أيام قليلة فقط تفصلنا عن انتهاء تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009، والتي تركت انطباعات مختلفة لدى أهالي الجهة بعد سنة عاشت فيها المدينة حراكا ثقافيا وفكريا متنوعا واسترجعت بالتالي منارتها الحضارية الإسلامية. فالقيروان تعيش هذه الأيام حركية استثنائية استعدادا لحفل الاختتام الذي تزامن مع المولد النبوي الشريف. ومن أبرز الفقرات التي أعدت لهذا الحدث هو عرض للموسيقى الصوفية تحت عنوان «بحور العشق» من انجاز الفنان خالد بن يحيى. هذا العرض سيشارك فيه عدد كبير من العازفين والفنانين منهم الشيخ أحمد جلمام والفنانة عبير النصراوي ويتضمن فقرات موسيقية ووصلات من الانشاد الصوفي وسيحتضنه المركب الثقافي أسد بن الفرات بالقيروان يوم 25 فيفري القادم. كما سيرفع الستار عن المجسم التذكاري الذي يخلد هذه التظاهرة والذي صممه باتقان الفنان التشكيلي حسين المقدادي وأشرفت عليه بصفة كلية وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، وتميز بدراسة تقنية جميلة خضع على اثرها إلى مراقبة فنية من قبل مكتب مراقبة مصادق عليه، وتم الشروع في انجازه مع بداية شهر جانفي 2010، غير أن قصر المدة جعلت هذا المشروع مباشرة بين «أيدي» السيد وزير الثقافة شخصيا من خلال المتابعة اليومية قصد الوصول به في الآجال المحددة على حد تعبير أحد مسؤولي الوزارة. هذا المجسم الذي يبلغ طوله 9 أمتار، انتصب قبالة أجمل الأبواب القيروانية وهو «باب الخوخة» وعلى بعد 15 مترا من سور المدينة، ثم ما يربو على 500 متر من جامع عقبة بن نافع، وقد أنجز بتقنيات حديثة نظرا إلى ضخامته وشكله المخالف للسور كي يعطي أكثر جمالية، وهو معلم شاهد على العصر ولم تتجاوز تكاليفه الجملية 100 ألف دينار. غير أن إرادة الناس خيرته أن يكون معلما كبيرا بقطع النظر عن ثمنه (مثلما قال الفنان حسين المقدادي). ويتكون هذا المعلم الذي يحتفي بالقيروان الروحية من الرق الأزرق الشهير والخط الكوفي القيرواني والحرف البارز فيه هو الألف باعتباره أول حروف الهجاء، كما يحتفل بالخط والمخطوط المذكر بعصر الدعوة التي جعلت من قيم الدين السمحة وسيلة لترغيب الناس فيه، ويهدف المجسم أيضا إلى التأكيد على أهمية العلم والدين. ويذكر ان الفنان حسين المقدادي سبق له أن أبدع في عديد المجسمات سواء في القيروان أو في ولايات أخرى. وقد صمم سابقا مجسم الزربية في مدخل المدينة من الجهة الشمالية، ثم جدارية الشعراء المتواجدة بالقرب من فسقية الأغالبة والتي ترمز إلى القيروان الأدبية والشعرية والتي نالت اعجاب الشاعر الكبير نزار قباني، هذا إضافة إلى مجسم الاسطرلاب المتموقع أمام «سيدي الصحبي» والذي يحكي في الشارع عبر هذا المعلم عن القيروان العلمية.