تطور بأكثر من 8 بالمائة في ميزانية وزارة التربية المقترحة ضمن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026    ميزانية 2026: تطور بأكثر من 8٪ في ميزانية وزارة التربية المقترحة    عاجل-وزارة التربية : 260 مليون دينار لمنحة العودة المدرسية في 2026    وزير التجارة يؤكد ضرورة تظافر الجهود لإنجاح خزن وترويج زيت الزيتون والتمور والقوارص    ساركوزي بش يخرج من الحبس بعد فضيحة التمويل الليبي!...شنوا الحكاية ؟    مستقبل سليمان يتمنى الشفاء العاجل ليوسف بلايلي    عاجل/ وزيرة الصناعة تعلن عن مشاريع بيئية بالمجمع الكيميائي    الرابطة الثانية (مباراة مؤجلة): باديس بن صالح حكما لمواجهة الملعب القابسي وجمعية اريانة    هل سيؤدي فوز الرئيس ميلي في انتخابات التجديد إلىتعزيزالإصلاحات في الأرجنتين؟    الترجي الرياضي - اصابة في الرباط الصليبي ليوسف البلايلي واخرى عضلية ليان ساس    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    المهرجان الدولي لفنون الفرجة ببوحجلة: مشاركات من فرنسا والسينغال والمغرب    عاجل/ النائبة بالبرلمان تفجر فضيحة..    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    بداية من 12 نوفمبر: "السنيت" تعرض شقق من الصنف الاجتماعي للبيع في سيدي حسين    عاجل/ حماس تقدم مقترحا لخروج مقاتليها العالقين..    هذه الدولة تبدأ استقبال رسوم حج 2026...وتؤكد على عدم الزيادة    زهران ممداني...بعيون عربية!!    ردّ بالك: 7 أخطاء تعملهم للسلطة تفقد قيمتها الصحية    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 30 بالمائة في ما يتعلق بالحبوب و79 بالمائة في الأعلاف    اشترِ تذاكر مباراة تونس× موريتانيا الآن...هذا الرابط والثمن    ''واتساب'' يُطلق ميزة جديدة للتحكم بالرسائل الواردة من جهات مجهولة    الأهلي بطل للسوبر المصري للمرة ال16 في تاريخه    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    جامعة لكرة القدم تتمنى الشفاء العاجل للاعب ويسيم سلامة    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يتغلب على ليون وينفرد بالصدارة    عاجل/ طائرات حربية تشن غارات على خان يونس ورفح وغزة..    عاجل: الزّبدة مفقودة في تونس...الأسباب    بنزرت: وفاة توأم في حادث مرور    عاجل-التواريخ الهامة القادمة في تونس: ماذا ينتظرنا؟    أستاذ يثير الإعجاب بدعوة تلاميذه للتمسك بالعلم    فتح باب الترشح لمسابقة ''أفضل خباز في تونس 2025''    عاجل: هبوط اضطراري لتسع طائرات بهذا المطار    عاجل/ نشرة تحذيرية للرصد الجوي..وهذه التفاصيل..    عاجل: عودة الأمطار تدريجياً نحو تونس والجزائر بعد هذا التاريخ    تأجيل محاكمة رئيس هلال الشابة توفيق المكشر    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    تونس: 60% من نوايا الاستثمار ماشية للجهات الداخلية    لن تتوقعها: مفاجأة عن مسكنات الصداع..!    دواء كثيرون يستخدمونه لتحسين النوم.. فهل يرتبط تناوله لفترات طويلة بزيادة خطر فشل القلب؟    أفضل 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول فصل الخريف    عاجل/ فاجعة تهز هذه المعتمدية..    زيلينسكي: لا نخاف أميركا.. وهذا ما جرى خلال لقائي مع ترامب    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميسيات آدم فتحي: مُحاولةٌ لفهم ما يحدث
نشر في الشروق يوم 25 - 03 - 2010

هكذا اِذَنْ.. لم يكن في وسع الأمين العامّ للأمم المتّحدة غير أن يزور غزّة بِيَدٍ لا شيء فيها وأخرى فارغة، كي يخرج منها بِيَدٍ فارغة فارغة والأخرى لا شيء فيها.. تمامًا كما لم يكن في وسع التوسّلات الأوباميّة بوقف الاستيطان الاّ أن تنهمر دموعًا على حائط المبكى.. تمامًا كما تناثرت دعوات الأوروبيّين الى الحِكمة لتتمزّقَ أشلاء تحت العجلات المصفّحة والقنابل الفوسفوريّة وعلى الحواجز المُكهرَبة وجُدران العار..
في كلّ الأحوال ظلّ الصهاينة صامدين في صهيونيّتهم، ينكرون أيّ امكانيّة لتقاسُمِ القدس ويرفضون أيّ دعوةٍ لوقف الاستيطان ويُسخّفون أيّ نداءٍ للاعتراف بحقّ العودة ويواصلون الاحتلال والحصار والعربدة.. بينما لم يبد على الآخرين أنّ لديهم هويّة أو قرارًا أو خطّة يتمسّكون بها!!
وبين أولئك وهؤلاء.. تتغلّب علينا براءتُنا أحيانًا فنستغرب أن يتحجّر قلبُ البشر الى هذا الحدّ.. الى حدّ الحصار والتجويع والقتل والابادة بدم بارد.. الى حدّ التبجُّح بالعربدة والاشاحة عن كلّ انصاف.. متسائلين كيف يستطيع أحدهم أن يضحك ويأكل ويشرب ويداعب أطفاله دون أن يخزه ضميرُه ودون أن تثْقُل عليه يداهُ المُلطّختان بالدم؟! كلّ ذلك لأنّنا لا نصدّق، بل لا نريد أن نُصدّق، أنّ من البشر من يسكر بالدم ويطربهُ أنين ضحاياه ويجد لصراخهم وقعَ الموسيقى!!
«نقضي الشطر الأكبر من ليلنا سهارى نتخيّل أنّنا نقطّع أوصال أعدائنا، ننتزع أعينهم وأحشاءهم، نعصر أوردتهم حتى تفرغ من كلّ دم، نسوّي أطرافهم بالأرض وندقّها بأقدامنا، مع الحرص من باب الرحمة على أن يواصلوا الانتفاع بهياكلهم العظميّة. ما أن نقوم بهذا التنازل حتى نهدأ وتخور قوانا فنخلد الى النوم. راحة مستحقّة بعد حربنا الشعواء. نحتاج على اثرِها الى استرجاع قوانا كي نتمكّن من اعادة الكَرَّة في الليلة الموالية، لاستئناف مهمّة يضعف عنها أيُّ هرقلٍ جزّار.. »
هكذا كتبَ ايميل سيوران في مفتتح أحد فصول كتابه «تاريخ ويويتوبيا». مضيفًا في سخرية مرّة:
«حقًّا، ليس بالوظيفة المريحة أن يكون للمرء أعداء.. »
في هذا السياق وحدَه نستطيع أن نُصدّق ما يحدث.. في هذا السياق الذي يكشف عن الوحش المتنكّر في زيّ البشر نستطيع أن نرغم أنفُسنا على التصديق بأنّ ما يحدث ممكن.. لأنّ من البشر ما لا بشريّة فيه الاّ المظهر.
ولعلّ سيوران لم يفلح في تصوير هذا السياق بهذه الدقّة الاّ لانّه اقترب من الوحش في احدى مراحل حياته المُبكّرة.. فقد وقع لفترةٍ في سحر النازيّة.. رغبةً منه في الانتصار على ضعفه شخصًا وأُمّةً ولغةً.. ثمّ سرعان ما اكتشف خطأه، فهجر أوهامه الانتصاريّة وهجر معها أُمّتَه ولغته ليختار بلادًا أخرى ولغة أخرى، واجه من خلالهما ضُعفه، وصنع من ذلك الضعف قوّةً، ليستطيع أن يتحقّق من خلال هزيمته.
من ثَمّ ربّما، استطاع أن يترك لنا هذا التشخيص الرائع لنموذج بشريّ ما انفكّ يتناسل ويتناسخ.. نموذج الوحش النازيّ بالأمس، الصهيونيّ اليوم، الذي لا يبلغ التوازن فضلا عن السعادة الاّ اذا قام بتصفية أشباهه، وبممارسة «المذابح اليوميّة» على غرار الأسلاف الأباعد، الذين يعتبرهم هذا النموذج الوحشيّ المتجدّد «محظوظين»، لأنّهم كانوا يُجهزون على أشباههم أيضًا حتى عن طريق الصيد، ولأنّ أُلْفتَهم بالدم كانت تسهّل عليهم اشباع سُعارهم. «اذ لم يكونوا في حاجة الى ارجاء خططهم الاجراميّة، على العكس منّا نحن المجبرين على كبح جماح شراستنا، وتركها تتعذّب داخلنا وتئنّ، لاضطرارنا الى تسويفها والى تأجيل ثاراتنا أو التخلّي عنها.. »
علينا أن نقرأ سيوران لنعرف حقيقة شارون ونتنياهو وليبرمان وغيرهم. مُحاولة لفهم ما يحدُث.
علينا أن نُنصت الى ما يعتمل داخل هذه النفوس المريضة بأُذْنَيْ سيوران، فقد سمعهم يقولون:
«أن لا ننتقم يعني أن نُكبَّل في فكرة العفو، أن نصبح مدنّسين بالحقد المكبوت فينا. عندئذ يصبح العدوّ الذي نعفو عنه مصدر اضطرابنا، خاصّة حين نقرّر أن نكفّ عن كراهيته. من ثمّ نحن لا نغفر له حقًّّا الاّ اذا ساهمنا في سقوطه أو واكبنا ذلك السقوط. أو اذا عرض علينا هو مشهد نهايته البشعة. أمّا الصلح التامّ معه فلا يكون الاّ بتأمُّل جثّته.. ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.