من اجل الاساءة لرئيس الجمهورية: احكام سجنية في حق طبيب والكاتب الجهوي لحركة النهضة بباجة    ماهر الكتاري يكشف أسباب إسقاط الضريبة على الثروة    نقابة التعليم الثانوي تقاطع كافة أشكال التقييم الجزائي بداية من الثلاثي الثاني    تزامنا مع موجة البرد..رئيس الغرفة الوطنية لموزعي قوارير الغاز المنزلي يؤكد ويطمئن..#خبر_عاجل    وزير الفلاحة: تكليف الديوان الوطني للزيت بإعداد مخزون من زيت الزيتون باعتماد أسعار مشجعة    تراجع قطيع الأبقار ب20% ووزارة الفلاحة تعلن إجراءات عاجلة لإعادة التوازن    ماليزيا تعتزم حظر "التواصل الاجتماعي" لمن هم أقل من 16 عاما    إيطاليا تفوز بكأس ديفيز للمرة الثالثة تواليا بتغلبها على إسبانيا    كأس الكونفدرالية الإفريقية: النتائج الكاملة لمباريات الجولة الأولى    الإدارة الوطنية للتّحكيم تجتمع اليوم برؤساء أندية الرابطة الأولى    عاجل/ ضربة موجعة جديدة لشبكات ترويج المخدرات..    عاجل: دراسة صادمة ....أزمة القلب والجلطات المفاجئة تهدد الشباب    عاجل: ديوان الزيت يعلن موعد شراء زيت الزيتون من المعاصر    عاجل: سحب أواني طهي من الأسواق الأمريكية..قد تسبب السرطان والتوحد    صادم: برشلونة يحرم لاعبيه من اللحم باش يقتصد... شنوة الحكاية؟    زيلينسكي يرد على "انتقادات ترامب" بأسلوب يثير التساؤلات    عاجل: تساقطات مهمة متوقعة بعد انخفاض مفاجئ في الطقس    صادم: ستينية تُقْتَلْ على يد حبيبها بسبب إلحاحها على الزواج    المهرجانات في تونس بين ضغط الحاجة وقلة الموارد    بالفيديو: عزيزة بولبيار: حبيت راجل واحد وخذيتو رغم اللي ضربوني وكليت الطرايح عليه    سينما المغرب العربي تتألّق في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025    تغير مفاجئ في الطقس خلال 48 ساعة: خبير يكشف..    هاو شنو يصير لبدنك إذا ما شربتش ماء قبل النوم    تغيّرات مناخية حادّة... والرحيلي يكشف معطيات مقلقة حول مخزون السدود    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    استقرار مؤقت اليوم وغدوة... لكن عودة للأمطار بداية من هذا التاريخ    تونس رئيسا للاتحاد العربي للقضاء الإداري في دورته الخامسة    وزير الفلاحة: الترفيع في نسق وضع الاسمدة الى حوالي الف و 400 طن في مختلف جهات الجمهورية    ضغطت عليه من أجل الزواج فأنهى حياتها..مقتل ستينية على يد حبيبها..    أيام قرطاج المسرحية 2025: مسرحية "سقوط حر" من مصر تعيد اختبار حرية التفكير    الدوحة: طائرة مسيرة لنقل الركاب في أول رحلة تجريبية في الشرق الأوسط    سياسيون بلا حراس في نيجيريا.. قرار أمني بسبب ظاهرة "خطيرة"    عاجل: طبيب تونسي يطلق نداء استغاثة بسبب فقدان أدوية السرطان    عاجل/ ستشمل هذه الدول ومنها تونس: منخفضات جوية جديدة وطقس بارد بداية من هذا التاريخ..    عاجل/ دليلة مصدق وبرهان بسيس يمثلان أمام القضاء..    عاجل/ مقتل هذا القيادي البارز في حزب الله اثر غارة اسرائيلية على بيروت..    ممداني لم يغير موقفه بشأن ترامب "الفاشي"    تنبيه..بديل طبيعي شائع للسكر ربما يعرضك لخطر السكتة الدماغية..!    ديوان الصناعات التقليدية يشارك في المعرض الدولي للحرف اليدوية بالرياض    مراد العقبي «الشروق»...الترجي قادر على التدارك والبلايلي لا يُعوّض    الليلة..الطقس بارد..    عاجل: المنتخب الوطني للتنس-ناشئين تحت 12- يُتوّج بطلا لإفريقيا    صادم: تراجع انتشار الحشرات في العالم يُهدّد الانسان    تونس تشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ بابوظبي بستة عناصر    جمهور غفير يُتابع مسرحية "الملك لير" وتكريم للفنان الكبير يحيى الفخراني    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    عاجل/ إسقاط هذا الفصل من الميزانية: ظافر الصغيري يكشف..    "حاجات جامدة بتحصللي من أقرب الناس"... شيرين تكشف حقيقة اعتزالها الغناء    مسرحية "(ال)حُلم... كوميديا سوداء" لجليلة بكار والفاضل الجعايبي: عمارة تتداعى ووطن يعاد ترميمه    قرمبالية تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فاكهة "التنين" بالحديقة العمومية    تواصل انخفاض درجات الحرارة الاحد    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في المنصورة (القيروان): وفاة «دهان» بصعقة كهربائية.. مسؤولية من ؟
نشر في الشروق يوم 20 - 10 - 2010

لمسات الدهن الأبيض توقفت فجأة على الجدار وسقطت الفرشاة تاركة آخر الآثار في منزل الجار. وفي منزل مجاور اسودت وجوه أصحابه حزنا وفارقت البسمة شفاه أطفاله الخمسة ينتظر احدهم (4 سنوات) عودة الوالد محملا بالحلوى غير مدرك بما يدور حوله.
ووسط حي مظلم انقطع عنه التيار الكهربائي تجمعت وجوه ملتحفة حزنا وظلاما تنتظر جنازة تخلفت عن موعد الدفن. وهناك... في طريق الجنازة أضيئت الأنوار تسلخ جلد الظلام وتنير القبر المظلم. بينما حافظت أسلاك الكهرباء على هدوئها وتهديدها وتماسكها شاهدة على صمت طويل وجدل قد لا يأتي قريبا بالحل.
مشاهد الفاجعة واليتم ومفارقة النور والظلمة التي لعبت الكهرباء دور البطولة فيها، ارتسمت بمنزل السيد المولدي الحمزاوي (49 سنة) بجهة المنصورة (جنوب القيروان) حيث تعرض الى صعقة كهربائية مساء الأربعاء (13 أكتوبر 2010) فأودت بحياته بعد ساعات من إقامته بمستشفى الأغالبة بالقيروان وذلك عندما كان بصدد دهن منزل احد أجواره بنفس الحي.
تم عرض جثة الكهل على التشريح الطبي وفتح بحث امني في الغرض قبل تشييع جنازة الهالك مؤخرا...تحت جنح الظلام.
«الشروق» نشرت في عددها الصادر يوم السبت 16 أكتوبر خبر الواقعة غير ان حادثة الوفاة خلفت فاجعة ويتما في العائلة كما اعادت الى سكان حي ابن الجزار2 مخاطر الأسلاك التي تمر فوق أسطح منازلهم وفوق مدرسة أطفالهم. وقصد تسليط «الضوء» على هذه الفاجعة التي تحولت الى محور جدل بين سكان الحي والجهات المعنية، الشروق تحولت الى موقع الحادثة واستمعت الى الجار المؤجر كما زارت منزل الهالك حيث واصل المعزون مواساتهم للأرملة وابنائها.
يقع حي ابن الجزار بمنطقة المنصورة بمدينة القيروان وهو من الأحياء الحديثة التي نشأت حول أطراف المدينة. وقد رغبنا في تتبع تسلسل الأحداث انطلاقا من موقع الفاجعة فوق سطح منزل احد الأجوار مرورا بمنزل اليتامى والثكالى.
كهرباء...فوق السطح
يقع منزل المؤجر نحو مائتي متر عن منزل الهالك. وهناك كان منطلق الأحداث مع شرارة الكهرباء الصادرة عن سلك كهربائي عالي الضغط يمر عاليا ومباشرة فوق السطح.
السيد محمود القوتي صاحب المنزل، أكد ان الهالك جاءه حوالي الساعة الخامسة من مساء الأربعاء 13 أكتوبر لإتمام جزء من «دهانة» المنزل. وذكر ان جاره المولدي صعد الى سطح الطابق العلوي وشرع في عمله.
يشير الجار بيديه الى الجزء المدهون من الجدار الذي لم يكتمل دهنه ويضيف انه كان بالأسفل يتابع عمل الهالك الذي كان يمسك بفرشاة الدهن المشدودة الى عصا طويلة, وبعد لحظات سمع دوي انفجار وشاهد شرارة من نار انتبه لها كما انتبه لها جميع الأجوار.
وأردف انه عندما صعد الى سطح منزله وجد المولدي ملقى على الأرضية وسرعان ما تجمع حوله عدد كبير من الجيران ثم تم نقله الى المستشفى اين تم الاحتفاظ به بقسم الإنعاش.
واكد صاحب المنزل انه شيده منذ اكثر من 15 عاما بترخيص من الجهات البلدية المختصة وأنه احترم المسافة اللازمة بينه وبين أسلاك الكهرباء التي كانت موجودة حينها. وبين انه بنى منزله بترخيص من البلدية وانه يدفع ما عليه من آداءات رغم عدم تمتعه بخدمات الانارة وتهيئة الطريق. كما استغرب توجيه اللائمة اليه والحال ان إدارة الستاغ وعدته وجيرانه بازالة الأسلاك وإبعادها محملا إياها المسؤولية لعدم الإسراع بتنفيذ ما وعدت.
وختم بقوله «انا استجبت لطلبات البلدية بالبناء العمودي وتنظيف واجهات المنازل ولم اكن أتوقع ان يكون هناك خطر على من يصعد الى السطح».
الصاعقة
أمام منزل الهالك المولدي الحمزاوي اجتمع المواسون والمعزون. كانت احاديثهم متمحورة حول وضع الأسرة وحاجتها للعناية بعد وفاة كافلها الوحيد.
السيدة شامة برهومي أرملة الهالك جمعت من حولها بناتها الأربع يواسي بعضهن البعض بينما كان «آخر العنقود» محمد (4 سنوات) يلهو غير مدرك لما يدور حوله محدثا أترابه ان والده سيقيم له حفل ختان قريبا.
كانت في ذهول وحزن مطبق تلملم شتات عواطفها واحزانها في حيرة امام المسؤولية التي خلفها زوجها الهالك في... «أمانة وما ادراك ما تلك الأمانة إنهم خمسة أطفال بين 4 و19 سنة». هكذا حدثت الأرملة عن حالها.
واضافت متحدثة عن اخر لقاء لها بزوجها: «عاد من العمل فاغتسل وصلى ثم خرج متعجلا مؤكدا ان الرجل ينتظره واعدا ابنه محمد باصطحابه الى الحلاق فلم يمض عن مغادرته سوى دقائق قليلة حتى جاءها خبر تعرضه الى صعقة». وتقول «كنت أقف أمام باب المنزل برفقة ابني محمد عندما سمعت دوي الصعقة وشاهدت وميضا كوميض البرق وعندما اقتربت لاستجلاء الأمر علمت ان زوجي تعرض الى صعقة فلم اصدق لأنه كان قد خرج لتوه من المنزل فهرعت غير مدركة لما يجري».
تطأطئ رأسها المثقل بالحزن والمسؤولية وهي تواصل انها وجدته يتكلم وقد تعرض أعلى جسمه الى حروق. فلم تستطع محادثته ولم تره سوى في تلك المناسبة اذ انه لم يسمح لها برؤيته في المستشفى.
كانت بناتها الأربع يتطلعن الى وجهها الداكن ويحاكين تفاعلاته. وهن يتابعن تفاصيل الوفاة والدهن.
من يعيل اليتامى؟
تمسك برأسها الذي يحمل مصيبة اكبر مما يطيق. همها الوحيد تربية أطفالها الخمسة ,وتؤكد الارملة بانها أمام مسؤولية جسيمة وكبيرة لا تقوى على تحملها. وبينت ان زوجها كان يتكفل بجميع مصاريف أسرته.
ووصفته بانه «كان مجاهدا في سبيل تربية الابناء وكان لا يتخلف عن توفير مستلزمات أسرته رغم ضيق اليد. وأضافت أن مورد رزقهم الوحيد كانت أجرته. وأكدت انه بعد وفاته لم يبق لهم من معيل ومعين سوى الله تعالى...وأوضحت «لم يترك لنا سوى فرشاة الدهن» مناشدة المسؤولين ان يتدخلوا لمساعدتها على اعالة أبنائها والتكفل بدراستهم وعيشهم مستغربة عدم قدوم أي مسؤول لمواساتها في مصابها.
بنات الهالك (أربع بين 6 و19 سنة) لازلن في صدمة موزعات بين أحضان المعزين من أقارب وجيران يسألن عن خروف العيد ومن سيشتريه ويذبحه وعن لوازم الدراسة بينما استغرق الطفل محمد في اللهو مع أترابه يحدثهم عن حفل الختان الذي وعده به والده.
وبينت والدته انه غير مدرك لوفاته. أما الحاجة خديجة والدة الهالك فقد ذرفت دموع الحرقة على كبدها التي احترقت بوفاة ابنها الأكبر.. كان الهالك يكفلها الى جانب أسرته.
في الظلام
بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة لم يتمكن افراد أسرة الهالك من دفن جثته سوى بعد غروب شمس يوم الجمعة. وفي هذا الظلام غابت الأضواء عن المقبرة فتم دفن جثمان الهالك بواسطة مصابيح يدوية. واستغرب الجيران الكهرباء التي تتواجد في غير محلها محدثة مفارقة بين الموت والحياة.
الجنازة شهدت حضور عدد كبير رغم حالة الظلام. بعض من التقيناهم من الجيران والأقارب اكدوا ان تضامنهم مع جارهم يعود الى حسن سيرته ودماثة أخلاقه وطيب معشره من جهة، ونظرا لظروف العائلة التي أصبحت عليها وحاجة افرادها الى الدعم والمساعدة.
من المسؤول
ظهر جدل كبير بين ابناء الحي من ناحية والجهات المسؤولة (البلدية وإدارة الستاغ) من ناحية اخرى حول شبكة الكهرباء ذات الضغط العالي التي تقطع حي ابن الجزار وهي اسلاك عارية ثبت خطر صعقاتها من مسافة اقل من متر.
وأكد الجيران ان الخطر الذي تسبب في مقتل المولدي لا زال محدقا بهم وباطفالهم خاصة وانه يمر فوق شارع كامل بما في ذلك المدرسة الابتدائيةالتي يلاصق جدارها عمود الكهرباء.
وأكد مسؤول ببلدية القيروان ان عددا كبيرا من المساكن بالحي مخالفة لشروط البناء بسبب عدم امتثالها في المحافظة على مسافة التراجع بين 3 و4 امتار عن الجدار الخارجي.
من جهتها تابعت إدارة الستاغ القضية. وتمسكت بأنها اقامت شبكاتها قبل إحداث الأحياء السكنية ثم نبهت السكان المخالفين الى الخطر عبر مراسلات كتابية بينت لهم فيها انه يستوجب ترك مسافة بين مترين و 3 أمتار عن الأسلاك لتجنب الخطر.
وأكد مصدر بالستاغ ان لدى الإدارة برنامجا لتطهير الشبكة وتحويل الخطوط ذات الضغط العالي والمتوسط تحت الأرض معقبا انها عملية مكلفة وان التدخل في حي ابن الجزار سيتم لاحقا (دون تحديد موعد لإزالة الخطر).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.