غدا آلافا منهم». وقال قرضاي بعد أكثر من أربع ساعات على انطلاق العملية «الوضع الأمني تحت السيطرة». صدق قرضاي لكن ربما أرادت الحركة أن يستعيد خصمها السياسي السيطرة الأمنية فيما تؤكد هي سيطرتها السياسية وذلك ما تريده من وجهة نظر معظم المتتبعين للشأن الأفغاني. ومن المؤشرات التي تؤكد هذا الاتجاه في القول نجد أن حركة «طالبان» استولت قبل أيام على عدد من المدرعات وقد استعملت في هجوم الأمس واحدة منها وهو ما يؤكد أن الحركة لم ترم من خلال هذه العملية إلى الاستيلاء على المباني الحكومية أو ماشابه، بل كانت تريد إيصال رسالة واضحة فحواها «انها قادرة على إدخال العاصمة في حالة من الفوضى وإنها أصبحت أكثر قوة وقدرة من ذي قبل». ولعلّ رسائل «طالبان» لم تقتصر على قوات الاحتلال وأتباعها في العاصمة بل وجهت أيضا إلى المواطنين، وكان في الهجوم استعراض للقوة التي تمتلكها الحركة و«إرهاب» لمن يتعاطف مع حكومة قرضاي. إذن ومن خلال هذه المعطيات يمكن أن نتوقع إقدام الحركة خلال الأيام القادمة على القيام بهجوم يكون أوسع وبعدد أكبر من المقاتلين إذا لم تقرأ رسائل هجوم الأمس قراءة واضحة وصحيحة.