الوضع بالنسبة اليهم لم يعد يطاق حتى أن بعضهم غادر شقته في انتظار أن تتدخل الجهات المعنية وتقضي على الضجيج وبعض السلوكيات التي حولت معنى المسكن عندهم من السكينة والراحة إلى التعب والمعاناة .. هي بالفعل معاناة، فكل متساكني شارع الهادي خفشة بصفاقس ودون استثناء يتذمرون، والسبب هو الشاحنات الثقيلة التي ترابط بينهم ليلا ونهارا فتنغص حياتهم ، فلا الموظف ينام ، ولا التلميذ يراجع ، ولا الأم بإمكانها أن تهتم بشؤون منزلها أو حتى تتابع البرامج التلفزية والإذاعية .. قد يبدو للبعض أن ما ذكرناه فيه مبالغة، بل العكس هو الأصح، فمعاناة هؤلاء تتجاوز هذا الحد وهو ماوقفنا عنده بزيارة ميدانية للمكان، زيارتنا لم تدم طويلا لأننا ببساطة لم نتحمل البقاء في «المأوى الجديد للشاحنات الثقيلة» لوقت طويل بسبب ضجيج الشاحنات الثقيلة التي تدخل وتخرج من وإلى المأوى في كل لحظة . دخول الشاحنات أو خروجها يعني محركات ضخمة تشتغلو ما يتبعها من أزيز العجلات وأصوات مستعملي الشاحنات أنفسهم الذين يفضلون وضع وسائل نقلهم مساء بالمكان لإعادة استعمالها فجرا، وبين هذا وذاك لا تهدأ الحركة في مربض الشاحنات الذي هو في الواقع أرض بيضاء تابعة للملك البحري العمومي. الأرض البيضاء التي تحولت بين عشية وضحاها إلى مأوى للشاحنات الثقيلة، واقعة بقلب مدينة صفاقس من الجهة الجنوبية أي قرب «شط القراقنة»، وعوضا أن تتحول إلى فضاء للسياحة الداخلية وخدماتها، أو منتزه ترفيهي يرتاح فيه الأهالي والزائرون وأبناؤهم ، تحولت إلى مصدر ضجيج ومعاناة وقلق لا تتوقف 24 ساعة، ومع ضجيج المحركات يشتكي سكان العمارات القريبة من «المأوى» من سلوكيات بعض السائقين الذين استغلوا خلو المكان لاعتماده كمرحاض في الهواء الطلق .. هي بالفعل معاناة وعلى أملاك الدولة والبيئة والولاية التدخل في أقرب وقت ممكن للحد من زحف الشاحنات الثقيلة على قلب مدينة صفاقس التي لم تعد تطاق وفي المقابل ترفع البلدية شعار «المدينة المنتزه» و هي التي تقضي على المنتزهات، وشارع الهادي خفشة المطل على البحر أفضل دليل ...