في رصيده أكثر من نصف قرن من العطاء الموسيقي، وفي خزينته أكثر من ثلاث مائة أغنية لم يخرج منها للنور إلا نصفها... عرفه الجمهور العريض من خلال أغانيه التي تمزج بين اللهجة التونسية واللغة الفرنسية أو الإيطالية أو الإسبانية... ألّف ولحّن وغنى... وقبل ذلك كله كان له حضور كممثل في عديد المسرحيات... هو المطرب كمال رؤوف النقاطي الذي نستضيفه هذا الأسبوع... لو تحدثنا عن بداياتك الفنية؟ ككل البدايات الفنية بدأت أغني وأنا طفل في المدرسة ثم في المعهد الصادقي، كنت أغني في حفلات نهاية السنة الدراسية... لكن البداية الفنية الحقيقية كانت بدخولي مدرسة التمثيل... هل درست التمثيل؟ طبعا وهذا ما لا يعرفه الناس، أنا خريج مدرسة التمثيل، ومن زملائي جميل الجودي ورمضان شطا ورشيد قارة رحمه ا&، ودرست على يد محمد الحبيب ومحمد عبد العزيز العقربي... وهل مارست فن التمثيل؟ نعم، بعد تخرجي انضممت إلى فرقة أنصار المسرح وقدمت معها العديد من المسرحيات، لكن بالتوازي كنت أمارس فن الغناء، وخاصة مع فرقة قدماء الصادقية كنا نقيم حفلات في حديقة المشاتل، لم أكن أفكر في احتراف الغناء... لكنك احترفت الغناء وتركت المسرح؟ هذا صحيح، في عام 1959 شاركت في حصة غنائية للهواة في الاذاعة كان يشرف عليها المرحوم حمادي الجزيري، وتحصلت على الجائزة الأولى، وكانت الهدية آلة عود قدمها لي المرحوم الفنان علي الرياحي هذه الجائزة هي التي حولت وجهتي نحو الغناء. بعد هذه التجربة لم تواصل في تونس واخترت الهجرة؟ الحقيقة لم تكن هجرة فنية بل كانت هجرة لمواصلة دراستي في ميدان الإلكترونيك وهناك التقيت محسن الرايس وتوفيق الجبالي... هل تقصد المسرحي توفيق الجبالي؟ نعم، هو صديقي، وقد تعاملنا مع بعض في باريس. وما شكل التعاون؟ لقد ترجمنا العديد من الأغاني العالمية وغنيتها مثل أغنية لفرانك سيناترا، وأغنية من فيلم «دكتور جيفاغو»... هل غنيت في باريس؟ لعدة سنوات، غنيت في الحفلات العامة والخاصة، كنا ننظم حفلات للجالية المغاربية في فرنسا بمشاركة فنانين من الجزائر والمغرب وكنت أمثل الفن التونسي في هذه الحفلات... وهل أقمت في فرنسا كثيرا؟ أقمت لمدة طويلة وبعد أن تحصلت على شهادة مهندس الكتروني، اشتغلت في شركة مختصة في هذا المجال، عندما قرروا فتح فرع لهم في لبنان أرسلوني إلى بيروت للعمل في هذا الفرع. هل انقطعت عن الغناء هناك؟ بالعكس، تعرفت على مجموعة من الفنانين، وتعرفت على متعهد حفلات إسمه «شارلي إنشي» كانت له علاقات متطورة جدا في الوسط الفني العالمي، وقمنا بجولة فنية عبر الكثير من بلدان العالم... وقتها كانت «صباح» نجمة، هل التقيتها؟ صحيح كانت نجمة كبيرة، التقيتها وقمنا معا بجولة فنية في عدة بلدان إفريقية... متى عدت إلى تونس؟ بعد إلحاح من الوالدة، رجعت إلى تونس عام 1972، وأسست فرقة موسيقية تضم 25 فردا وبقيادة محمود الثامري، وغنى مع هذه الفرقة كبار الفنانين التونسيين مثل علية وأحمد حمزة ومحمد أحمد وغيرهم... عرفك الجمهور من خلال الأغاني «فرانكو آراب»، أي التي تمزح بين العربية واللغات الأجنبية، لماذا هذا الاختيار؟ الحقيقة، أنني من مواليد حي كان أكثر سكانه من الفرنسيين والإيطاليين والمالطيين والإسبانيين، وكانوا كل مساء ينظمون أجواء احتفالية غناء ورقص، هذه الأجواء أثرت في كطفل ورسخت في ذهني، ووجدتني أميل إلى هذا التوجه، خصوصا وأنني بدأت الاحتراف في فرنسا مما شجعني على المضي في هذا الطريق... هل وجدت معارضة في تونس على هذه الاختيارات؟ الجمهور أحب فني لكن أهل الفن حاربوني ولم أجد منهم المساعدة، لم أجد ملحنا واحدا يعطيني أغنية وحده السيد عبد الحميد السلايتي وقف إلى جانبي وقدمني إلى الفنان سيد شطا الذي تدربت على يديه وأمدني بالأغاني وأنا أدين له بالفضل. ما هي الأغنية التي قدمتك للجمهور العريض؟ هي أغنية «مصطفى يا مصطفى» و«كوانتا لاميرا» و«غرباء الليل»... هذا عنوان قصيد، فهل غنيت القصيد؟ طبعا غنيت القصيد وكل الألوان، لي الكثير من الأغاني التي تنام في الرفوف. كم عددها تقريبا؟ لي أكثر من 150 أغنية مسجلة وقرابة 200 أغنية لم أسجلها... لماذا؟ لمن سأسجلها... أين ستبث؟ ومن سيعتني بها؟. تبدو غاضبا؟ نعم، أنا غاضب، فعندما تسجل ألبوم كامل من الأغاني الوطنية ولا يلتفت إليك أحد، فهذا ما حدث معي مؤخرا، أنا المطرب الوحيد الذي لم يشارك في الحفلات التي أقيمت بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأخيرة مع أن «الألبوم» صدر في نفس الفترة... أكثر من ذلك نحن نحتفل بالسنة الوطنية للشباب التي أذن بها سيادة الرئيس، وقد أصدرت أغنية بعنوان «شباب تونس» ولا أحد اهتم بها باستثناء الأستاذة حليمة الهمامي التي استغلتها كجينيريك، هل هذا طبيعي؟. نبرتك حزينة؟ نعم، أنا حزين وأفكر في الابتعاد كليا عن الفن، أنفقت 10 آلاف دينار في ألبوم الأغاني الوطنية ولم يهتم بالمسألة أحد، لا في الإذاعة ولا في التلفزة... وماذا عن المهرجانات الصيفية؟ إلى حد الآن لم يتصل بي أحد، ولا أعرف هل تمت البرمجة أم لا... هل لك أبناء لهم علاقة بالفن؟ ابني نصحته بعدم ممارسة الفن، ولي ابنة حاولت دخول الميدان لكنها «هربت بجلدها» من الممارسات السيئة، ابنتي الصغرى فقط تمارس الموسيقى وهي تتعلم العزف على آلة الكمنجة. بعيدا عن الفن، ماذا يفعل كمال رؤوف النقاطي، كيف يقضي أيامه؟ إما في فضاء عبد العزيز جميل الثقافي بالمرسى، أو في الفلاحة... إذن أنت فلاح؟ ورثة أرهقتني. ما علاقتك بنقابة الموسيقيين؟ دعمتها في البداية ماديا ومعنويا، ثم لم أسمع عنها شيئا، لم تقدم شيئا للفنانين.