..«على الجبين عصابة»، «هز حرامك»، «يمّا يا غالية»، «على اللّه»، «عرضوني زوز صبايا»، «كي جيتينا»، «ناري على جرجيس».. أغان من التراث تربيّنا على ايقاعها ونحن صغار وعرفناها بأصوات أتقنت أداءها على غرار الفنانة الكبيرة السيدة صليحة والفنان محمد الجمّوسي والقائمة تطول من هؤلاء الذين غنّوا التراث التونسي فأبدعوا وأقنعوا كلمة ولحنا وأداء.. لكن اليوم، أصبح بعض الفنانين يرون أنّ هذه الأغاني في حاجة إلى «التهذيب» على حدّ تعبيرهم وهو ما ساهم في طغيان موجة استغلال أغاني التراث وإعادة توزيعها بأشكال مختلفة ولكلّ طريقته الخاصة. حتى أنّ الأغنية الواحدة تعاد مرارا وتكرارا بأصوات وأشكال مختلفة بحجة التهذيب..! وهل فعلا تراثنا الموسيقي في حاجة إلى تهذيب؟! أم أنّ الفنان في حدّ ذاته في حاجة إليها لسدّ فراغ إنتاجه؟ إنّ ما يحدث اليوم مع أغاني التراث هو التشويه بأمّ عينه، فأين إذن التطريب والتهذيب ونحن نستمع إلى النشاز.. من المستفيد من إعادة توزيع أغاني التراث، الفنان أو الأغنية في حدّ ذاتها؟! جملة من الاستفهمامات طرحتها وضعية الساحة الفنية اليوم التي أصبح التنافس فيها لا يهم الانتاج الخاص للفنان وإنما كيف يقدّم مطرب أغنية التراث؟ «الشروق» اتصلت ببعض الفنانين الذين كانت لهم تجربة في هذا المجال وكان لهم رأي في ذلك. هؤلاء غنّوا التراث نور شيبة، أمينة فاخت، نوال غشام، صابر الرباعي، بعض الأسماء التي غنّت التراث والقائمة لا يمكن حصرها، لأنّ تقريبا الأغلبية غنّت التراث في بداية المشوار وحتى اليوم. ويقول الفنان محمد الجبالي الذي أعاد غناء «غزالة بين الأجبال» للراحل علي الرياحي، أن ظاهرة إعادة توزيع التراث لا يمكن أن نقول عنها تهذيبا لأنّ الأغنية كما سجلت قديما هي جيّدة، لكن ما يحصل اليوم يضيف الجبالي هو رؤية جديدة معاصرة بتقنيات حديثة تعطي مسحة أكثر جمالية على الأغنية.. «التراث لا يحتاج الى تهذيب وإنما اضافة»، يؤكد الفنان محمد الجبالي. وعن تهافت الفنانين على أغاني التراث يقول: «هذا مسموح الى الفنان الذي مازال في بداية مشواره لأنه لا يملك مصاريف الانتاج. أما البقية لهم الحق في تجربة ما عدا ذلك تتحول الظاهرة الى تمعّش وبخل». الجبالي أعرب عن إعجابه بالعمل الذي قدّمه نور شيبة بخصوص أغنية «يمّا يا غالية» مضيفا أن التصرف في الأغنية كان جيّدا للغاية وطريقة التوزيع تحمل رؤية جديدة. الجبالي أردا أن يقول «لا افراط ولا تفريط»، فمن حق أيّ فنان أن يغني التراث، لكن لا بدّ من الانتاج الخاص حتى لا تتحول الأمور إلى استغلال شخصي. التراث صنع النجوم هناك من الأغاني التراثية التي صنعت نجوما حتى أن الجمهور أحبّها وعرفها من خلال ترديد أغاني التراث. ويقول البعض من الفنانين أنّ إعادة توزيع التراث يعود بالفائدة على الأغنية في حدّ ذاتها وذلك حتى تعرفها الأجيال ولا تبقى رهينة التسجيلات الاذاعية القديمة. الفنان نور شيبة الذي أعاد تسجيل أغنية «يمّا يا غالية» بتوزيع جديد يقول: «التراث مهذب بطبعه ولا مجال لاطلاق هذا المصطلح عليه وإنما ما نقوم به اليوم هو إعادة توزيع وقراءة جديدة لهذه الأغاني..». ويضيف نور «أنّ الفنان الناجح لا يستحق لأغنية من التراث حتى يحقق بها النجومية لأن الهدف أسمى من ذلك وهو المحافظة على تراثنا الذي بدأ المشارقة بالسطو عليه». وعن نفسه يصرّح نور «أنا أتعامل مع التراث كلون وليس كأغنية». هكذا إذن يتعامل بعض الفنانين مع التراث حسب تصريحاتهم والهدف من ذلك بقاء الأغنية التونسية على حدّ تعبيرهم.