لدينا مسؤولون مُحتَرمون. إلاّ أنّ لدينا أيضًا مسؤولين من نوع عجيب...ما أن يتربّع أحدهم على كرسيّه حتّى يتحوّل إلى «ممحاة» هائلة في هيئة بني آدم، ويشرع في مسح ذاكرة المؤسّسة من آثار سابقيه...يبدأ بقراراتهم فيلغيها، ويمرّ إلى مشاريعهم فيمحوها، ثمّ ينبري إلى المجتهدين فيقصيهم، وإن كان فيهم من يماثل الحدّاد في أفكاره والشابّي في أشعاره والقمّودي في مضماره...لا يهمّه إن كان بذلك يضرّ بمصلحة المؤسّسة والبلاد ويحرمهما من أفضل طاقاتهما...فالمهمّ بالنسبة إليه «الموالون» لا «الأكفاء» و«الطمّاعون» لا «النزهاء». هكذا أصبحنا نسمع جعجعة المسؤولين وجلوسهم «الطويييل» إلى حدّ التثاؤب على كراسيهم «الوثيييرة»، دون أن نرى ما يتطلّبه ذلك من عمل وأفكار ومشاريع ونتائج...وكأنّ المسؤوليّة أصبحت نوعًا من «اليوغا»، مع فارق أنّها في نسختها التونسيّة، لا تتجاوز تلك الوضعيّة التي نطلق عليها اسم «الركشة» لوصف القعود في الدفء وعدم عمل أيّ شيء!! ولمّا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد تذكّرتُ في هذا السياق نصّا لمونتيسكيو قال فيه: «إنّ الإنقليز مشغولون جدًّا لذلك لا وقت لديهم كي يكونوا مُهذّبين»...وهو كما نرى، كلامٌ لا يخلو من الظلم لشعب لا يخلو من المُهذّبين...إلاّ أنّي أسمح لنفسي باستلهامه لأقول دون ظلم: إنّ بعض مسؤولينا مشغولون جدًّا، لذلك لا وقت لديهم كي يكونوا «مسؤولين»!!