اسمه يحيل على المفاوضات... والمفاوضات تحيل على اسمه... كتابه الشهير «الحياة مفاوضات» يحيل أيضا على ذلك... لا تجد مشهدا أولقاء فلسطينيا اسرائيليا يُعنى بالمفاوضات الا وكان خلفه مخطّطا ومنسقا ومهلّلا ومباركا... صائب عريقات... ولد في القدسالمحتلة... هناك حيث غول الاستيطان الذي يزحف على هذه المدينة ويهدّد بابتلاعها... لكن رغم ذلك لم يستطع كل هذا الاستيطان أن يحجب رؤية عريقات وحلمه في عودة «زهرة المدائن» الى أهلها... وتحرّرها من الاحتلال الجاثم على صدرها... في القدس... عاش عريقات...وكبر وحلُم لكنه حمل منذ شبابه هما كبيرا في مسيرة النضال الفلسطيني... ولأنه كان يظنّ أن ضمير العالم سيستفيق يوما ليعيد الحق الى أصحابه فإن هذا «الشاب الصغير» لم يعدم من أجل ذلك الحيلة ولا الوسيلة إدراكا منه أن السياسة هي «فن الممكن»... ولذلك مضى «يصقل» نفسه و»يروّضها» على امكانية الحصول على الحق من خلال التفاوض... وفيما كانت صيحات النضال تتعالى على إيقاع الثورة الفلسطينية المسلحة كان هذا الشاب قد اتخذ قراره بنضال من نوع آخر عبر القوانين والأعراف الدولية. مضى عريقات المولود عام 1955 يجمع من كل قوانين وأعراف الدنيا فالتحق بجامعات بريطانية وامريكية وحصل على الماجستير في ادارة المفاوضات، وبما أنه ولد ونشأ في أرض السلام وفي مهد السلام فقد حرص على نيل دكتوراه الفلسفة، أكبر شهادات العالم، في السلام... كان يحلم بأن يكون صاحب فلسفة خاصة تصنع السلام في فلسطين وهو في الحقيقة حلم يجعل المراقب البسيط ينسى ورقة التعريف الخاصة بالدكتور صائب عريقات على اعتبار أنه السياسي والمنظّر البارع في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وهو الذي تقلّد العديد من المناصب في السلطة الىأن تولّى وزارة الحكم المحلي في الفترة ما بين 1994 و2003 ثم كبير المفاوضين الفلسطينيين وقد ينسى كذلك شغل الرجل لكرسي التدريس كأستاذ للعلوم السياسية وغيرها من الوظائف العلمية والبحثية... في المقابل لن ينسى أحد انبهار عريقات بحدثين اثنين رسما طريقة تفكيره كما يقول هو وهما مصافحة الرئيس الراحل ياسر عرفات لرئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إسحاق رابين وإلقاء المستشارة الألمانية خطابها باللغة الألمانية في الكنيست الاسرائيلي بعد كل ما قيل عما يسمى بالهولوكوست.. هذا الانبهار هو الذي أسّس نظريا وعمليا لعقلية تفاوضية بصيغتها الحالية لهذا الرجل الذي عمل طويلا الى جانب العديد من المفكّرين والسياسيين في السلطة على الانتصار لخيار التفاوض على حساب خيارات أخرى مهما كان الثمن كما عبر عن ذلك هو نفسه في كتابه «الحياة مفاوضات» بقوله «ليس من الضروري أن نقتنع أو نؤمن بما يحرّك الطرف الآخر ولكن من الضروري محاولة تفهمها لأن التفهم يعني القدرة على التعامل وطرح المواقف استنادا الى قاعدة محاولة كسب مشترك للطرفين».. ولذلك تحمّل عريقات عبءا ثقيلا وهو يشارك في إبرام اتفاقية أوسلو عام 1995 قبل أن يتمّ تعيينه كبيرا للمفاوضين عام 1996.. ولأنه لم يكن يهدأ محذّرا من الفخاخ والألاعيب الصهيونية فقد أطلق عليه الرئيس الشهيد ياسر عرفات لقب «شيطان أريحا» لقدرته على المناورة والمداورة.. وهو السبب نفسه الذي دفع رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق آرييل شارون لأنه يطلب عدم ضمّه الى الوفد الفلسطيني الذي التقاه في ما بعد.. لكن مع ذلك ورغم ركضه المستمر في «حلبة المفاوضات» ممسكا بغصن الزيتون فإن «صائب» لم يكن في بعض الأحيان «صائبا» في مسعاه.. وهو ما اعترف به هو نفسه حين أطلقها مدوية في اعتراف صريح قائلا «لقد جاءت لحظة الحقيقة ومصارحة الشعب الفلسطيني بأننا لم نستطع أن نحقق حل الدولتين من خلال المفاوضات التي استمرّت 18 عاما» وذلك بعد أن ظلّ طوال السنوات الماضية يدعو الى الهدوء والصبر وعدم الاستجابة لمحاولات انفلات الأعصاب.. لكن ها هو الدكتور صائب يعود مرة أخرى الى المفاوضات فكيف تراه يفاوض.. في لعبة جديدة محكوم عليها مسبقا بأنها لن تحقّق سوى السّراب؟.. وهل تراه يملك أصلا الجواب؟..