لم يكن افتتاح كنيس «ها حوربا» (باللغة العبرية) وتعني بالعربية «الخراب» أمرا مفاجئا فقد بدأ التخطيط لإعادة بنائه منذ عام 2001 وبالفعل وضعت الشركة القائمة على انجازه تصميمات وميزانية ضخمة تقدر بأكثر من 7 ملايين دولار تدفع منها الحكومة الإسرائيلية حوالي 3 ملايين دولار والبقية يتم تحصيلها من تبرعات الجماعات والمنظمات اليهودية. ولم تعارض الشخصيات العربية المقدسية وجود مثل هذا الكنيس على اعتبار وجوده في البلدة القديمة منذ قرون خلت (وكان خرابا) ولكن الخطر هو في المزاعم الصهيونية حوله واعتباره بداية لهدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم. وبذلك فهو يشكِّل منعطفاً كبيراً في العقيدة الصهيونية، ضمن مخططها لتهويد مدينة القدس، فوجود هذا الكنيس بهذا الوقت تحديداً وخلال هذا العام أمر لابد منه كما يزعمون كي تتحقق النبوءة الصهيونية المزعومة. ويحاول الصهاينة منذ أمد بعيد طمس الطابع الإسلامي لمدينة القدس وإضفاء الصبغة اليهودية عليها تمهيداً لبناء المعبد داخل مدينة داود المزعومة، وذلك بإحداث المتاحف الصهيونية التي تتحدث عن تاريخ مصطنع للشعب اليهودي داخل البلدة العتيقة، ومن خلال الأنفاق التي أصبحت كنساً ومزاراتٍ يؤمّها اليهود من الأصقاع كافة، والتي باتت تهدِّد بيوت المقدسيين والمسجد الأقصى بأسواره ومعالمه، والتي تشكِّل شبكة عنكبوتية أوجدت مدينة بأكملها أسفل البلدة العتيقة. وقد أقام الصهاينة خلال السنوات الأخيرة عدداً من الكنس الصهيونية والمتاحف التي حلَّت محل الأوقاف الإسلامية بجوار المسجد الأقصى، مثل: 1 كنيس حمام العين يوهيل يتسحاق (خيمة إسحاق): بناه الصهاينة على أنقاض حمام العين وأسموه يوهيل يتسحاق أي خيمة اسحاق افتتح في عام 2008. 2 كنيس مصلى المدرسة التنكزية: تعد المدرسة التنكزية أحد معالم المسجد الأقصى بناها تنكز الناصري خلال عام 724 هجريا،و قام الصهاينة بتحويلها إلى كنيس خلال عام 2008. 3 كنيس قدس الأقداس مقابل قبة الصخرة: أحد الكنس الموجودة داخل نفق الحائط الغربي وهي تقابل قبة الصخرة قام الصهاينة خلال نهاية عام 2008 بتحويلها إلى كنيس يهودي!. 4 كنيس قنطرة ويلسون أسفل المدرسة التنكزية: سميت بذلك نسبة إلى مكتشفها تشارلز ويلسون عام 1865 وحولها الصهاينة خلال عام 2005 إلى كنيس تقام فيه حفلات الزواج والبلوغ!. 5 قافلة الأجيال: متحف صهيوني تم افتتاحه في عام 2006 أسفل المدرسة التنكزية يتكون من ثلاثة فصول وسبعة فضاءات وهو يبث تاريخا مزورا لليهود على طول 3500 عام. 6 متحف البيت المحروق: أحد المتاحف التهويدية الموجودة في حارة الشرف داخل القدس العتيقة يحاول الصهاينة من خلاله بث فكرة الوجود اليهودي خلال 70 ميلاديا وملكيتهم للأراضي! 7 قلعة داود: قلعة باب الخليل قلعة قديمة جدا في القدس بناها هيرودس لأول مرة والقلعة اليوم إسلامية بحتة حولها الصهاينة إلى متحف لتنطلق منه كل رحلات التهويد!. وغيرها الكثير في محيط الأقصى حتى بات عدد الكنس في البلدة العتيقة يضاهي عدد المساجد والكنائس فيها، ومن هذه الكُنُس التي مازالت تُبنى لتخدم قضية التهويد والمزاعم الصهيونية القائمة على أساس نبوءات حاخامات مزعومة هناك. كنيس الخراب تم افتتاح هذا الكنيس في مدينة القدس العتيقة كأحد المعالم البارزة جداً والمرتفعة فيها، بجانب المسجد العمري الكبير داخل البلدة العتيقة في القدس الشريف على أنقاض حارة الشرف الإسلامية؛ التي قام الصهاينة بتحويلها إلى حارة اليهود بعد أن هدمت وبدِّلت معالمها، ويعدُّ هذا الكنيس أكبر كنيس يهودي بارز في البلدة القديمة، ويتألَّف من أربع طبقات، ويتميَّز هذا الكنيس بشكله الضخم وقبته المرتفعة جداً التي تقارب ارتفاع كنيسة القيامة، وتغطي على قبة المصلَّى القبلي داخل المسجد الأقصى للناظر للمسجد من اتجاه الغرب. لا شك أنَّ الروايات التاريخية اليهودية تسعى إلى عرض التاريخ العبري من خلال نبوءات حاخامات يهود أرادوا إيهام العالم أنَّ له موطئ قدم في الأحياء الإسلامية والمسيحية بمدينة القدس، وما هذه الروايات إلا محض افتراء وكذب تبرِّر لهم سرقة التراث الإسلامي، وسط صمت الدول والحكومات العربية والإسلامية، ولا مبالاة الدول والحكومات الغربية وربما تورطها في إعطاء الضوء الأخضر لبعض تلك الخطط. تبدأ المزاعم الصهيونية في إعادة بناء هذا الكنيس من رواية لأحد الحاخامات عرفت بنبوءة إيليا بن شلومو زلمان المعروف بجاؤون فيلنا والتي ادعى فيها في القرن الثامن عشر ميلاديا، أن بناء المعبد (الهيكل) يكون في النصف الثاني من الشهر الثالث من عام 2010. وقد ادّعى بعض الصهاينة بأن بناء هذا الكنيس، هو بشارة إلى أن الهيكل سيبنى مرة أخرى وقد روج بعض المستوطنين الصهاينة لهذه الأوهام على أمل منهم أن تأتي الساعة التي ينقضون فيها على المسجد الأقصى بعد أن فرغوا من بناء كنيس الخراب. هذه الادعاءات والأوهام التي تمثلت في بناء كنيس الخراب واقتراب الموعد الحاسم لبناء الهيكل باتت تمثل دستوراً يطبق على الأرض عند المتدينين الصهاينة وبعض السياسيين في الكيان الصهيوني. تشير المزاعم الصهيونية إلى أن مجموعة من اليهود بلغ تعدادهم بين 300 إلى ألف شخص قدمت من بولندا ( وتعرف حاليا باسم اليهود الأشكيناز) في 14أكتوبر من عام 1700 ميلاديا وقاموا بجمع أموال طائلة لرشوة بعض عمال الدولة العثمانية، للحصول على تصريح حتى يقوموا ببناء معبد حوربا، لكن المجموعة فشلت في دفع ثمن الأرض الأمر الذي دفع أصحاب الحقوق إلى التحرك للمطالبة بأراضيهم. نتيجة لذلك تركت المجموعة اليهودية مبنى المعبد من دون أن تكمل بناءه وتحول الكنيس إلى خراب، وظلَّ المعبد لمدة 89 عاماً خراباً، ولذلك سمي ب(كنيس الخراب) نسبة للخرابة التي أحدثها هدم المعبد. وأعيدت الأرض المحيطة به لأصحابها، وهم عائلة فلسطينية من آل البكري، وفي عام 1808 قدمت إلى القدس مجموعة يهود من تلاميذ جاؤون فيلنا حاولوا بناء الكنيس من جديد، إلا أنهم فشلوا في ذلك لمنع السلطات العثمانية عملية البناء كون الأراضي المحيطة يسكنها عرب ومسلمون، حتى جاء زلزال عام 1834، لينتهز اليهود الفرصة ويُسمح لهم ببناء الكنيس من جديد في عام 1836م، حيث تحركت عائلة الثري اليهودي روتشلد- المعروف بتمويله للبناء اليهودي في فلسطين- بتمويل إعادة بناء هذا المعبد وظلَّت هناك بعض القضايا العالقة على مساحة هذا الكنيس والأراضي المحيطة به التي يسكنها أهل القدس. وشرع اليهود في بناء هذا الكنيس في عام 1857 ميلاديا، واكتمل البناء عام 1864 ميلاديا. وظل الكنيس على حاله حتى 25 ماي1948 عندما حاصر الجيش الأردني مجموعة من قوات الهاغانا، وطلب من الصليب الأحمر أن يخرج جميع المتمركزين داخل كنيس حوربا حتى لا تقوم القوات الأردنية بقصف الكنيس، فاستغل الصهاينة الكنيس كمعسكر حربي ورفضت قوات «الهاغانا» الخروج من الكنيس وفي 26/5/1948 أعطى الجيش الاردني قوات «الهاغانا» مهلة 12 ساعة للخروج، وإلا سيتم قصف الكنيس، وبالفعل تمَّ طرد عصابات «الهاغانا» التي تمركزت داخله. بعد أن احتل الصهاينة مدينة القدس العتيقة عام 1967 بدأت تظهر المطالبات بإعادة بناء كنيس حوربا من جديد، إلا أن حاخامات الكيان اكتفوا ببناء قوس تذكاري لهذا الكنيس، كونه لا يشكل معلما هاماً. وظل الحال على هذا حتى بدأت النظرة الصهيونية للمدينة تأخذ طابع الإسراع ببناء المعبد وتحويل المدينة إلى مدينة يهودية بالمنظور والتاريخ، ظهرت فكرة إعادة إحياء بناء كنيس حوربا من جديد في بداية عام 2000، على الرغم من وجود معارضة من العلمانيين وبعض اليهود المتدينين، إلا أنَّ المشروع أقرّ في بدايات عام 2003.