اتحاد عمال تونس يندد بما اعتبره ثلبا لرئيس الجمهورية من بعض نقابيي اتحاد الشغل    ظهور سمكة الارنب السامة بسواحل منزل تميم وتحذيرات من مخاطر استهلاكها    الحماية المدنية: إطفاء 144 حريقا في ال24 ساعة الماضية    رجّة أرضية بهذه المعتمدية..#خبر_عاجل    بشرى سارة: 3100 وحدة سكنية في اطار البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي..    البريد التونسي: إمكانية خلاص معاليم التسجيل المدرسي عن بعد باستعمال المحافظ الرقمية    عاجل/ استئناف حركة جولان المترو..    خلال ال 7 أشهر الأولى من2025: العجز التجاري يتفاقم ويقارب 12 مليار دينار    عاجل/ ارتفاع عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية في غزة إلى 227 وفاة من بينهم 103 أطفال..    خاتم خطوبة جورجينا رودريغيز الماس نادر يتجاوز 3 مليون دولار    عاجل: زلزال قوي بقوة 6.3 درجات يضرب هذه الدولة    لاعب النادي الصفاقسي سابقا يحزم حقائبه إلى السعودية    الألعاب العالمية "شينغدو 2025": المنتخب الوطني لكرة اليد الشاطئية ينهي مشاركته في المرتبة السابعة    ميناء حلق الوادي: إحباط محاولة تهريب 36 كلغ من مخدر القنب الهندي "الزطلة"..    عودة ارتفاع درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    وفاة المتسابق الإيطالي ماتيا ديبيرتوليس في دورة الألعاب العالمية    القيروان: اختفاء غامض لطفلة في منزل المهيري    تونس تنظم من 22 الى 31 اوت بطولتي افريقيا للفتيان والفتيات للكرة الطائرة دون 16 سنة    قابس: العثور على جثة شاب مفقود منذ أسبوع داخل بئر عميقة    الكبارية: 10 سنوات سجناً لكهل اعتدى على شاب بشفرة حلاقة وحاول قتله    الالعاب العالمية (شينغدو 2025): المنتخب التونسي لكرة اليد الشاطئية ينهي مشاركته في المرتبة السابعة بفوزه على نظيره الصيني1-2    كيفية تعزيز الحركة السياحية خلال الفترة القادمة محور لقاء وزير السياحة برئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار    لطفي الرياحي: التونسي يحتاج شهريًا على الأقل 2500 دينار لتغطية مصاريفه الأساسية دون شراء اللحوم أو الكماليات    كجزء من حملة مجموعة QNB " الميثاق الأزرق" QNB تونس ينظم فعاليات للأطفال حول أهمية حماية البيئة البحرية    عاجل : عطلة بيوم في انتظار التونسيين غدا الاربعاء 13 أوت    تنبيه/ بحر مضطرب اليوم.. والحذر مطلوب عند السباحة..!    عاجل: 8 بطاقات إيداع بالسجن... اعترافات صادمة من التلميذ المتورط في فضيحة التلاعب بالتوجيه الجامعي    عاجل: دخول مجاني للمواقع الأثرية والمتاحف يوم 13 أوت    هزة أرضية جديدة ب4 درجات تضرب هذه المدينة    القهوة ''الكحلة'' مش للكل: 5 فئات لازم يبعدوا عليها..شكونهم؟    تعاون تونسي كوري لرقمنة القطاع الصحي وتطوير الجراحة الروبوتية    إنتقالات: مستقبل قابس يدعم صفوفه ب7 لاعبين جدد    سبالينكا تتفوق على رادوكانو في بطولة سينسناتي وسينر يجتاز اختبار ديالو    تعطل وقتي لجولان عربات المترو بسبب عطل في الأسلاك الهوائية الكهربائية    ابن الفاضل الجزيري يكشف عن وصية والده: الحاضرون في الجنازة باللون الأبيض    بطولة أمم إفريقيا للمحليين - أوغندا تهزم النيجر وتتصدر الترتيب    ترامب: الذهب لن يخضع لرسوم جمركية    الصومال.. محكمة عسكرية تنفذ حكم الإعدام بجنديين تعاونا مع "الخوارج"    مصر لا تمانع نشر قوات دولية في غزة    لأول مرة في إيران .. خلاف علني بين "الحرس الثوري" والرئيس بزشكيان    مهرجان قرطاج الدولي 2025: فرق فنية شعبية من ثقافات مختلفة تجتمع في سهرة فلكلورية    "نوردو" يشعل ركح مهرجان صفاقس الدولي في عرض شبابي حماسي    ابراهيم بودربالة يحضرعرض بوشناق في مهرجان سوسة الدولي    تاريخ الخيانات السياسية (43) القرامطة يغزون دمشق    إحذروا.. هكذا يتحوّل المكيّف إلى خطر يهدّد صحتكم    قروض موسمية بقيمة 4.5 ملايين دينار لفائدة الفلاحين بهذه الولاية    الليلة: الحرارة تتراوح بين 24 و35 درجة    اليوم.. انطلاق دورة إعادة التوجيه الجامعي    عاجل/ وزارة الصحة تحسم الجدل وتوضح بخصوص ما تم تداوله حول فيروس " Chikungunya "    المخرج التونسي الفاضل الجزيري في ذمة الله    تجربة سريرية تثبت فعالية دواء جديد في مكافحة سرطان الرئة    عاجل: وفاة صاحب''الحضرة'' الفاضل الجزيري بعد صراع مع المرض    فوربس الشرق الأوسط تكشف عن قائمة أبرز 100 شخصية في قطاع السفر والسياحة لعام 2025    نابل: انطلاق فعاليات الدورة 63 من مهرجان العنب بقرمبالية    تاريخ الخيانات السياسية (42) .. ظهور القرامطة    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية التعبير المفترى عليها: فاقد الشيء لا يعطيه
نشر في الشروق يوم 11 - 05 - 2010

من أسوإ وأخطر ما يمكن أن تبتلى به الشعوب هو حكم لا يحسن الانصات الى هواجسها والاستجابة الى تطلعاتها ومعارضة ليس لديها ما تقترحه وتقوله ولكنها تعيده مرارا وتكرارا.
والمفارقة التي يمكن تسجيلها بيسر في راهن تونس السياسي هو أنه بقدر حرص السلطة السياسية على الانصات لجميع الفرقاء وسعيها الى تشريكهم في كل ما يتعلق بالشأن الوطني وإثباتها بشكل قاطع قدرتها على الاستجابة لتطلعات جميع شرائح المجتمع وجهاته وفئاته بل وتجسيم تلك التطلعات واقعا لا يقبل المراجعة أو الانتكاس، فإن رهطا من المعارضة لم يدرك وللأسف بعد إن ما يروج له مجرد فقاعات صابون في الفضاء لم تعد تغري أحجامها وألوانها حتى الأطفال وما بالنا بمن بلغوا سن الرشد وحازوا ملكة التمييز والفرز بين القمح والزؤان.
ولعل ما يثير الدهشة هو هذا الاصرار الممل على ترويج بضاعة أدرك التونسيون أنها قد فقدت صلوحيتها بالرغم من علب البلاغة التي تعرض فيها والحفلات التنكرية التي تقام من أجل تسويقها داخليا وخارجيا.. حفلات تستخدم فيها ذات المساحيق والأقنعة والأضواء الكاشفة وكأن التاريخ عند هؤلاء ساكن وقاصر عن الحركة، بل هو فعلا كذلك في ايديولوجيات تحنطت وتحولت الى مومياء صالحة للعرض في المتاحف وباتت خارج كل سياق وفي طلاق بائن مع المكان والزمان.
إننا لا نعارض ولا ننفي حق هؤلاء في اختيار أن يكونوا على يسار الوطن، ولكن من حقنا أن نسأل انطلاقا من مفهوم اليسار ذاته وأدبياته، كيف يكون يساريا حدّ العذرية من يجد في المواقف الأمريكية ما يطربه ويثيرانتشاءه وينسى دون مقدمات معلقاته الطويلة حول الهيمنة والامبريالية والليبرالية المتوحشة ويشطب بجرة قلم ما ارتكبته الادارات الأمريكية المتعاقبة من جرائم في حق العروبة والعرب؟
وكيف يكون يساريا وتقدميا وديمقراطيا واشتراكيا من باع قلمه ووظفه في خدمة مشايخ النفط والغاز واستجدى الوجاهة والبركة من منابر «شوازركوف الصحراء» وإمبراطورية «السيلية»؟
أليس في هذا شيزوفرينيا وازدواج في الشخصية تنزع عن صاحبها كل أهلية في إعطاء الدروس للآخرين.. ألا ينزع هذا الانفصام في الشخصية عن صاحبه كل مصداقية وهو يقيم المناحة ويدبج قصائد الرثاء المطولة في حرية التعبير والاعلام في تونس والمفارقة إن ما يكتبه يطبع وينشر في تونس ويوزع في أكشاكها.. أليس في هذا أيضا وجها من وجوه التزييف وتناقض صارخ بين حقيقة الواقع والكذبة المعلنة والافتراء..؟
لئن كنا لا ننكر على أحد حرية اختيار موقعه وبدلته الفكرية وربطة عنقه السياسية، فإننا في المقابل نربأ بأن ينحدر الحوار والجدل الى هذا الدرك من الاسفاف والانحطاط والابتذال بما لا يتنافى ويتعارض مع أخلاقيات المهنة الصحفية فقط، وإنما يسقط تحت طائلة القانون باعتبار أن ما صدر عن الصحفي في كتيبة «شوازركوف الصحراء» يعد في دائرة الثلب ولا علاقة له بالاختلاف في الرأي ومنطق الولاء والمعارضة.
ومن المضحكات المبكيات أن يصدر هذا الاسفاف والابتذال وهذه السوقية من طرف من يدعي أنه الأمين على أخلاقيات المهنة وشيخ طريقتها وحارس أبواب محرابها وقلعتها.. وهنا نسأل من جديد كيف لفاقد الشيء أن يعطيه.
إننا سوف لن نستدرج الى المستنقع الاعلامي والسياسي والأخلاقي الذي سقط فيه هذا الديمقراطي جدا والتقدمي جدا حدّ لباس العقال والعمامة لقناعتنا أن وحده السفيه يعرف مواصفات السفاهة والسفهاء وقد شرب مفرداتها حتى الثمالة، وأتقن صياغة سيناريوهاتها، وتفنن في نسج حبكة ما تتطلبه من أراجيف وأكاذيب، ولأننا ندرك كذلك أن الصراخ هو وسيلة العاجز وان الاسفاف هو لغة الكاذب الذي تعوزه الحجة ويعاني من خصاء فكري وسياسي..
لقد تخصّص، من أفقده الحقد رشد الكلمات، في تحويل النور الى عتمة والبياض الى سواد، وبات لزاما علينا تذكيره بأنه إذا كانت ميزة الذكي انه يستطيع التظاهر بالغباء فإن ممارسة العكس صعبة جدا.. إذ يستعصي على الأغبياء توظيف نعمة الذكاء، فنحن شعب يدرك أن الأكثر حديثا عن الحرية والديمقراطية هم من ألدّ أعدائها.. وإلا بماذا نفسر نعت مخالفيك الرأي ب«السفهاء» لمجرد أن قناعاتهم لا تجد هوى في نفسك.. وكيف يكون ديمقراطيا ونصيرا لحرية الرأي والتعبير من ضاقت به العبارة واستنجد بقاموس الشتيمة وقلّة الأدب وانعدام الحياء..؟
قال تشرشل ذات يوم لندني غانم «إن المتعصّب هو من لا يستطيع أن يغيّر رأيه ولا يريد أن يتغيّر موضوع الحديث..» ويكفي أن نتأمل هذه المقولة حتى نتأكد من أن ما حبره هذا المريض الذي يرفض أن يلبس ثوب العافية لا يصدر إلا عن متعصّب ومنغلق يستطيع الاقامة خلف سياج دوغمائي.
إننا مع مزيد الارتقاء بمشهدنا الاعلامي ومع مزيد من الحرية لكن ليس وفق مقاربات هذا الأعمى الذي يصرّ على أن لا يرى الواقع من حوله إلا عبر نظارات سوداء..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.