حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي تونس (الشروق) لم يتوان صاحب المذكرات، في «لفت نظر» أولوف بالمة، وبكل ودّ، حتى يعطي اهتماما أكبر الى القضايا الداخلية السويدية، وذلك بمناسبة مأدبة العشاء التي أقامها مؤتمر الحزب الاشتراكي السويدي على شرف ضيوفه الأجانب. «سي أحمد» كان أحد هؤلاء الضيوف الأصدقاء، وقد كان خلال مأدبة العشاء، الى جانب «أولوف بالمة» و«كان معنا كما ذكرت لك آنفا «وليفار طومبو» رئيس المؤتمر الوطني الافريقي، بجنوب إفريقيا (حزب نيلسون مانديلا الذي كان وقتها لا يزال قابعا في السجن).. يواصل «سي أحمد» كلامه: «(...) في أثناء العشاء بدأنا نتجاذب أطراف الحديث، فقلت ل«بالمة» كصديق طبعا، ان خطابه في المؤتمر كان رائعا، وهو فعلا كذلك.. وأضفت: هل تنوي إلقاء خطاب آخر أو كلمة تتناول فيها المسائل الداخلية السويدية..؟ وكانت زوجة أولوف بالمة الى جانبي الآخر من نفس الطاولة، فأجابني بنوع من الاستغراب فيها ردّ فعل: قلت في خطابي بمؤتمر اتحاد العمال (السويدي) ما أشرت إليه.. لقد تحدثت عن القضايا الداخلية». فقلت له: «ليس نفس الشيء.. هذا حزب.. يمارس السلطة».. لم يكن بالمة مرتاحا تماما لكلامي.. فإذا بزوجته تقول: «أنا متفقة معك سيد أحمد» وما هي إلا ثوان حتى هدأ الجوّ.. والتفتّ فإذا بأوليفار طومبو، مشدوها ومبهوتا.. ولكن في آخر أشغال المؤتمر، وكرجل ممتاز، فكّر أولوف بالمة وأبدع في المؤتمر.. أخذ الكلمة وألقى خطابا، هاما، الى درجة أنه أسقط في أيدي المناوئين.. أردت من خلال هذه القصة أن أبيّن الى أي درجة، هذا الصنف من الناس، خالية أذهانهم من المركبات.. والحقيقة لم أرَ منهم، الا الصداقة والوفاء، في السويد كما في النرويج وفلندا.. وأنا أتمنى لهم كل خير.. وقد تعاملت معهم كثيرا. فمثلا هيّأ الفلنديون غابة مدخل بنزرت، فقد كان هناك مشكل بيئي تعاني منه المنطقة، واستقدمنا الفلنديين، بنفس روح التعاون مع السويديين وغيرهم، حتى يشرفوا على تهيئة هذه الغابة» وهنا طلب مني «سي أحمد» الالتفات الى لوحة معلّقة على جدار قاعة الاستقبال، ليقول لي: هذه غابة مدخل بنزرت التي هيّأها الفلنديون، وهي لوحة بريشة سفيرة النمسا في تونس السيدة تابليا TABLEA وكانت قد شغلت كاتبة كرايسكي في المعهد الفلندي.. ويضيف «سي أحمد» وهو يتحدث بنوع من الغبطة عن أصدقائه في أوروبا الشمالية وفلندا..: كنت دائما أتمنّى.. بل كنت دوما مسكونا بفكرة أن شمال أوروبا وشمال افريقيا، يمكن أن تكون بينهما أكثر من تعاون وتنسيق.. وفعلا فقد نجحنا في تونس، في وقت ما، من أن نجعل التعاون معهم (أوروبا الشمالية) أمرا أساسيا في مسار التنمية الشاملة والمتوازنة (بين الجهات) في تونس.. وهنا، ومن باب التفكّه كما يقول بنفسه، يضيف «سي أحمد» قصّة حول السويديين وكيف أن فرنسا ليست مثالا، كما يظنّ البعض ذلك، إذ عيّن جاك شابوندلماس (يمين) عيّن جاك دولور الاشتراكي، لكي يحضر في ملتقى كان مشاركا فيه أولوف بالمة (السويد) فقال بالمة: «نحن عندما كنّا صغارا، كان أساتذتنا وإذا ما أرادوا أن يحدثونا عن التفاوت الطبقي Les inégalités يقولون لنا: اذهبوا الى فرنسا» وهنا، أمكن لي استخلاص الفكرة التي كانت تقود «سي أحمد» في وضع الأصبع والتأشير على هذا المثال، كيف أن «الفرنكوفونيين» أو من يسمّيهم المتفرنسين، يعارضون فكرة أن تكون علاقاتنا مع السويد.. «فبالنسبة لهم يوضّح سي أحمد المثال يقف عند فرنسا».. وهنا، ولمزيد كشف نوع من العلاقة الحضارية التي قد تكون موغلة في التاريخ.. «كنت في المنفى، وحدث أن تنقّلت على متن الطائرة من ستوكهولم (السويد) الى أوسلو، وكان طاقم الطائرة يقدم المدن الساحلية التي نعبرها، وكانت واحدة اسمها كركنّاس (قرقنة) وذكّرني هذا التشابه الشديد بقرقنة.. إذ ليس غريبا، حيث لم يُبحث في الأمر أن تكون الصّلة سهلة بيننا وبينهم.. في وقت يستغرب البعض ويقولون: ما علاقتنا بالبلدان الشمالية Les pays nordiques؟ فإلى الحلقة القادمة إن شاء اللّه.