٭ تونس «الشروق»: إعداد: النوري الصّل حلّت أمس الذكرى الحادية والعشرون لتأسيس اتحاد عمال المغرب العربي.. هذه الذكرى التي تعيد الشعوب المغاربية وقادتها إلى ارهاصات نشأة الاتحاد المغاربي ممثلة في حجر الأساس الذي وضعه المناضلون المغاربيون خلال كفاحهم التحرّري في مواجهة الاستعمار لكنها تطرح في الآن نفسه نقاط استفهام حول مصير هذا المشروع الذي بقي خلال السنوات الأخيرة مجرّد حلم يراود الجيل الجديد.. وإذا كانت ولادة الاتحاد المغاربي ثمرة عمل نضالي آمنت به قيادات وشعوب المغرب العربي كخيار استراتيجي حتمي لتحقيق التكامل والوحدة المتجذرين في وجدانها فإن هذا المشروع بقي يراوح مكانه منذ قمة عام 1994 . ففي الوقت الذي قطعت فيه دول أخرى خطى عملاقة وحققت إنجازات هائلة في إطار تكتلات قوية في كل من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية فإن البلدان المغاربية وعلى الرغم من العوامل المشتركة كاللغة والدين والتاريخ والجغرافيا فإنها فشلت في بناء تكتّل إقليمي قوي قادر على مجابهة التحديات المتعاظمة داخليا وخارجيا.. إن اتحاد المغرب العربي ليس مجرّد فكرة أو مجرّد حلم طوباوي بل هو مشروع له ما يسنده تاريخيا وجغرافيا واستراتيجيا وما يحتم الإصرار على التمسّك به حاضرا ومستقبلا في سياق السعي إلى بعث تكتل مغاربي بات قيامه ضروريا أمام الكيانات القطرية.. وبالتالي فقد أصبح التكتّل المغاربي في عالم اليوم خيارا ضروريا وحيويا تمليه التطورات التي يشهدها والمنطقة العربية بشكل خاص يمهّد الطريق أمام الدول المغاربية لتحقيق التكامل الذي سيكون السبيل الوحيد لبقائها ووجودها في عالم اليوم.. في هذا العدد الجديد من الملف السياسي تتحدّث ل«الشروق» شخصيات مغاربية وهم السادة: علي حفظ الله (نائب جزائري) عمر الطيبي (محلل سياسي مغربي) عبد اللّه العبيدي (محلل استراتيجي تونسي) كاتب مغربي : الاتحاد المغاربي مازال حيا... رغم الجمود تونس الشروق : أكّد الكاتب والمحلّل السياسي المغربي الاستاذ عمر الطيبي في لقاء مع «الشروق» أن الاتحاد المغاربي يبقى خيارا استراتيجيا لا بديل عنه رغم ما اعتراه من جمود وفشل وفراغ... السيد عمر الطيبي دعا في هذا الصدد النقابات والشعوب في البلدان المغاربية الى إبقاء جذوة العمل المغاربي حيّة معتبرا أن المرحلة القادمة تحتّم خلق ديناميكية جديدة على هذا الصعيد. وفي ما يلي هذا الحوار: بعد مرور 21 عاما على تأسيس اتحاد عمّال المغرب العربي... ما تشخيصكم لواقع العمل المغاربي اليوم... وما هي برأيكم فرص تفعيله وإحيائه؟ أنا أريد أن أبدأ هنا من ذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد... ولعلّ الجميع يذكر كيف أن هذه الجريمة فجّرت حينها مظاهرات وصدامات كبيرة مع الاستعمار الفرنسي... هذا يبيّن كم كنّا حاضرين ومؤثّرين في صناعة الأحداث وكم كانت الروح المغاربية حية وقوية وكم كانت جذوة الانتماء المغاربي مشتعلة رغم أن الاعلام المغاربي لم يكن في ذلك الوقت بالقوة التي هو عليها اليوم... الآن عندنا إعلام قوي وفضائيات عديدة ولكن رغم ذلك لا نرى تجاوبا مع ما يحدث من جمود مغاربي... أظن أننا الآن نمر بمرحلة فراغ كبيرة... هذا الفراغ لن يملأه إلا الاتحاد المغاربي. كيف...؟ وهل ترى أن المناخ القائم والظرفية السياسية التي تشهدها المنطقة يساعدان فعلا على ذلك؟ صحيح أن هناك صعوبات كبيرة وعراقيل كثيرة لكن لا خيار لبلدان المغرب العربي الا الاتحاد المغاربي... وبقدر ما كان هناك صعوبات... هناك في المقابل أيضا أمل وإرادة شعبية كبيرة لاعادة الاعتبار الى الهيكل المغاربي رغم ما يعتريه من وهن... أكيد أن الشعوب والمجتمع المدني والنقابات لهم إرادات كبيرة... كذلك أستطيع أن أؤكد أن الاتحاد المغاربي لا يزال حيا في بعض المجالات... ففي الرياضة والثقافة مازال الاتحاد المغاربي حيا... ومازلنا نشعر بالوحدة المغاربية... هذا يحسسنا بأنفسنا وبانتمائنا المغاربي... وهي عناصر لابد أن نأخذها بعين الاعتبار لكن الاعلام عليه لعب دور أساسي في احياء هذا الهيكل المغاربي... لكن هناك من يعزو كل هذا الفشل المغاربي الراهن الى السياسة... فهل توافق على مثل هذا الرأي؟ في الحقيقة الارادة السياسية أيضا موجودة... وهذه الارادة أساسية وضرورية من أجل إحياء الاتحاد المغاربي لكن المشكلة أن هناك بعض المشاكل التي لا تساهم في بناء الصّرح المغاربي... كذلك العمل النقابي تراجع الى حد ما في مختلف الدول المغاربية ولكن أظنّ أن المرحلة القادمة تفرض علينا اعطاء ديناميكية جديدة للعمل المغاربي لعدّة اعتبارات منها تغوّل العولمة الاقتصادية في مواجهة العمّال... كذك الأزمةالمالية أحدثت زلزالا قويا في أوروبا... وطبعا هذا كان له انعكاس على الحركة النقابية المغاربية... لكن المفروض اليوم أن تجد التناقضات والخلافات القائمة الحل في إطار الاتحاد المغاربي... وليس خارج هذا الهيكل ... هذا ضروري لتصحيح المسار للسير نحو الوحدة ولتشكيل تكتّل حقيقي وخطاب قويّ وموحّد في مواجهة التكتّلات الدولية الاخرى. محلل سياسي تونسي : النقابات المغاربية عنوان الوحدة ...واليد الصهيونية«تتغلغل» في المنطقة تونس «الشروق»: حوار أمين بن مسعود: دعا الخبير الاستراتيجي عبد الله العبيدي الى ضرورة معالجة ومراجعة تامة للعمل المغاربي المشترك والى حتمية الفصل بين الجانب السياسي والجانب الاقتصادي لإحياء الوحدة من جديد منوها بالدور الكبير والفاعل الذي تضطلع به النقابات وجمعيات المجتمع المدني في هذا الإطار. واعتبر الاستاذ العبيدي أن على نقابات المغرب العربي الكبير أن تعود الى نضالها الأصلي وأن تكتسب قوتها ونفوذها من منخرطيها فحسب وأن لا ترتهن بأية قوة أخرى لاسيما وأن التاريخ المعاصر يؤكد لنا أن النقابات كانت دائما طرفا في حركات التحرر الوطني. وأضاف أنه يتوجب على هذه النقابات التنسيق في ما بينها وان تشكل نموذجا يحتذى على المستوى المغاربي في الوحدة والوئام طالما أنها تمثل القوى الحية والفاعلة في المجتمعات. تعلات واهية وفي حديثه عن المغرب العربي وصف المتحدث كافة التفسيرات والأسباب التي تساق لتبرير تعثّره ب «التعلات الواهية» موضحا أنه آن الأوان لوضع هذه المشاكل الحاصلة فعلا على جنب والتركيز على النقاط المشتركة. وأردف أنه طيلة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا والولايات المتحدةالأمريكية كانت التجارة البينية مستمرة وكان تبادل البضائع متواصلا. وأوضح أن تكلفة بناء المغرب العربي أقل بكثير من تكلفة تأسيس الاتحاد الأوروبي نظرا للوحدة اللغوية والحضارية والثقافية الرابطة بين الشعوب المغاربية مبينا أن قيام الاتحاد المغاربي سيوفر سوقا استهلاكية كبرى قادرة على استقطاب المستثمرين الأجانب ودفع عجلة الاقتصاد الى الأمام. وأبرز أن بمثل هذه الوحدة المغاربية ستلهث أوروبا وراءنا و ستبحث عن شراكة معنا عوضا عن الواقع الحاصل حاليا. وقال الاستاذ العبيدي في هذا السياق«الإشكال أننا في المغرب العربي شعوب موحدة نبحث عن إطار نظري يجمعنا في حين أن الشعوب الأوروبية موحدة نظريا تسعى الى إيجاد وحدة حقيقية وبشتى الطرق» وأضاف أن هذه الوحدة المغاربية تتجلى في المظاهرات المليونية التي خرجت في العاصمة المغربية «الدارالبيضاء» حزنا على استشهاد الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد. وأشار الى أن كافة التكتلات الدولية الكبرى تراجع سياساتها وتقارب واقعها بكل موضوعية وحياد لضمان نجاحها ولاستشراف مستقبلها ولتحديد الأدوات والآليات. مؤامرات صهيونية وحذر العبيدي من مخاطر المؤامرات الطائفية التي تتهدد المغرب العربي. ونقل عن مصادر مطلعة بأن إسرائيل نجحت في استقطاب بعض القبائل وفي تحريضهم على « المغاربة العرب» بدعوى أن إسرائيل واليهود أقرب إليهم من العرب ونبه الى المخاطر التي تلوح من خلال إحداث الفتن في الوطن الأم وخلق هويات مصطنعة جديدة مؤكدا أن صدّ هذه المؤامرات الغربية الصهيونية يكون عبر الوحدة المغاربية... نائب جزائري: مطلوب «خريطة طريق» سياسية مغاربيّة تونس «الشروق»: دعا النائب في البرلمان الجزائري السيد علي حفظ الله في لقاء مع «الشروق» القادة المغاربيين الى عقد جلسة واعية وجادّة تتمخض عن خطة سياسية وتؤسس لعمل مغاربي أكثر نجاعة وفاعلية. وأعرب السيد علي حفظ الله في هذا الصدد عن أمله في أن يشهد العام القادم تحركا نوعيا في هذا الاتجاه يفضي إلى إعادة الحياة الى الهيكل المغاربي مؤكدا أنه ليس هناك ما يبرز استمرار حالة الجمود التي يعيشها الاتحاد المغاربي اليوم وأضاف إن الأمل الكبير اليوم في أن يتفهم القادة السياسيون أسباب الفشل الذي يعتري العمل المغاربي وأن يضعوا هدف إحياء اتحاد المغرب العربي في أولوياتهم وتابع لقد بات مطلوبا تجاوز القائم من أزمات وعقبات والعمل على تبادل الزيارات والخبرات السياسية والاقتصادية من أجل تحويل أماني الشعوب المغاربية الى واقع وشدد السياسي الجزائري في هذا الصدد أيضا على أهمية العمل النقابي من خلال عقد لقاءات مشتركة بين مختلف النقابات المغاربية وأضاف إن مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات تصنع مشروعا مغاربيا من أجل الوصول الى الهدف المغاربي المشترك الذي تتطلع إليه كل الشعوب المغاربية. كما دعى السيد علي حفظ الله الى تفعيل الجانب الاقتصادي وتوسيع مجالات الحركة الاقتصادية بين مختلف الدول المغاربية معتبرا أن العمل الاقتصادي المغاربي ظل بدوره «حبيس» القرارات والخلافات السياسية ولم يصل الى المستوى المأمول وأكد في هذا الاطار أن الاتفاقيات الموجودة بين تونسوالجزائر مثلا مهمة جدا تستوجب البناء عليها والعمل على مزيد تفعيلها في الوقت نفسه. محطات مضيئة في الكفاح من أجل الوحدة المغاربية تونس (الشروق): في ما يلي نبذة عن النشاط السياسي على المستوى المغاربي للنقابات العمالية في دول المغرب العربي خلال مرحلة الكفاح الوطني في الخمسينات والستينات من القرن العشرين من خلال المؤتمرات التي عقدها قادة الحركات النقابية والمبادئ التي نادوا بها والبرامج السياسية والاقتصادية التي طرحوها لحل بعض المشاكل التي تعترض العمل المغاربي المشترك. مؤتمر تونس 1947 1951 تعود أولى خطوات النشاط السياسي للحركات النقابية المغاربية الى الاتحاد العام التونسي للشغل من خلال مؤتمره السياسي الذي انعقد عام 1947 حيث أكد في بيانه التأسيسي على ضرورة توحيد أقطار المغرب العربي بإضافة ليبيا الى الخارطة السياسية للمنطقة بعد ما كان مصطلح المغرب العربي قبل هذا التاريخ يقتصر على تونسوالجزائر والمغرب الأقصى. وتأكيدا على هذا النشاط السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل بحكم المرحلة التي يعيشها كمرحلة كفاح وطني ضد الاستعمار بكل صوره وتلاحمه النضالي مع مناضلي منطقة المغرب العربي وُجّهت الدعوة الى قادة الحركات النقابية في كل من ليبيا والجزائر والمغرب لحضور المؤتمر الرابع للاتحاد المنعقد في ماي 1951 بمناسبة عيد العمال العالمي. مؤتمر طنجة 1957 تناول فيه المؤتمرون العديد من القضايا الهامة التي تهمّ شعوب المنطقة ومن أهمها قضية تحرير أقطار المغرب العربي تحريرا كاملا من جميع القيود التي تربطه بالاستعمار ومن ثم أكد المؤتمر على تعزيز التضامن والعمل المشترك وحث الحكومات المغاربية على الاستقلال عن التبعية الأجنبية.. والعمل على إصدار عملة مغاربية موحدة. مؤتمر جنيف مارس 1958 أكد لقاء جنيف إصرار الحركات النقابية المغاربية على الاهتمام بأوضاع المنطقة السياسية ومتابعتها ذلك أن ظروف المنطقة المتمثلة في اشتداد النزعة الوطنية نحو الاستقلال وإجلاء المستعمر والحرب المستعرة في الجزائر ولذلك جاءت توصيات القادة النقابيين في هذا المؤتمر مؤكدة على مقاطعة فرنسا اقتصاديا والتشهير بها عبر وسائل الاعلام المختلفة على استقلالية الحركة النقابية في المغرب العربي. مؤتمر صفاقس أوت 1961 أكد المؤتمرون عزم الطبقة العاملة في الأقطار المغاربية الأربعة على مواصلة الكفاح المسلح لتحرير المغرب العربي الكبير تحريرا كاملا وتخليصه من جميع الرواسب الاستعمارية والقضاء على كافة مظاهر الهيمنة الأجنبية.