لأكثر من 7 ساعات تواصلت أشغال المجلس البلدي بصفاقس أول أمس الاربعاء وسط حضور كبير من المواطنين لم تتسع لهم القاعة عبروا بالهتافات والتصفيق والصياح بل بالنشيد الوطني عن رفضهم لمشروع المناطق الزرقاء الذي شكل الجزء الأكبر من مداولات آخر دورة عادية للمجلس البلدي قبل انتخابات ماي المقبل. أهمية ملف المناطق الزرقاء في أذهان الناس جعل الحضور لافتا للانتباه ومثله عدد كبير من المحامين والأساتذة الجامعيين والأطباء ورجال الأعمال والحرفيين وغيرهم من المواطنين ومكونات المجتمع المدني، وقد أصر الحضور على ترديد النشيد الوطني قبل مداولات المجلس وسط هتافات وهرج ومرج جعلت رئيس المجلس يتدخل في أكثر من مناسبة لتهدئة الوضع حتى يتسنى للمجلس الانطلاق في أشغاله التي تضمنت 13 نقطة، وقد خير المجلس وضع ملف المناطق الزرقاء في آخر الترتيب وهو ما رأى فيه الحضور تكتيكا مبيتا من البلدية لإفراغ الموضوع من محتواه والدفع بالحضور الى مغادرة القاعة بعد الساعات المضنية من الانتظار. لكن الحضور أصر على متابعة الموضوع الى ساعة متأخرة من ليلة أول أمس بل ان بعضهم سارع بإصدار بيان احتجاجي أمضاه العديد من المواطنين يتهمون فيه البلدية بمحاولتها الجادة في إفراغ المجلس من محتواه ومن حضوره... حضور مكثف المجلس البلدي بصفاقس يضم بالاضافة الى الرئيس، 40 عضوا لم يحضر منهم الا 31 مستشارا، وقد انقسم المجلس على نفسه في أكثر من مناسبة مما أوحى للحضور من البداية بتشنج الأعضاء الذين تحدث أغلبهم باستحياء شديد حول أهمية المناطق الزرقاء في تنظيم حركة المرور بصفاقس. مداخلات المستشارين كانت متقطعة في أغلبها بسبب الحضور الذين تسمروا بالقاعة وأصروا على الاستماع الى كل كلمة ينطق بها المستشارون مع حرصهم على الرد والتعقيب على كل لفظ يساند المناطق الزرقاء، وقد انحصر النقاش بين 13 عضوا فقط في حين فضل البقية الاكتفاء بالانصات تحسبا لردة فعل الحضور الذي نجح في الدفع برئيس المجلس البلدي الى تقديم موضوع المناطق الزرقاء عن موعده المحدد في جدول الأعمال بعد 3 ساعات تقريبا من المداولات. النقاط المعروضة على المجلس حول المناطق الزرقاء تم تلخيصها في 3 محاور هي اقرار بعض التعديلات مع اعادة النظر في قائمة الأنهج والشوارع وأخيرا تكوين لجنة لمواصلة الدراسة وهو ما رأى فيه بعض المستشارين النائب عبد اللطيف الزياني تناقضا واضحا مقترحا بالتالي إلغاء النقطة الثانية ليستقيم المعنى. 13 تدخلا بعضها مطول والبعض الآخر مقتضب اتفقت في مجملها على أهمية مشروع المناطق الزرقاء في تنظيم حركة المرور بصفاقس، لكن تدخلات المستشارين بينت أن الاجتهاد لم يكن صائبا وكان الأجدر التعمق في الدراسة وتحضير البنية الأساسية من مآوى ونقل عمومي ميترو كما اتفقت كل التدخلات تقريبا على ضرورة الاستماع الى نبض الشارع وما راج في الصحف من استهجان للمشروع. البعض الآخر من المستشارين البلديين ومنهم كاتب عام جامعة صفاقسالمدينة السيد جمال الهبيري اتجه الى مراجعة وضعية بعض المآوى للعمل بنظام الحصة المسترسلة وهو نفس الرأي تقريبا الذي ذهب اليه رئيس منظمة الأعراف بصفاقس السيد عبد اللطيف الزياني الذي استغرب غياب مقترحات الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة في الوثائق المقدمة للمستشارين مؤكدا مرة أخرى ضرورة الانصات للمواطن والصحافة تجسيما لقرارات الرئيس زين العابدين بن علي في الغرض. نقاشات متنوعة تدخل المستشار البلدي المنصف المصفار كان في مجمله متناغما مع نبض الشارع ليبرز أن المشروع «وضع المجلس في موقف محرج للغاية» مناديا بضرورة تأجيل الموضوع برمته للمجلس اللاحق. وهو ما جاء في جزء منه في تدخل السيدة روضة كعنيش النائبة الجهوية لاتحاد المرأة بصفاقس والتي دعت الى مزيد التريث ودعمها في ذلك الكاتب العام لجامعة صفاقس السيد جمال الهبيري الذي ثمن دور التجمع الدستوري الديمقراطي في السرعة في معالجة الوضع مبرزا دور السلط الجهوية في اقرار بعض التعديلات والتخفيضات بما يراعي مصلحة المواطن. المستشار عبد العزيز الرباعي لخص كلامه في جملة واحدة «تجنبوا غضب الشارع» وهو ما اتجه اليه المستشار عبد القادر الغنوشي الذي نادى بضرورة مزيد التريث ومراعاة مصلحة المواطن وهو تقريبا ما توقفت عنده السيدة سناء كسكاس ودلندة الزحاف وليلى يعيش وراقية العموص. بعض التدخلات الأخرى كانت خارج الموضوع أو في مواضيع تجاوزتها الأحداث أصلا، وقد كان لرئيس البلدية السيد محمد الحاج طيب موقف مغاير نادى فيه بضرورة التمسك بما هو معروض على المجلس، وقد عبر في أكثر من مناسبة عن أن بعض التدخلات هي حملة انتخابية سابقة لأوانها. الرئيس محمد الحاج طيب استغل المجلس والحضور الجماهيري الكبير ليتحدث عن انجازات البلدية في 5 سنوات مبينا أن البلدية هيكل دستوري متواصل مع المجلس الحالي واللاحق وأن بلدية صفاقس لم تشرع المناطق الزرقاء الا بسبب التطور والرفاه الاجتماعي وكثرة السيارات التي بلغ عددها 136 ألف سيارة بصفاقس وهو ما أثر على حركة وسيولة الجولان. تعديلات.... لكن وبلغة الأرقام قال محمد الحاج طيب إن البلدية وبعد أن كانت متجهة الى 5100 مكان سيارة بالاستخلاص خفضت العدد الى 2140 فقط وهو ما يعني عنده ديمقراطية بلدية صفاقس وتناغمها مع نبض الشارع والصحافة كما قال وهو ما يؤكد صحة ما ذهبت اليه «الشروق» في عدد سابق وبينت قبل المجلس أن البلدية أسقطت 53 بالمائة من الأماكن المخصصة للسيارات مقابل الدفع بنظام «البارك ماتر». ومواصلة في رده الذي تجاوز نصف الساعة، تلقف رئيس البلدية تدخل أحد المستشارين ليمعن في تحليله ويبرز أن المناطق الزرقاء تلونت وبات بعضها أحمر ممنوع الوقوف والتوقف والبعض الآخر أصفر خاصا بالادارات والمؤسسات التربوية ولونا أبيض بالمجان، ودفاعا عن موقفه تحدث رئيس البلدية بالعربية والفرنسية وعاد الى المصطلحات القانونية مستحضرا أبياتا من الشعر والأقوال المأثورة في أكثر من مناسبة. التصويت لم يكن أقل حرارة من النقاش في جلسة عادية عدت من أسخن المجالس على الإطلاق في 5 سنوات هي عمر المجلس البلدي الحالي، إذ احتفظ 4 مستشارين بأصواتهم في موضوع إقرار التعديلات واحتفظ 5 منهم في تحديد الأنهج مع تسجيل اعتراض وحيد للسيد عبد اللطيف الزياني في ذات النقطة، أما موضوع تكوين لجنة لمواصلة الدرس فقد حظيت بإجماع كامل المجلس البلدي بصفاقس. حرارة الأجواء داخل المجلس تواصلت خارجه في وقت متأخر من مساء أول أمس الاربعاء، فقد خرج الحضور بانتقادات شديدة للمجلس البلدي واتهموه بعديد التهم آملين في مجلس بلدي لاحق يتناغم وتطلعات الشارع ونبضه... والسؤال المطروح: هل سيواصل المجلس في «الدراسة» حتى يؤجل الملف للمجلس اللاحق حتى يتسنى له الخروج من عنق الزجاجة؟ كل الامكانيات باتت واردة مادام عمر المجلس الحالي المتبقي هو 73 يوما حسب حسابات رئيس البلدية السيد محمد الحاج طيب الذي نجح في تمرير المشروع رغم الاعتراضات والانتقادات.